البيولوجيا والتطوّر > التطور

دراسة جديدة تبين آلية تطور القدم عند الإنسان

بدراسة لجامعة ستانفورد للطب ومعهد HudsonAlpha للتقانة الحيوية في ألاباما تم التعرّف على تغيرات في التعبير الجيني* بين الإنسان وباقي الرئيسيات له دور في مشيه منتصباً. قامت الدراسة على سمكة تدعى threespine stickleback التي تتمتع بتراكيب عظمية مختلفة للتكيّف مع البيئات حول العالم. هذه الدراسة غير عادية لأنها تشمل الخط التطوري من السمكة إلى الإنسان، وتوضح أيضاً أن الانتقال في درجات التعبير عن الجزيئات التي تسمى بروتينات التخليق العظمية أو bone morphogenetic protein يمكن أن تنتج تغيرات كبيرة ليس فقط في الجهاز العظمي للسمكة بل وأيضاً في تطور الطرف الخلفي للإنسان والرئيسيات. هذا التغير ربما يجيب عن جزء من تساؤلنا عن كيفية تطوّر أطرافنا الخلفية (أو السفلية) من أطراف شبيهة بتلك التي يملكها الشمبانزي إلى تركيب يتحمّل الوزن يسمح لنا بالمشي على قدمين.

التكيف مع البيئات المختلفة:

تمتلك سمكة threespine stickleback عدداً من التراكيب الجسمية التي تكيفت مع الحياة في أماكن مختلفة حول العالم. إذ تبدو هذه التراكيب كصفائح تخرج من الهيكل العظمي وتلعب دور درعٍ يحميها من المفترسات. في البيئات البحرية (بيئة المياه المالحة)، الصفائح كبيرة وثخينة، لكن هذه السمكة في بيئة المياه العذبة، طوّرت صفائح صغيرة وأخف وزناً؛ ربما كي تساعدها على الطفو، وزيادة مرونة الجسم والانسيابية للإفلات من المفترسين. من أجل ذلك يريد David Kingsley الدكتور في البيولوجيا التطورية من جامعة ستانفورد وزملاؤه تحديد المناطق في جينوم السمكة المسؤولة عن التغيرات الهيكلية التي تطورت في التجمعات الطبيعية لهذه السمكة. تمكّن الباحثون من تحديد المنطقة الجينومية المسؤولة عن التحكم في حجم الصفائح الطرفية، ثم بحثوا عن الاختلافات في 11 زوج من الأسماك البحرية والنهرية (أسماك المياه العذبة) التي تتمتع باختلافات في حجوم الصفائح الطرفية. وقد حددوا المنطقة التي تتضمن الجين الذي ينتج البروتين المسمى بـ GDF6 من عائلة بروتينات التخليق العظمية. من خلال تغيرات في تسلسل منطقة DNA التنظيمية** بالقرب من هذا الجين، سمكة sticklebacks النهرية تعبّر عن بروتين GDF6 بشكل أكبر، بينما الأسماك التي تعيش في البحار تعبّر عنه بشكل أقل. وليتأكد الباحثون أكثر من نتائج دراستهم، فقد قاموا بتعديل جيني لبعض الأسماك البحرية (التي تملك صفائح عظمية كبيرة في الحالة الطبيعية وتعبر جيناتها عن البروتين GDF6 بشكل قليل) عدلوها لتصنع هذا البروتين بشكل أكبر، والنتيجة المذهلة كانت أن الصفائح العظمية الخاصة بهذه السمكة البحرية قد أصبحت صغيرة.

المناطق التنظيمية في الإنسان مقارنة بالشمبانزي:

