كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (رسائل إلى روائي شاب): كيفَ تكتبُ روايةً..كيف تُحدِثُ فرقًا

لم يكُن لجائزةِ نوبل للآداب، التي مُنحت لماريو بارغاس يوسا عام 2010، أثرًا يُذكرُ في مسيرتهِ الأدبية، فقد كان لرواياتهِ مثل (حفلة التّيس) ومسرحيّةُ (العمّة جوليا)، وكتابُ (يوميات من العراق)؛ كان لهم مكانةً كبيرةً في عقولِ القُراءِ منذُ أن انطلقَ يوسا في مشروعِه الأدبيّ. ويمكننا القولُ بأنّ يوسا لم يسعَ للوصولِ إلى هذهِ الجائزةِ، فقد قدّم لكتابه (رسائل إلى روائي شاب) الصادر عام1997 بالقول: "من يرى النجاحَ والشهرةَ حافزًا أدبيًا، فعليهِ أن يرى حُلمهُ ينهارُ منذُ الآن، فهذا خلطٌ بينَ الميولِ الأدبيةِ وبريقُ الشُّهرة".

في كتابهِ هذا رسمَ يوسا طريقًا آخرَ لتقديمِ نظرّيتهِ النقديّةِ حولَ فنِّ الروايةِ، باختلاقِه اثنتي عشرةَ رسالة ربطتهُ بكاتبِ شابٍ؛ ليقدّمَ من خلالها فكرتَهُ عن الروايةِ والموهبةِ والأسلوبِ الخاصّ والتقنياتِ الروائية، ودورُ المكان والزّمان وشخصيّة الراوي والنقلات النوعية في بُنيةِ الرواية.

تكمنُ فكرةُ يوسا حول الكتابةِ في قناعتهِ بأن الميلَ الأدبي لا يمكنُ أن يكونَ خيارًا حُرًا، وأنّ مرحلةَ الاختيارِ بأن نتحولَ للكتابةِ تأتي لاحقًا لتعزيزِ الميلِ وليسَ لصُنعه.

ويبدو أن بيئةَ أمريكا اللاتينية قد فرضَت نفسَها على فكرِ الكاتبِ البيروفي، فالدكتاتورياتُ والفقرُ والحركاتُ الثوريةُ التي كانت عنوانَ المرحلةِ في القارّة بأسرها، لم تنعكس فقط على أعمالِ يوسا الروائية؛ بل ظهرت أيضًا بشكلٍ واضحٍ في نظرياتهِ النقديةِ حولَ الرواية، فيركّزُ يوسا على تكريسِ حالةِ التمرّدِ ورفضِ الواقعِ كقاعدةٍ للانطلاقِ في كتابةِ العملِ الروائي: "التمردُ هو منشأ هذا الإستعدادِ المُبكّرِ للكتابةِ، هو الإعلانُ عن رفضِ وانتقادِ الحياةِ كما هي عليه".

وقد يشعرُ البعضُ أن هذا الكتابَ مُحبطٌ لأولئك الشباب الذين بدأوا مبكرًا رحلةَ الكتابة؛ مُستندين على ما قد يرَوْنَهُ -أو يراهُ الوسطُ المحيطُ بهم- على أنّهُ موهبةٌ مبكّرة، أو قدرةٌ على الوصفِ والتخيّل، فمن وجهةِ نظرهِ يرى الكاتبُ أنه لا وجودَ لموهبةٍ مبكّرةٍ في الروايةِ، فالموادُ الأوليةُ التي يرتكزُ عليها العملُ الروائي تتكون من "قائمةِ جردٍ طويلةٍ لأمورٍ عاشها الكاتبُ" على حد وصفه. فكيف يمكنُ تكوينُ مثلَ هذه التجاربِ في مُقتبلِ العمرِ دون خوضِ مُعتركِ الحياةِ وتراكُم التجاربِ إذن.

لكنّ يوسا في واقع الأمر لم يعمل على كبحِ مسيرةِ هؤلاء الكُتّاب، بل على العكس من ذلك؛ ربطَ النجاحَ الروائي بعدّةِ عواملَ كانَ من أهمّها التجربة والمثابرة: "لا يمكنُ لأحدٍ أن يُعلِّمَ أحدًا الإبداع، وأقصى ما يمكنُ تعليمهُ هو القراءةَ والكتابةَ، وما تبقّى يُعلّمهُ المرءُ لنفسهِ بنفسهِ، وهو يتعثّرُ ويسقطُ وينهضُ دونَ توقّف".

يُمثّلُ هذا الكتابُ مرجِعًا لأصحابِ الميول الأدبيّ؛ فهوَ يشرحُ من خلالِ نقد وتحليل رواياتٍ عالميةٍ، آليات الكتابةِ ومدارِسها بالتفصيل، ويُعدّ من أهم الأعمالِ التي قُدّمَت في مجالِ النقدِ الروائي إلى جانبِ أعمالِ ميشيل فوكو وإمبيرتو إيكو وميلان كونديرا.

يقعُ كتابُ "رسائل إلى روائي شاب" في مئة وثلاثين صفحة، وقد قدّمَ المترجم الفلسطيني صالح علماني، أحد أهمّ المُترجمين العرب الذين نقلوا لنا الأدب اللاتيني، هذه الطبعة التي صدرت عن دار المدى في بيروت عام 2005.