الموسيقا > موسيقا

الرياضيات في الموسيقى (الجزء الأول): الصوت الموسيقي والزمن الموسيقي

تُعرَّف الرِّياضيات بأَنَّها دراسةُ القِياس والحِساب والهندسة. وبشكل عام قد يُعرّفُها بعضهم على أنَّها دِراسةُ الُبنَى المجرَّدة باستخدامِ المَنطق والبراهين الرِّياضيَّة والتَّدوين الرِّياضي.

أمّا الموسيقى، فهي صِناعةُ تَأليفِ النَّغَمِ، والأصوات، ومُنَاسَبَاتِها، وإيقاعاتِها، وما يدخلُ مِنها بالجِنسِ الموزونِ والمُؤتَلَف بالكميَّة والكيفيَّة، أي إنَّ الصَّوت والزَّمن هُمَا العناصرُ الفيزيائيَّة المحسوسة في هذا الفنّ المُجرَّد، فكانَ لا بُدَّ أَن يكونَ هناك تَرجَمةٌ خاصَّة للصَّوتِ الفيزيائيّ وتحويلِهِ إلى صوتٍ مُوسيقيٍّ، وتقسيمٌ مَدروسٌ للزَّمن وتحويلِهِ إلى إيقاع.

لذا فلا بُدَّ مِن الرِّياضيَّات لِدراسَةِ هذه التَّقسيماتِ الإيقاعيَّة، وربطِ الصَّوت المُوسيقيّ كظاهرةٍ فنِّيَّةٍ بالصَّوتِ الفيزيائيّ كظاهرةٍ طبيعيَّة.

الزمن:

صَنَعت المُوسيقى شيفرةً زَمَنيّةً نسبِيّةً مُستقِلّةً عن الزَّمن الحقيقي، فصارَ هناك زَمَنٌ جديدٌ مُتَناسِبٌ بينَ أجزائِهِ، وبَدَلَ الثَّواني والدَّقائق صارَ هُناكَ واحِدَاتٌ نسبيَّةٌ كالسَّوداء والبيضاء وذات السِّن الخ...، ويَكون لَهَا سُرعةٌ مُعيّنةٌ يُحَدِّدُها العازفُ أو المُؤَلِّفُ. ويُمكنُ أن تَزدَادَ هذه السُّرعةُ أو تَنقُص، ولكن يجبُ المُحافَظَةُ على النَّبض الإيقاعي الّذي حدَّدَه المُؤَلِّف أو العازِف، وهو مِن أهمِّ مُقوِّماتِ المُوسيقى. هذا النَّبض يَفصِل الزَّمن في العَمَلِ المُوسيقيّ عَن الزَّمن في الواقعِ أو عن الثَّواني والدَّقائق. وتُحَدَّد سرعَةُ هذا النَّبض عادةً بمُعادَلةٍ تُكتَبُ في أوَّلِ العملِ مثلاً =120) q( أي في كُلِّ دَقيقةٍ يُوجَد 120 سودَاء. ويُمكنُ أَن تَتَغَيّرَ هذه المُعادَلةُ في أيِّ لحظةٍ خلالَ العملِ المُوسيقيّ، فيُشيرُ المُؤَلِّف ببساطةٍ إلى مُعادَلةٍ جديدةٍ مثلاً =140) q(. ويوجد حاَلاتٌ استثنائيَّةٌ لا يكونُ فيها النَّبضُ ثابتاً بحيث يكونُ مَقطَعاً إفراديَّاً أو ارتِجاليَّاً.

ويَستَخدِمُ المُوسيقيّونَ اليومَ الميترونوم الّذي يُساعِد المُوسيقيّ في تَجزيء الزَّمن.

في هذا الرَّابط محُاكاة للميترونوم المُوسيقيّ، وفيهِ مُؤَشِّر للسُّرعةِ المطلوبةِ ولِعَدَد النَّبضاتِ في الميزور الواحد. هنا

ولكن هذا النّبض غالباً ما يكونُ تقريبيَّاً ولا يُستَخدَم الميترونوم عادةً إلّا في التّمرين، لِذا فمِنَ المُمكِن أن تِكون مُدَّة عملٍ مُوسيقيٍّ "3:20"، وممكن أن يُعزَفَ العمل نَفسهُ أسرع قليلاً فَتَكون مُدتُه "3:05" ويبقى العملُ نفسُه.

النغم:

حَلَّلَ عُلماء الفيزياء تردُّدات الصَّوت، واكتَشَفوا أنّ الأذن البشريَّة تَستَطيعُ سَماعَ مجالٍ مُعيَّنٍ من التَّرددُّات وهو من 16 هرتز إلى 20 كيلو هرتز.

وتَجَزَّأ هذا المجال بِتَناسُب مِدروسٍ لِتَتشكَّل النُّوطات والأوكتافات والسلالم، وهذا ما يُشبه فَصل زَمن العملِ المُوسيقي عن الزَّمن الواقعيّ، أي إنَّ الفرق في تَواتُر الصّوت بينَ عَلامَة

موسيقيَّة وأخرى لا يُحسَب بِواحِدة الهرتز ،كما الزّمن الموسيقي لا يُحسَب بالثّواني. فالبُعد اللَّحني بينَ النّوطات الموسيقيّة مُرتَبِط بِتَواتُر الصَّوت بِمُعادلات رياضيّة مُعقَّدَة، ونقطة الالتِقاء هي مِفهوم الأوكتاف. وهو القرق بين عَلامَة موسيقيّة وجوابها، ويكون تردّدُ جواب علامةٍ موسيقيَّةٍ يساوي تماماً ضعف تردّدِ العلامةِ نفسِها. (أي اذا كان تردّد نوطة لا=440 هرتز، فإنَّ تردّد نوطة لا جَوَاب التي تَعلُوها باوكتاف يساوي 880هرتز)

فَلَيس مِن الضَّروري أَن يَكون لأيِّ نوطةٍ موسيقيَّةٍ تردُّد ثابت، فالموضوع نسبي يعود للتَّناسُب بين باقي النوطات، أي أَنَّ المهم هنا الفاصِل اللَّحني بين النوطات الموسيقية، لذلك يُمكِن رَفع تردُّدات جميع النّوطات أو خَفضِها مع بقاء الفواصل اللَّحنية بين النوطات ثابِتة ممَّا يُغيَّر تردُّدات النوطات الموسيقيّة كافَّة. (أي عندما نَضبُط دوزان نوطة لا بحيث يُصبِح تردّدها 432 هرتز، يُصبحُ تردُّدَ نوطة لا جواب 864 هرتز)

أمَّا موضوع الأبعاد اللّحنيَّة بينَ العلامات المُوسيقيَّة وموضوع السّلالم المُوسيقيَّة فهو موضوع ٌمُعقَّدٌ سنَتَنَاوله في مقالاتٍ مُقبِلة، إذ جَرَت العديدُ مِن التَّجارب والأبحاث عن هذه المواضيع، وممَّن قاموا بهذه الدراسات: فيثاغورث، الفارابي، تزارلينو وباخ.

أمّا النّظامُ السَّائدُ اليوم هو السُّلَّم المُعَدَّل الّذي اتَّخَذَ الأوكتاف أساساً له، وجزّأَهُ إلى 12 بُعد موسيقي متساوية فيما بيها.

واعتُمِدَ ضبطُ دوزان علامةِ "لا" المُتوَسِّطة بحيث يكون ترددها 440 هرتز كأساس للدّوزان في العالم. وهو معيار اتَّخَذَتهُ المنظمة الدولية للمعايير ISO عام 1955.

ولكن حتّى يومِنا هذا لا يزال موضوع جَدَلي، فكثير من الأوركسترات في العالم تتّخِذ علامة لا=432 هرتز، أو لا=448 هرتز أساساً للدّوزان، وذلك لأسباب فنِّيَّة بحتة تتعلَّقُ باختِلاف طبيعةِ الصَّوت بتِغيير الدُّوزان.

في هذا الرَّابط يُوجدُ جدولٌ لتردُّداتِ العلاماتِ المُوسيقيَّةِ في عِدّة احتمالات (لا=440، لا=432..الخ) هنا

المصادر:

Allgemeine Musiklehre، Kurt Johnen، Carlferdinand Zech

غطاس عبد الملك خشبة. كتاب الموسيقى الكبير، أبو نصر الفارابي، تحقيق وشرح

هنا