نتيجةً لما ذُكِر حتى الآن، تساءل Kingsley وزملاؤه فيما إذا كان التعبير عن GDF6 له دور في التغيرات الهيكلية خلال التطور عند الإنسان. فقد أظهرت دراسات أخرى أن تغيرات صغيرة في المناطق التنظيمية الجينية خلال مراحل التطور كان لها تأثيرات على العديد من الفقريات. عند العمل في مختبر Gill Bejerano تمت مقارنة الاختلافات في جينوم الشمبانزي والإنسان ووجِدَ أن حوالي 500 منطقة تنظيمية جينية مفقودة عند البشر لكنها في المقابل مازالت محافظة ومتوارثة عند الشمبانزي والثدييات الأخرى. اثنان منها بالقرب من جين GDF6. هذه المنطقة التنظيمية لازالت موجودة عبر 100 مليون سنة لكنها مفقودة عند البشر. لفهم وظيفة المنطقة التنظيمية GDF6 أكثر استخدم الباحثون DNA تنظيمي من الشيمبانزي للتحكم بإنتاج بروتين موجود عند الفئران***. الـ DNA الفأري ارتبط مع ذلك الخاص بالشمبانزي وتم التعبير عن البروتين المدروس بشكل خاص في الأطراف الخلفية (السفلية) فقط دون الأطراف العلوية، وفي الأصابع الجانبية دون الكبيرة في الأطراف الخلفية (أي دون الأصبع الكبير في القدم). وليس هذا فقط، بل إن الفئران التي تم تصميمها جينياً كي تفقد القدرة على تصنيع GDF6 في أي جزء من أجزاء الجسم؛ هذه الفئران امتلكت جمجمةً أصغر من نظيرتها الطبيعية وأصابعها كذلك كانت أقصر من نظائرها الفئران الطبيعية. هذه الاكتشافات أعطت الباحثين دليلا أن GDF6 قد يلعب دوراً مهماً في تشكل وتطور الأطراف.

الإصبع الكبير:

بما أن البشر لا يملكون المنطقة التنظيمية الخاصة بالأطراف الخلفية فهذا يعني أننا نعبر عن هذه الجينات بشكل أقل في أقدامنا خلال التكون بالمقارنة مع الكميات الموجودة في الأذرع والأيدي والجمجمة. فقدان هذه المنطقة يقصّر أيضاً من الأصابع الجانبية دون إصبع القدم الكبير، الأمر الذي يفسر تميز الإصبع الكبير عن باقي الأصابع القصيرة عند الإنسان. هذا التركيب يشكل قدم متينة أكثر تستطيع المشي نحو الأمام. يقول David Kingsley في هذه الدراسة: "البروتينات العظمية الشكلية جزيئات إشارة قوية لنمو العظم والغضروف عند الحيوانات، بالتالي يمكن تطوير تراكيب عظمية جديدة بتغيير مكان ووقت التعبير عن هذه الإشارات وقد استطعنا رؤية ذلك في التغيرات عند سمكة stickleback أو التغيرات المحددة في تركيب الطرف الخلفي خلال تكون الإنسان.

الحاشية:

*التعبير الجيني: توجد المادة الجينية (الوراثية) في الكائنات الحية على شكل DNA أو "الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين" الذي يتألف بدوره من تسلسلات تُسمى الجينات، حيث يحوي كل جين على المعلومات اللازمة لصناعة بروتين معين، ونقصد بالتعبير الجيني الاعتماد على هذه المعلومات لتصنيع بروتينات وكلما كان التعبير أكبر تمت صناعة بروتينات أكثر.

**سلسلة الـ DNA التنظيمية: كما قلنا قبل قليل، الجينات هي التي تحوي المعلومات التي يتم التعبير عنها لصناعة بروتينات، لكن، لا تقوم كل هذه الجينات بهذا العمل (أي أن بعض الجينات لا تُشَفِر –تعطي المعلومات-لصناعة بروتينات) لكنها تقوم بتنظيم عمل الجينات الأخرى فتجعلها تعمل بشكل كبير أو توقفها عن العمل (أي تنظم مستوى التعبير الجيني).

***تُستخدم تقنيات الهندسة الجينية لنقل جين من كائن إلى كائن آخر سواءً كان من نفس النوع أو من نوع آخر، وفي مثالنا هذا ننقل الجين من القرد إلى الفأر لنرى تأثيره على الفأر (وإذا أردتُ أن أبسط الأمر بمثال غير مرتبط بعلم الحياة، فتخيل أنك تملك برنامج على حاسوبك أو تطبيق على هاتفك الذكي وتعتقد-لكنك غير متأكد-من أنه يقوم بعملية حذف للملفات الموجودة على جهازك، فكيف يمكن أن تتأكد؟ انقل هذا البرنامج أو التطبيق إلى جاهز آخر ونصبه، فإذا تم حذف الملفات فتخمينك صحيح، وما قام به العلماء في هذه التجربة هو نقل جين يعتقدون أن له دور في تنظيم التصنيع أو التخليق العظمي، إلى كائن آخر، فإن صح تخمينهم، فإنهم سيجدون تغير مماثل في البنية العظمية في الكائن الذي حصل على الجين الجديد والعكس صحيح، طبعاً هذا الشرح بسيط إلى حد كبير والغاية منه هي توضيح الفكرة فقط).

المصادر:

هنا

البحث الأصلي: هنا

مصدر الحاشية:

Color Atlas of Genetics, 3rd edition