التعليم واللغات > اللغويات

ما علاقةُ الدردشةِ الالكترونيةِ بلغةٍ أجنبيةٍ في تحسينِ مستوى اللغة؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

هل فكّرتَ يوماً في إجراءِ دردشةٍ الكترونيةٍ مع شخصٍ فرنسيٍّ لتُحسّنَ من مستوى لغتِك الفرنسية؟ هل لديكَ صديقٌ كوريٌّ تحدثُه على منصةِ الفيسبوك باستمرار؟ اليوم سنتعرفُ على تأثيرِ الدردشةِ الالكترونيةِ مع متحدثي اللغاتِ الأخرى في تحسينِ مستوى اللغةِ التي تريدُ تعلُّمَها.

تشيرُ الأبحاثُ في مجالِ اكتسابِ اللغةِ الثانيةِ إلى أنَّ المحادثاتِ (الشفويةِ) تساهمُ في تحسينِ مستوى اللغةِ الحاليِّ للمتعلمِ وأنَّ المتعلمين سيقومون بإجراءِ المحادثاتِ إذا ما توافرت لهم الفرصُ للقيامِ بذلك. في حالِ كنتَ من أولئك الذين يتعلمون لغةَ الدولةِ التي سافروا إليها ويعيشون بها فإنَّ فرصتَكَ كبيرةٌ ومتاحةٌ دائماً ولكن ماذا عن المتعلمين عن بعدٍ أو الأشخاصِ الراغبينَ في تعلمِ اللغاتِ في بلدهِم الأم؟

قام الباحثُ Vincenza Tudini من جامعةِ جنوبِ استراليا ببحثٍ عن الفرصِ التي تقدِّمُها الدردشةُ الالكترونيةُ في التعويضِ عن التواصلِ الشفهيِّ مع متحدثي اللغةِ وتضمَّنَ بحثُه الإجاباتِ على الأسئلة التالية:

1. هل توفّرُ الدردشةُ الالكترونيةُ عن بعدٍ فرصاً للتفاوضِ حولَ المعنى في المهامِ المفتوحةِ النهايةِ في جلسةٍ واحدةٍ مع أشخاصٍ غير معروفين مسبقاً ودونَ أيِّ إشراف؟

2. ما هي المسبباتُ الأساسيةُ للنقاشاتِ والتعديلاتِ اللغويةِ في لغةِ المتعلمِ أثناءَ هذا التفاعلِ مع متحدثي اللغة الأم؟

3. هل توفرُ غرفُ الدردشةِ الالكترونيةِ العامةِ بيئةً مثاليةً لتعلمِ اللغةِ بدونِ إشرافٍ لمتعلمي اللغة؟

بدايةً سنتحدثُ قليلاً عن مفهومِ التفاوضِ حولَ المعنى. هو عميلةٌ تحدثُ لهدفِ التواصلِ حيث يقومُ المتعلمُ ومتحدثُ اللغةِ بتقديمِ وتفسيرِ إشاراتٍ لما فهموه ولما يجبُ أن يفهمَه الطرفُ الآخرُ ونتيجةً لذلك يُحَفَّزُ كلٌّ من الطرفين للقيامِ بتعديلاتٍ إمّا على الصيغةِ اللغويةِ أو بنيةِ المحادثةِ أو محتوى الرسالةِ أو الثلاثةِ معاً حتى يتمَّ الوصولُ إلى مستوى فهمٍ مقبول. وهناكَ دلائلٌ تشيرُ إلى وجودِ رابطٍ بين المحادثاتِ والتفاوضِ حولَ المعنى مع تطورِ لغةِ المتعلم وذلك لأنَّ المتحدثين بلغتِهم الأمِّ يقومون بتعديلِ لغتِهم لتسهيلِ اكتسابِها للطرفِ الآخرَ عبرَ ربطِ ما يتلقّاهُ المتعلمُ مع قدراتِه اللغويةِ الداخليةِ وإنتاجِه اللغويِّ بطريقةٍ فعالة.

شارك في البحثِ مجموعةُ طلابٍ مكوّنةٌ من 9 طلاب يتعلمون اللغةَ الإيطاليةَ و 49 متحدثاً باللغةِ الإيطاليةِ تراوحت أعمارُ الطلابِ بين 19 وال40 سنة بينما كانت أعمارُ متحدثي اللغةِ الإيطاليةِ مبهمةً نظراً لسياسةِ برامجِ الدردشةِ بإعطائِهم الحقَّ في الحصولِ على ألقابٍ بدلاً من إظهارِ أسمائِهم الحقيقةِ والحفاظِ على خصوصيةِ أعمارهم.

