الموسيقا > الموسيقا والطب

الموسيقا تجعلنا أكثر ذكاء

استمع على ساوندكلاود 🎧

تجعلنا الموسيقا أذكى لأنّها تجعلنا نمارس العيش مع اللا يَقين (أو الأحداث غير المتوقّعة، أي أن الألحان تصدر فجأة دون علم مسبق بها وتجبرك على التفاعل معها)، وهذا ما يناقشه عالم الأعصاب Jay Schulkin في كتابه "تأمّلات في العقل الموسيقي Reflections on the Musical Mind".

فبحسب ما يرى شولكين، تزوّد الموسيقا الدماغ بتمرين ممتع وفي بعض الأحيان تدقيقي كما تفعل الرياضة للجسد، وفي الحقيقة، يكون الاستماع إلى الموسيقا برأيه كصورة مصغّرة عن عيشك لحياة شخص آخر (حياة المؤلّف).

ويذكّرنا الكاتب في "تأمّلات في العقل الموسيقي" أنّنا نعيش في عالم من عدم اليقين، ونحتاج على الدوام للتنبّؤ بالمستقبل في ظل غياب المعلومات أو عدم دقّتها، لذا فقد تطوّرنا طبيعيًّا لنصدر الأحكام استنادًا إلى الصفات الفنّيّة والجمالية، ولنجد الانحرافات الطفيفة عن المألوف -خاصّة في الموسيقا- مُلفِتة وجذّابة في آنٍ معًا.

فتسمح لنا بضع دقائق من الاستماع إلى الموسيقا بتمرين "السلّم الموسيقي" لآلتنا العقليّة، التي لم تتطوّر أيٌّ من مفاتيحها بالأصل للتعامل مع الموسيقا بحدّ ذاتها، ويبدو أحيانًا أنّ العقل الموسيقي لا يعدو كونه حَدَثًا عابرًا طرأ على الإنسان؛ أي أنّه ناتج ثانوي للنواقل العصبيّة والدارات العصبية والجهاز الصوتي والأفعال الحركية، التي تطوّرت جميعها من أجل أدوار غير ذات صلة ببعضها.

كيف حدث ذلك:

لقد قدّمت العلوم العصبيّة تطوّرًا هائلًا في هذا المجال، ولا يتوقّف الأمر على استخدام تقنيّات التصوير المسحي للدماغ، كالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI بهدف استقصاء الوظائف النوعيّة لمناطق دماغية محدّدة، ولكن عبر تعزيز فهمنا لدور جزيئات المعلومات تلك أيضًا -كما يدعوها شولكين- وهي المواد الكيميائية التي تنظّم مجموعة واسعة من النشاطات العقليّة والجسديّة لدينا، إنّها في الواقع جزيئات قديمة جدًّا، موجودة في العديد من الأنواع الحيّة، غير أنّها تؤدّي دورًا جوهريًّا في أحاسيسنا وإدراكاتنا الموسيقيّة الحديثة نسبيًّا.

لنتحدّث عن الدوبامين مثلًا، فعندما تتوقّع أن تسمع الموسيقا وكذلك في الوقت الذي تستمع فيه إليها بالفعل، يتحرّر هذا الناقل العصبي في مناطق الدماغ المعنيّة بتنظيم الأفعال: فزيادة مستويات الدوبامين تعزّز من قدرتنا على الامتثال للأمور المهمّة والتغافل عن تلك غير المهمّة أو السطحية، وبذلك فإنّ الموسيقا تجهّزنا عبر تأثيرها في تدفّق الدوبامين لنكون أكثر ذكاءً بتصرّفاتنا في هذا العالم.

ويحصل العكس إذا حُرِمَت منطقة العُقَد القاعديّة Basal ganglia من الدوبامين، إذ نصبح أسوأ في تمييز الإيقاعات.

لا يقلّ الدور الذي يؤديه هرمون الأوكسيتوسين إثارةً عن الدوبامين، فهو يُعرَف أحيانًا باسم "هرمون الحب" بسبب ارتباطه بالإثارة الجنسية والروابط الزوجية والسلوك الأمومي، فيحرّر الاستماع إلى الموسيقا هرمون الأوكسيتوسين، ويكون لدى الأشخاص المصابين بمتلازمة ويليامز (التي ينتج عنها زيادة مفرطة في الميول الاجتماعية) عشق شديد للموسيقا مصحوب بمستويات مرتفعة من الأوكسيتوسين في الدم.

وما زال هناك الكثير لنتعلّمه عن الرابطة بين الميول الموسيقية والاجتماعية وبين الأوكسيتوسين، بالتوازي مع دور جزيئات المعلومات الأخرى (أو النواقل العصبيّة)، ولكنّ الشرح والتقديم الذكي الذي أدَّاها Schulkin عن فهمنا الحاليّ هو واحد من التفسيرات الأكثر سحرًا من بين تأمّلاته عن الموسيقا.

ويطرح شولكين أسئلة مثيرة للاهتمام أيضًا، ومن ذلك سؤاله: هل تستمتع العصافير بالغناء بالقدر الذي يستمتع به البشر أثناء عزفهم للموسيقا؟ وهو يتركنا مع بعض المسائل المحيّرة: إذا كان أصل ودور الموسيقا بالأساس يدور حول التفاعل الاجتماعي، لماذا إذن نستمتع بعزف الموسيقا أو الاستماع إليها عندما نكون وحيدين؟

المصدر:

هنا