الفنون البصرية > فلكلوريات

لمحة عن فن سكان أمريكا الأصليين

استمع على ساوندكلاود 🎧

كانَ لفنّ سكّان أمريكا الأصليين ارتباطٌ وثيقٌ بالقيَم الروحانيّة والماورائية واستمدّوا موضوعاتِهم من الطَّبيـعةِ الأُم. فصُنِعَت العديد من الأعمال الفنّية لأجل إرضاءِ الآلهة وإطفاءِ غضبِهِا أو لإخافة الأرواحِ الشِّرّيرة أو لتكريمِ مولودٍ جديد أو شخصٍ فارقَ الحيـاة. ولم يكنِ الاهتمام موجَّهاً فقط تجاهَ العمل الفني بل بالطّقوس والشَّعـائر الضرورية التي تحيط صُنعه والمراحل التي يقومُ بها الفنان لإنجاز هذا العمل. وفي حال لم يتم استيفاء شروط الطقوس المعمول بها لإنجازِ أحدِ الأعمالِ الفنية حينئذٍ يفقدُ العمل الفنّي أهمّيَّتَه وأثرَهُ الرّوحي. وفي الواقع كلُّ شيءٍ صنعه الهنود الأمريكيين بذلوا فيهِ الكثير من الجهد والوقت.

فن صناعة الأقنعة:

اهتمَّ هنودُ أمريكا بصناعة الأقنعة وكانت تمثِّلُ جزءاً مهمَّـاً من ثقافتِهِم وحياتهم وارتدوها أثناء أداء الطّقوس والشعائر والرقصـات وكانت معظمها غريبة المنظر وتأخذُ شكلَ الحيوانات أو المخلوقات الأسطوريـّة. وتُقسَم الأقنعة إلى ثلاثةِ أنواع:

1- القناع البسيط Simple Mask: وهو القناع المُتعارف عليه.

2- القناع الميكانيكي/ المتَحرِّكMechanical Mask: يتضمَّن أجزاء قابِـلة للحركة كالعين التي تُفتَح وتُغلَق.

3- القِناع المتحوِّلTransformational Mask: كأن يكونَ هناك قناعين أو أكثر في قِناعٍ واحد. القناع الخارجي يُفتَح ليظهرَ لنا القناعُ الدَّاخِلي وهكذا.

ومن الأقنعة المعروفة لدى تلكَ القبائل هو . False Face Mask كانت قبائل الإيروكوا Iroquois تحفرُ الملامح المشوَّهة أولاً لهذا القناع على جذع الشجرة وأثناء الحفر واقتطاع القناع من الجذع. تـتلى الصلوات على هذا القناع وللأرواحِ التي يمثِّلُها. بعدها يتمُّ طلاءه بالألوان ثم يُضافُ إليهِ شعر الحصان. لم يُستخدَم هذا القناع من قبل أفراد القبائل بأجمعها بل كانَ حِكراً على مجموعةٍ طبيّة تدعى False Face Society. وحسب تقاليد تلك القبائل، تقامُ الشَّعائر الخاصة لتلك المجموعة مرتين سنوياً يقومُ فيها أعضاؤها بدخول البيوت مرتدين أقنعتَهم وطرد الأمراض والشُّرور.

لم يقتصر عمل هذه المجموعة على الشعائر السنوية بل كانوا يُدعَون لشفاءِ الحالات المستعصية وفي حال شفاءِ الشخص يتمُّ استقبالهُ كعضوٍ في هذه المجموعة.

- مُصغَّرات لمجموعة False Faces في متحف ميلووكي في الولايات المتحدة الأمريكية:

الأزيــاء:

لم يكتفِ سكان أمريكا الأصليين بتزيين أوانيهم وأعمالهِمُ اليدويَّـة فحسْب بل وزينوا أزياءهم ودهنوا وجوهَهُم بالأصباغ. وكذلك اهتمَوا بتزيين أحصنتِهِم:

واستخدموا الرّيش كثيراً في تزيين أزيائهم. ترمزُ الريشة لديهم إلى الكثير من المعاني الرفيعة كالثقة والشَّرف والقوة والحِكمة والحريَّة. وكان ريش النسور الصلعاء أو الذهبية من أهمِّ ما يمكنُ امتلاكه أو إهداءه بسببِ إيمانِهم القويّ أنَّ للنُّسورِ ارتباطٌ قويٌّ بالقِوى السَّماوية حيثُ تحلِّقُ عالِياً في الفضـاء. لم يحصلِ الهندي الأميركي على ريش النسور بسهولة بل كانَ يتطلَّبُ منهُ الأمر أن يقومَ بعملٍ شجاعٍ ليستحقّ الحصول عليه، لذلك كانَ امتلاكُ الرِّيش مدعاةً للفخر فلم يخبؤوا الريش في أماكنَ لا تُرى بل زيَّنوا بها منازلَهم أو أزياءَهم.