استمرَّ البحثُ لمدةِ عامٍ دراسيٍّ (فصلين دراسيين) في جامعةِ جنوبِ استراليا. حضرَ الطلابُ المشاركون في البحثِ حصةً تعريفيةً عن برنامجِ الدردشةِ (C6) الذي سيستخدمونَه لإجراءِ الدردشاتِ وما عليهم فعلُه، ثم طُلِب منهم التواصلُ مع متحدثين للغةِ الايطاليةِ في غرفِ دردشةٍ الكترونيةٍ معينةٍ في أوقاتِ فراغِهم. قُسمت غرفُ الدردشةِ إلى غرفِ محادثةٍ خاصةٍ بالمتعلمين فقط يوجدُ فيها مشرفٌ وغرفُ دردشةٍ خاصةٍ بالحديثِ مع متحدثين للغةِ الايطاليةِ بدونِ مشرف. يقدمُ كلٌ من المتعلمين في نهايةِ كل فصلٍ دراسيٍّ أرشيفَ المحادثاتِ للباحث. طُلب أيضاً من المتعلمين ملئ استبيانٍ عن الجوانبِ الايجابيةِ والجوانبِ السلبيةِ لكلِّ نوعٍ من غرفِ الدردشةِ في نهايةِ كلِّ فصل. قدّمَ جميعُ المتعلمين أرشيفَ محادثاتِهم في الفصلِ الدراسيِّ الأولِ واستمرَّ أربعةٌ منهم في الفصلِ الدراسي الثاني.

البيانات:

تضمنتِ البياناتُ النهائيةُ من 49 محادثةٍ (شخصٍ لشخص) بين تسعةٍ وأربعينَ متحدثاً للغةِ الايطاليةِ مع تسعةِ متعلمين، وتراوحَ طولُ المحادثةِ بين أربعةِ عشرةٍ إلى 237 دور حديث وكانَ مجموعُ الأدوارِ التي قدمَها المتعلمين 3، 687 دوراً حُذفَ منها بعضُ المحادثاتِ القصيرةِ والجماعية.

النتائج:

هل توفرُ الدردشةُ الالكترونيةُ عن بعدٍ فرصاً للتفاوضِ حولَ المعنى في المهامِ المفتوحةِ النهايةِ في جلسةٍ واحدةٍ مع أشخاصٍ غيرِ معروفين مسبقاً ودونَ أي إشراف؟

تبدو النتائجُ مؤكدةً لأبحاثٍ سابقةٍ وجدت أنَّ التفاوضَ حولَ المعنى هو ميزةٌ للدردشةِ الفوريةِ حتى في بيئةٍ من دونِ إشرافٍ حيثُ يكونُ متحدثُ اللغةِ مجهولاً بالنسبةِ للمتعلم. فبعدَ تحليلِ البياناتِ وجدَ الباحثُ أنّ التفاوضَ حولَ المعنى كانَ ميزةٌ لمعظمِ محادثاتِ المتعلمين مع متحدثي اللغةِ الايطاليةِ حيثُ احتوت المحادثاتِ على 61 تفاوضاً 11 مثالاً واضحاً عن التعديلاتِ في لغةِ المتعلمِ إلا أنَّ نسبةَ الأدوارِ التي احتوت على تفاوضٍ حول المعنى وتعديلاتٍ في اللغة كانت 9% (328 دوراً)

إنّ انتماءَ متحدثي اللغةِ الايطاليةِ إلى خلفياتٍ وبيئاتٍ وأعمارٍ مختلفةٍ يشكلُ عاملاً أساسياً في تباينِ كميةِ التصحيحِ و درجةِ حساسيتِهم لأخطاءِ المتعلمِ اللغوية. وتشكلُ درجةُ التدريبِ وشخصيةِ وجنسِ متحدثِ اللغةِ عواملَ مؤثرةً في سياقِ حديثِهم مع المتعلمين.

ما هي المسبباتُ الأساسيةُ للنقاشاتِ والتعديلاتِ اللغويةِ في لغةِ المتعلمِ أثناءَ هذا التفاعلِ مع متحدثي اللغةِ الأم؟

وجدَ الباحثُ مسبباتٍ متعددةٍ أدّت إلى دفعِ المتعلمِ إلى التعديلِ على لغتِه. تضمنت تسعةٌ من هذه المسبباتِ معلوماتٍ صريحةٍ أو ضمنيةٍ تلقاها المتعلمُ من متحدثي اللغةِ الايطاليةِ وهي ما أدّى بالمتعلمين إلى إعادةِ صياغةِ كلامِهم بصيغةٍ شبيهةٍ بلغةِ متحدثي الايطاليةِ ليكونَ كلامُهم مفهوماً. وجدَ الباحثُ حالتين من الإصلاحِ الذاتيِّ قامَ بها المتعلمين. ويوضحُ الجدولُ التالي الأنواعَ المتعددةَ للمسبباتِ التي تحفّزُ تعديلاتِ المتعلمين على إنتاجِهم اللغويِّ أثناءَ تفاعلِهم مع متحدثي اللغةِ الايطاليةِ على برنامجِ الدردشةِ C6. قد يكونُ من الأصحِّ تصنيفُ سوءِ استخدامِ المفرداتِ تحتَ تسميةِ قاموسِ المفرداتِ ولكنّها صُنِّفت بشكلٍ منفصلٍ لأنها تدلُّ على مفرداتٍ يعرفُها المتعلمُ ولكنه يستخدمُها بشكلٍ خاطئٍ في سياقٍ معينٍ

يبينُ الجدولُ التالي كيفَ أنَّ مسبباتِ التفاوضِ على المعنى تنوعت كثيراً في طبيعتِها إلا أنه من الممكنِ اعتبارِها بشكلٍ أساسيٍّ قضايا معجميةٍ (30 حالة من 61) وتأتي هذه النتائجُ مؤكدةً لما وجدته دراساتٌ سابقةٌ عن الدردشةِ الفوريةِ والحديثِ وجهاً لوجه، تليها مشاكلُ الصرفِ النحويِّ (14 حالة من 61) التي تعلقت بالقواعدِ والنحوِ، الشيءُ الذي يؤكدُ على أهميةِ بيئةِ غرفِ الدردشةِ بالنسبةِ للمتعلم. على الرغمِ من وجودِ بعضِ الحالاتِ التي طلبَ فيها المتعلمُ المساعدةَ من متحدثي اللغةِ الايطاليةِ عندما لم يستطيعوا فهمَ أيِّ كلمةٍ إلا أنه في معظمِ الحالاتِ تضمنت هذه المسبباتُ معلوماتٍ صريحةً أو ضمنيةً لم يطلبْها المتعلمُ ولكنه تلقاها من متحدثي اللغة الايطالية.

هل توفّرُ غرفُ الدردشةِ الالكترونيةِ العامةِ بيئةً مثاليةً لتعلمِ اللغةِ بدونِ إشرافٍ لمتعلمي اللغة؟

أُجريت هذه الدراسةُ باستخدامِ برنامجِ دردشةٍ إيطاليٍّ للعوامِ يسمحُ للمتعلمين باستخدامِه في أوقاتِ فراغِهم كما يشاؤون للتفاعلِ مع متحدثي اللغة الإيطالية دون تدخل المشرفين إما بمحادثات ثنائية أو جماعية. كما بيّنا سابقاً فإنَّ التفاوضَ حولَ المعنى والتعديلاتِ في الإنتاجِ اللغويِّ كانا ميزتينِ لمعظمِ المحادثاتِ الثنائيةِ بين المتعلمين و متحدثي اللغةِ الايطاليةِ، ودرجةُ حصولِ ذلك تعتمدُ على بيئةِ وخلفيةِ وجنسِ متحدثِ اللغة.

أظهرَ بعضُ متحدثي اللغةِ الإيطاليةِ حساسيةً مفرطةً تجاهَ أخطاءِ الصرفِ النحويِّ لدى المتعلمين وقدّموا تصحيحاتٍ صريحةٍ والتي لم تؤدّي دائماً إلى تعديلٍ مباشرٍ في لغةِ المتعلم. وقد يكونُ لهذه التصحيحاتِ الصريحةِ نتائجَ عكسيةً على المدى الطويلِ إذا لم يكن المتعلمُ واثقاً بنفسِه كمتحدثٍ أو كاتبٍ للغةِ التي يريد تعلمُها. وبالرغمِ من ذلك فقد عبّرَ المتعلمين عن تقديرِهم لمحاولاتِ المساعدةِ لمتحدثي اللغةِ الايطالية في تصحيحِ لغتهم. كما شجّعَ العديدُ من متحدثي اللغةِ الايطاليةِ ومدحوا المتعلمين للغتِهم الجيدةِ ولكن هؤلاء مالوا إلى عدمِ تصحيحِ أي إنتاجٍ لغويٍّ لا يشبهُ لغتَهم الأمَّ ولم يتفاوضوا حولَ المعنى على الرغمِ من وجودِ بعضِ الحالاتِ التي كانت فيها لغةُ المتعلمين بالكادِ مفهومةً. ومع ذلك فإن وجودَ التفاوضِ حولَ المعنى الذي غالباً ما يتضمنُ تصحيحاً صريحاً أو ضمنياً من قِبل متحدثي اللغة الايطالية غيرِ المألوفين للمتعلمين يشيرُ إلى أنَّ بيئةَ غرفِ الدردشةِ العامةِ قد تسهّلُ من اكتسابِ اللغةِ للمتعلمين عن بعد.

الآن وقد تعرفنا إلى تأثير الدردشة على لغتنا الاجنبية، أخبرنا عن تجاربك في هذا المجال وهل نجحت معك فعلاً؟

المصدر :

هنا