الرياضيات > الرياضيات

جائزة أبل لعام 2016 : إثبات مبرهنة فيرما الأخيرة بعد ثلاثة قرون من الغموض

استمع على ساوندكلاود 🎧

أندرو ويلز يحصلُ على ما يكافئُ "جائزةَ نوبل" في الرياضيات بعد أن أوجدَ حلاً لمسألةٍ استعصت على العلماءِ لثلاثة قرونٍ ونصف.

أعلنتْ الأكاديميةُ النرويجية للعلومِ والآداب في 15 من آذار الحالي عن منحِ جائزةِ آبيل لـ سير أندرو ويلز

Sir Andrew J. Wiles لعملِه على إثباتِ المبرهنة الأخيرةِ لفيرما في العام 1995 والتي يعتبرُها البعض جائزةَ نوبل للرياضيات وتلقى مبلغاً قدره 6 ملايين كورونا (ما يقارب 700000 دولار أمريكي).

يعملُ ويلز البالغ من العمر 62 عاماً، في جامعةِ أوكسفورد في المملكةُ المتحدة وقد قامَ بإثبات القضيةِ التالية: " نفيُ وجودِ أعدادٍ صحيحةٍ موجبةٍ x،y،z تحقق المعادلة التالية

تحققُ المعادلةَ التاليةَ x^n + y^n =z^nوذلك من أجل أي عدد n أكبر من 2".

عند إعلانِ النتيجةِ صرّح ويلز لمجلةِ الطبيعة Nature أن الجائزةَ كانت "مفاجأةً كاملة" له.

يقول مارتن بريدسون Martin Bridson مديرُ معهدِ الرياضياتِ في أوكسفورد والذي يقعُ في المبنى الذي يحملُ اسم ويلز: "يمكن اعتبارُ ويلز من أكثرِ علماءِ الرياضيات شهرةً في القرن العشرين وذلك لعملِه على مسألةٍ اعتبرت صعبةً جداً من قبلِ الكثيرين"

وعلى الرغمِ من أنّ عمرَ إنجازِه يعودُ إلى عقدينِ من الزمن، فإنه لايزالُ مصدرَ إلهامٍ للعقولِ الشابة. وهو ما يتضحُ من تفاعلِ أطفالِ المدارسِ في محاضراتِه العامة. "إنهم يعاملونَه كأحد نجومِ موسيقى الروك" يقول بريدسون "ويصطفّون في طابورٍ للالتقاط الصور معه".

سعيٌ مدى الحياة :

ظلت المبرهنةُ الأخيرةُ لفيرما مسألةً غامضة لم يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منها. في ثمانينات القرن العشرين شرع ويلز والذي كان آنذاك عضواً في هيئة التدريس بجامعة برينستون عملَه بسريةٍ تامة في منزلِه ولمدة سبعِ سنوات. كان يرغب في تجنب الضغط الناجم عن اهتمام الآخرين بحل هذه المسألة ومنعِهم من سرقة أفكاره. ولم يُعلم أحداً بعمله عدا عن زوجته.

(3) لقد شبّه خبرَته في دراسةِ الرياضيات برحلة داخلَ قصرٍ ضخم مظلم: "تدخل الحجرة الأولى وهي مظلمةٌ تماما. تتخبط داخلها وتصطدم بالأثاث، ولكنك تتعرّف بالتدريج على مكان كل قطعةٍ منه. وأخيرا، وبعد ستة أشهر أو نحو ذلك، تجد زر الإضاءة؛ تضغط على الزر وفجأة يضيء لك كل شيء و ترى موقعك بالضبط. بعد ذلك تتحرك نحو الحجرة التالية وتقضي ستة أشهر أخرى في الظلام. وعلى ذلك فإن كلاً من هذه الاختراقات والتي قد تحدث لحظياً في بعض الأحيان أو على مدى يوم أو يومين، هي في الواقع حصيلة ما سبق من تخبط في الظلام لشهور عديدةٍ، وما كانت لتحدث دون هذا التخبط"

وفي 23 / 6 / 1993 أعلن نتيجته في مؤتمر عُقِد بمعهد نيوتن للعلوم الرياضياتية في كمبردج. وقد فوجئ العالم وابتهجوا ببرهانه. وهنا بدأ الاهتمامُ المتزايد من قبل وسائل الإعلام بعمله، وبدأ كبارُ علماء الرياضيات بمراجعتِه. وبعد شهرين تقريباً كشف أحدُ زملائه عن خطأٍ جسيم في خطوات برهان ويلز. وهنا انقلبَ حلمُ ويلز الذي لازمه منذُ الطفولةِ إلى كابوسٍ، فاعتزل ويلز لمدة أربعةَ عشرَ شهراً، ولم يناقش الخطأ إلا مع تلميذِه السابق ريتشارد تايلور والذي يعمل حالياً في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون محاولين إصلاحَ الخلل في طريقةِ البرهان. وقد استخدم ويلز وطبَّق وسائل أخرى كان قد رفضها من قبل. وكانا على وشك الإقرارِ بالهزيمة والموافقةِ على نشر البرهان الخاطئ لكي يحاولَ غيرُهما تصحيحَه، لولا أنهما وجدا في 19 / 9/ 1994التعديلَ الفعال.

ويقولُ ويلز عن هذا الاكتشاف: "كان جميلا بدرجةٍ يتعذّر وصفُها، كان بسيطا وأنيقا للغاية. في الليلة الأولى، عدت إلى المنزل وأويت إلى فراشي تاركا المسألة للغد. وفي الصباح راجعت البرهان مرة أخرى ثم توجهت إلى زوجتي وأخبرتها قائلا: لقد حصلت عليه. أعتقد أني وجدته. وكان الأمر غيرَ متوقَّعٍ لديها لدرجة أنها ظنت أني أتحدثُ عن لعبةٍ لأحد أطفالنا أو عن شيء من هذا القبيل، فسألتني: حصلت على ماذا؟ وكانت إجابتي: لقد أصلحت برهاني، لقد وجدته."

كما يخبرُنا ويلز عن الفترةِ التي تلتْ اكتشافَ الخطأِ الجسيمِ وتعرضه لضغطٍ كبيرٍ خاصةً بعد أن احتل ادعاءُ ويلز الأصليِّ عناوينَ الأخبارِ حول العالم فيقول: "ممارسةُ الرياضياتِ في مثل هذا الجو المشحونِ هو بالتأكيد ليس أسلوبي، وليس لدي أي رغبةٍ في تكرارِ ذلك" ويضيف: "لسوءِ الحظ فنحنُ كبشرٍ نجحنا عن طريق التجربة والخطأ، والشعب الذي ينجحُ هو الشعبُ الذي يتغلبُ على النكسات"

تعرّف ويلز إلى عالمِ الرياضيات الفرنسي بيير دي فيرما Pierre de Fermat في طفولته في كامبريدج. وكما قيلَ له فقد كتبَ فيرما مبرهنتَه الأخيرةَ، حينما كان يدرسُ كتابَ رياضياتٍ إغريقيٍ قديم بعنوان الحسابِ (الأريثماطيقا) Arithmetica والذي كتبه الإسكندري ديوفانتوس Diophantus.

لقد عالج الكتابُ الحلولَ الصحيحةَ (أي أعداداً لاكسرية) لمعادلةِ فيثاغورث a^2 + b^2 = c^2 ، مثل a = 3 و b = 4 و c = 5 وهي العلاقةُ التي تربطُ بين أطوالِ أضلاعِ مثلثٍ قائمِ الزاوية. ومن المعلوم أن لهذه المعادلة عددٌ غير منتهٍ من الحلولِ الصحيحة، وتعرفُ هذه الحلول بثلاثياتِ فيثاغورث Pythagorean triples.

وقد ذهب فيرما خطوةً أبعدَ من ذلك، واستنتج في عام 1637 أنه لا يوجد حلولٌ صحيحةٌ للمعادلة:

x^n + y^n =z^n عندما يكون n أكبر من 2.

قد يبدو الأمر غريبا ألا يكون هناك أية "ثلاثيات فيرما" مع وجودِ عددٍ لانهائي من ثلاثيات فيثاغورث. ومع ذلك، فقد كان فيرما يعتقد أن بإمكانه إثباتُ فرضيته ببرهانٍ صحيح. فقد كتب على هامش كتابِ الحساب العبارة التالية "لدي إثباتٌ رائعٌ بحقٍ لهذا الفرض، والذي لا يمكن لهذا الهامش الضيق جداً أن يتسع له." وأصبحت هذه العبارة بمثابة خريطةِ الكنز المفقودةِ التي يبحث عنها علماءُ الرياضياتِ منذ ذلك التاريخ. وكان فيرما قد كتب عباراتٍ كثيرةً مشابهةً لهذه العبارة والتي تثير الفضول والحنقَ بآنٍ واحد. وبعد وفاته، نشر ابنُه نسخةً من الحساب تحتوي على هذه العبارات. وقد تم إثباتُ جميعِ المبرهنات التي أشار إليها فيرما، الواحدةَ تلو الأخرى، فيما عدا واحدةٍ فقط والتي كانت مبرهنتَه الأخيرة.

يقول ويلز عن فكرة فيرما: "اعتقدت أنها تمتلكُ قصةً رومانسيةً جداً" ويضيف: "إنها من ذلك النمطِ من القصص التي تستولي على خيالِ الناس عندما يكونون صغاراً ويجعلهم يفكرون خوضَ عالمِ الرياضيات."

تصدى العديدُ من علماء الرياضيات لمبرهنةِ فيرما الأخيرةِ ولكنهم فشلوا جميعاً في إثباتها. وفي عام 1742، أصيبَ ليونارد أويلر Leonard Euler (وكان أعظمَ المشتغلين بنظريةِ الأعداد في القرن الثامن عشر) بالإحباط لعجزِه عن إثباتِ مبرهنةِ فيرما الأخيرة إلى حد أنه طلبَ إلى أحدِ أصدقائه تفتيشَ منزلِ فيرما للبحث عن أي أوراق مهملةٍ متروكة قد تكونُ مسوداتٍ تتضمن معلوماتٍ أساسية تقودُ إلى إثباتِ هذه المبرهنة. وقد استطاع إثباتَ المبرهنةِ من أجل n = 3 فقط.

وفي القرن التاسع عشر توصلت صوفي جيرمان Sophie German - التي كانت تتابعُ دراساتِها تحت اسمٍ مستعارٍ هو <مسيو لوبلان>، وذلك بسبب التحيزِ آنذاك ضد النساء المشتغلات بالرياضيات ـ إلى أول اختراق مهم. فقد أثبتت جيرمان مبرهنة عامة قطعت بها شوطا طويلا نحو حل معادلة فيرما عندما تكون n أكبر من 2 ويكون كل من n و1 + (2*n)عدداً أولياً. ولكنها لم تتوصل إلى برهان كامل. ويميل الخبراء الآن للاتفاق على أن الصيغة الأكثر عمومية للعبارة لا يمكن لها أن تحل بدون أدوات رياضية تكشفت في القرن العشرين.

وفي العام 1983، قام عالم الرياضيات الألماني جيرد فالتينغز Gerd Faltings (ويعمل الآن في معهد ماكس بلانك للرياضيات في بون) بقفزةٍ هائلةٍ إلى الأمام عن طريق إثبات أن صيغةَ فيرما تملك، على الأكثرِ، عدداً منتهياً من الحلول، على الرغم من أنه لم يستطع أن يبين أن هذا العددَ ينبغي أن يكون صفراً (بمعنى أنه لا توجد حلول لهذه الصيغة). وفي الحقيقة، فقد قام فالتينغز بإثبات نتيجةٍ ينظر إليها من قبل المتخصصين على أنها أعمقُ وأكثر إثارة للاهتمام من مبرهنة فيرما الأخيرة نفسِها، فقد أثبت أن صفاً واسعاً من المعادلات يمتلك، على الأكثر، عدداً غير منتهٍ من الحلول.

العدد الفائز :

لتضييق هذا العدد إلى الصفر، جرب ويلز نهجاً مختلفاً، فقد قام ببرهان حدسية شيمورا - تانياما Shimura - Taniyama Conjecture وهو اقتراح يعود إلى خمسينيات القرن العشرين والذي يصف كيف أن فرعين مختلفين جداً من الرياضيات هما المنحنيات الناقصية elliptic curves والصيغ المقياسية modular forms متكافئين نظرياً.

وأظهرت دراساتٌ أخرى أن إثبات ذلك التكافؤ يعني ضمنا إثبات فيرما ومثل نتيجة فلاتينغز اعتبرها معظم علماء الرياضيات ذات عمق أكبر بكثير من مبرهنة فيرما الأخيرة نفسها.

الاقتباس الكامل لجائزة آبيل يذكر أنها منحت لويلز "لإثباته المذهل لمبرهنة فيرما الأخيرة عن طريق الحدس المقياسي للمنحنيات التناقصية شبهِ المستقرة، فاتحاً بذلك عهداً جديداً في نظرية الأعداد."

تم اقتراح الرابط بين حدسية شيمورا - تانياما ومبرهنةِ فيرما الأخيرة للمرة الأولى في العام 1984 من خلال الخبير في علم الأعداد غيرهارد فراي Gerhard Frey ،والذي يعمل الآن في جامعة دويسبورغ - ايسن في ألمانيا، فقد ادعى أن أي مثالٍ مضادٍ لمبرهنة فيرما الأخيرة من شأنه أن يؤدي إلى مثال مضاد لحدسية شيمورا - تانياما.

أثبت كينيث ريبيت Kenneth Ribet وهو عالم رياضيات في جامعة كاليفورنيا، بيركلي ، أن فراي كان على حق، وبالتالي فإن أي شخص يقوم بإثبات الحدسية الأخيرة سيكون قد قام أيضاً بإثبات مبرهنةِ فيرما الأخيرة.

وهو ما لم يسهّل الأمر بأي شكل من الأشكال. ويقول ريبيت معلقاً في الفيلم الوثائقي على قناة البي بي سي في العام 1996 : "لقد كان أندرو ويلز أحد القلة من الناس على وجه الكرة الأرضية ممن كانت لديهم الجرأة ليحلم بأنه قادر على الذهاب وبرهان هذه الحدسية."

فيما بعد وفي العام 2012 ادعى عالم الرياضيات شينيتشي موتشيزوكي Shinichi Mochizuki من معهد بحوث جامعة كيوتو لعلوم الرياضيات في اليابان امتلاكَه إثباتَ تلك الحدسيةِ، وما يزال التحقق من إثباتِه المكون من 500 صفحة من قبل العلماء المختصين. يرى بعض علماء الرياضيات أن عملَ موتشيزوكي يمكن أن يُقدَّمَ على أنه "رفعُ معنويات إضافي" وطريقة بديلة لإثبات فيرما، على الرغم من أن ويلز ينظر إلى تلك الآمال بقليل من الشك.

هذا وقد ساعد ويلز على إنشاء ورشة عمل لدراسة عمل موتشيزوكي في كانون الأول الماضي، على الرغم من أن اهتماماتِه البحثية مختلفةٌ بعض الشيء. وفي الآونة الأخيرة قام بتركيزِ جهوده على حدسية رئيسية أخرى غير مثبته في نظرية الأعداد، وهي إحدى المسائل الألفية السبع التي وضعها معهد كلاي للرياضيات في جامعة أوكسفورد في المملكة المتحدة. وقال أنه لا يزال يعمل بجد وعقله مشغول دائماً بالرياضيات في معظم ساعات يقظته، بما في ذلك عندما يمشي إلى مكتبه في الصباح.

وعلى الرغم من إثبات ويلز لمبرهنة فيرما الأخيرة فمازالت هناك أسئلة مهمة يثيرها غيره من علماء الرياضيات. وعلى الخصوص، يتفق الجميعُ على أن برهان ويلز معقدٌ وحديث للغاية وبالتالي لا يمكن أن يكون هو البرهانُ نفسه الذي ألمحَ إليه فيرما عندما كتب ملاحظَته على هامشِ كتاب الحساب. فإما أن يكون فيرما مخطئا، ويكون برهانه - إن وجد - غيرَ صحيح، وإما أن يكون ثمة برهانٌ آخر بسيط وبارع لم يُكْتشف بعد.

فهل تملك عزيزي القارئ صبر وعزيمة ويلز لإيجادِ مثلِ هذا البرهان؟ ويستمر البحث...

توضيحات :

* جائزة آبيل: تمنح جائزة آبيل من قبلِ الأكاديميةِ النرويجيةِ للعلوم والآداب. ويستند اختيارُ الفائز بناء على توصية من قبل لجنة آبيل، والمؤلفة من خمسة علماء رياضيات معترف بهم دولياً.

وأعضاء اللجنة الحالية هم

John Rognes (رئيس اللجنة) ،Rahul Pandharipande، Éva Tardos، Luigi Ambrosio، Marta Sanz-Solé.

تمول جائزة آبيل والفعاليات المصاحبة من قبل الحكومة النرويجية.

لتحميل والاطلاع على الورقة البحثية بشكل كامل :

هنا

المصادر :

هنا

هنا

(3) :

هنا