فن صناعة الأواني:

اشتُهرَت القبائل القاطنة في المناطق الجنوبية الغربية من أمريكا أو التي تُدعى Pueblos بصناعةِ الأواني الفخارية والخزفيَّة وكانت تزيِّنُ أوانيها الفخاريَّـة برسومٍ طبيعية كإضافة رسوم للأزهار والطيور أو هندسية كالخطوطِ المتعرِّجة باستخدام اللونين الأحمـر والأسود على خلفيّة بيضـاء. حافظَت معظم القبائل على فن صناعة الفخار باستثناء بعضها الذي اندثر عندها هذا الفن في أربعينات القرن المـاضي. وبالإضافة إلى الأواني الفخارية فقد صنعوا العديد من الأواني الخزفيّة ذات الألوان الذهبيَّة والبـُنيّة.

لاقطات الأحلام Dream Catchers:

تعدُّ هذه الزينة المصنوعة يدوياً من أكثر الأعمال اليدوية السَّـاحرة في تقاليد سكان أمريكا الأصليين. تروي القصص أنَّ للهنود اعتقادٌ بأنَّ الهواءَ في الليل مليءٌ بالأحلام الجيدة منها والسّيّئة فعلَّقوا لاقِطاتِ الأحلام بجانب الشَّخصِ النَّائم وتركوها متدلّيّـة لتتمايل في الهواء بحريَّة إلى جانبه بنيَّةِ جمايتِه من الأحلامِ السيِّئة وجذب الأحلام الجيدة. تدخل الأحلام الجيدة من مركز الدائرة وتتسرَب إلى الفرد من خلالِ الرّيش المتمايل بفِعْلِ الهـواء، أمَّـا الأحلام السيئة فتـُلتَقَطُ في الشَّبكة وتُطرَد حينَ تسقطُ عليها الخيوط الأولى لأشعَّةِ الشَّمس.

الرَّسمُ بالرِّمـل:

يشتَهرُ الرَّسم بالرَمل بين قبائل النافاهو Navajos والآباش Apaches و الزونيس Zunis وعدَّة قبائل أخرى. وتحتلّ قبائل النافاهو المرتبة الأولى في الرّسم بالرمل في أيامِنا هذه.

تُقامُ طقوس الرَسم على الرَّمل كشعيرةٍ استشفائية. يجلسُ المريض في وسط هذه اللوحة المرسومة بالرَّمل والتي تمّثلُ بوابةً للأرواح. من خلال هذه البوَّابة الروحية يقومُ المريض بامتصاص طاقة الشِّفـاء. لم يكنِ الغرضُ من هذه الرسوم الرملية أن تكونَ فنَّاً أو حِفظاً للتراث بل كان الغرض منها استشفائياً بحتاً، حيثُ قام الهنود الأمريكيين بإتلافها عندَ انتهاء الطُّقوس لاعتقادِهم بأنها امتصَّت طاقة المرض ولا يجوزُ مسَّها.

أنواع الأصباغ والألوان المستعمَلة:

استعملَ سكّان أمريكا الأصليين الأصباغَ المعدنيَّة المُتَواجِدةِ في الآثارِ والأحجارِ القَديمة والأصباغ النباتيَّة واستُبدلت هذهِ الأصباغ فيما بعد بالألوان المصنَّعة نتيجة حركة التجارة.

لم يقتصر فن سكان أمريكا الأصليين على هذه الأمـورِ فحسْب، بل حاكوا السجاد والُّدُّثـُر وصنعوا السِّلال وأضافوا عليهِ لمستهم الفنية الخاصَّة والأشكال الهندسية والطبيعية الزخرفيَّة وصنعوا العديد من المنحوتات والدُّمـى التي ما تزال حتّى يومِنا هذا محلّ دراسة لمعرفةِ رموزها وغاياتِـها. فلم يكنْ فنَّهم مقتصِراً على الأمـور الجمالية فقط بل كانَ جزءاً لا يتجزَّأ من حياتِهِمُ اليوميَّـة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا