الطبيعة والعلوم البيئية > علم الأرض

لغز الحديد المفقود من الأحجار النيزكية في القطب الجنوبي

استمع على ساوندكلاود 🎧

يمثّل القطب الجنوبيّ واحداً من أفضل المناطق لجمع عينات الأحجار النيزكية، حيث يتشكل الجليد ويندفع باستمرار نحو الأعلى مما يسمح بجمع الأحجار النيزكية وحملها إلى السطح. إلا أن واحدةً من الملاحظات التي سجلها العلماء تفيدُ بأن نسبة الأحجار النيزكية الحديدية أو الغنية بالحديد منخفضةٌ بشكلٍ واضحٍ مقارنةً بجميعِ المواقعِ الأخرى التي يتم جمع الأحجار النيزكية فيها على كوكب الأرض.

لقد تمّ حتى كانون الأول 2015 جمع 34928 حجراً نيزكياً في القطب الجنوبي وهو ما يمثل أكثر من 66% من عدد عينات الأحجار النيزكية التي تم جمعها حول العالم. إلا أن نسبةً منخفضة جداً فقط منها كانت حديديةً أو غنيةَ بالحديد، وبلغت هذه النسبة نحو 0.7% من إجمالي العينات المجموعة في القطب الجنوبي، بينما بلغت نسبة الأحجار النيزكية الحديدية نحو 7% من العينات التي تم جمعها في المناطق الأخرى من الكرة الأرضية مما يعطي ثقة عالية بوجود مسببٍ فيزيائي لهذا الاختلاف. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الطرق المتّبعة في كشفِ وجمعِ الأحجار النيزكية تعتمدُ حتى الآن بالدرجة الأولى على العنصرِ البشريّ والمعدّات البصريّة البسيطة.

افترض الباحثون أن السّبب في انخفاضِ هذه النسبة في القطب الجنوبي يرجِع إلى الطّاقة الشمسيّة التي تختَرق الطّبقة السطحية من الجليد لتَصلَ إلى الحجر النيزكي، فبالرغم من أن حركة الجليد تدفعُ النيزكَ نحو الأعلى فإنّ وصولَ النيزك إلى منطقةٍ قريبةٍ من السطح بما يكفي لامتصاص جزءٍ من هذه الطاقة يتسبَّبُ بإذابة القليلِ من الجليد المحيطِ به مما يعني أنّه بدأ الحركة باتّجاه الأسفل مقارنةً بالجليدِ المحيط، يَبقى من الضّروري في هذه الحالة أن يحصل الحجر النيزكي على ما يَكفي من الطاقة لتكونَ سُرعة اختراقه للجليد أكبرَ من سُرعة نشوءِ الجليد في الطبقات السفلية وتدفقها نحو الأعلى. وبالتالي يبقى الحجر النيزكيُّ الحديديُّ محتجزاً تحت سطح الجليد.

وتنصّ الفرضية على أنّ سُرعةَ الحجرِ النيزكيّ واتجاه حركته يتغيرُ من فصلٍ لآخر، ففي أشهرِ الشتاء مَع عدمِ توفُّر ما يكفي من الطاقة الشمسيّة لإذابة الجليد ستندفعُ الأحجار النيزكية بكافة أشكالها إلى السطح، أمّا صَيفاً ومع ساعات الشمس الطويلة ستُبدي الأحجارُ النيزكية القادرةُ على استقبالِ الطّاقة الشمسية هبوطاً. وكان التساؤلُ الذي وَضعه الباحثون على الشكل التالي:

((هل تمتلكُ الأحجارُ النيزكية الحديديةُ أو الغنيةُ بالحديدِ القُدرة على الهبوطِ بسرعةٍ كافيةٍ خلالَ الصيف لتعوِّض حركتها نحو الأعلى خلال فصل الشتاء؟))

للإجابةِ عن هذا التّساؤل قامَ العلماءُ بسلسلةٍ من التّجارب المخبرية والتي أثبتت أن التّسخين الحَراري تحتَ الجليد يمكنُ أن يتسبب بحركةِ الأحجارِ النيزكية نحو الأسفل، تلا ذلك وضعُ نموذجٍ رياضيٍ للموازنةِ الحراريةِ مثّل بشكلٍ جيدٍ النتائجَ المِخبرية، وتبيّن بالمحصّلة أن الأحجارَ النيزكية ذاتُ قدرة التّوصيلِ الحرارية المرتفعة بما فيه الكفاية كالأحجار النيزكية الحديديّة، ستبقى مُحتجزةً تحتَ سطحِ الجليد بينما ستكونُ الأحجارُ النيزكية الأخرى ظاهرةَ على السطح. وكنتيجةٍ لعملية الفلترةِ هذه يَتوقّعُ النموذجُ الرياضيُّ وجودَ طبقةٍ من الجليدِ أسفلَ السطحِ بعدةِ عشراتٍ من السنتمترات حيثُ تتوضّع الأحجارُ النيزكية ذاتُ الناقليةِ الحراريةِ العالية، ويَتضمَّنُ ذلك بالطبعِ الأحجارَ النيزكيّة الغنيّة بالحديد.

ويَجدُرُ بالذّكرِ أن النموذجَ المبنيّ أظهرَ تأثيرَ أبعادِ الأحجارِ النيزكية على معدّل هُبوطها، فكُلَّما تناقصت أبعادُ الأحجارِ النيزكية المعدنية أصبَحَت أكثر قدرةً على نقلِ الحرارة وبالتالي إذابةِ الطبقاتِ الجليدية المحيطة بها والهبوطِ عبرَ الجليد، كما أن التّجارب افترضت عدمَ تعرُّض الأحجارِ النيزكيةِ للتفتتِ بنتيجةِ التقلُّبات الحرارية.

يتمثّلُ الدافعُ للبحثِ عن الأحجار النيزكية الغنيّة بالحديد في أنّ كلَّ حجرٍ نيزكيٍّ حديدي أو غنيٍّ بالحديد هو مُرشَّحٌ ليكونَ قادماً من مركزِ الجسمِ الفضائي الأمّ الذي أتى منه، وبالتالي فهو يُمكنُ أن يُسهمَ مساهمةً كبيرةً في إعطاءِ العلماءِ معلوماتٍ عن عددِ وتوزُّع وتطوُّر وسببِ دمارِ الأَجرامِ التي وُجدت في المراحل الأولى من وجودِ نظامِنا الشّمسي، مما سيسهم بشكل فعال في سد الفجوة القائمة حالياً في فهمنا للعلاقة بين أنواع الأحجار النيزكية المختلفة والتراكيب الكيميائية في السديم الشمسي والعمليات التي رافقت تكوين وفصل هذه المكونات.

المصدر:

هنا