الطب > طب الأسنان

العناية الفمويّة بالمرضى ذوي الاحتياجات الخاصة

استمع على ساوندكلاود 🎧

إنَّ الإعاقاتِ التطوّريَّةَ مثلَ التَّوحّدِ والشَّللِ الدِّماغيِّ ومتلازمةِ داون بالإضافةِ إلى الإعاقاتِ الذِّهنيَّةِ الَّتي تواجه الأطفالَ والمراهقين وتستمرُّ مدى الحياةِ، كلّها تضعنا أمامَ تحدّياتٍ كبيرةٍ في مواجهةِ الأمورِ الحياتيّة البسيطةِ مثلِ الكلامِ والطَّعامِ والاهتمامِ بالأمورِ الشّخصيّةِ. لذلك غالباً ما يحتاجُ الأشخاصُ الَّذين يعانونَ من هذه الاضطراباتِ إلى رعايةٍ خاصةٍ في مختلفِ مجالاتِ الحياةِ، والرَّعايةُ الصِّحِّيَّةُ الفمويَّةُ هيَ إحدى هذهِ المجالاتِ.

ظهرَ خلالَ العقودِ الثَّلاثةِ الماضيةِ توجّهٌ جديدٌ يسعى إلى دمجِ ذوي الاحتياجاتِ الخاصّةِ بالمجتمعِ بدلاً عن وضعهم في مؤسساتٍ خاصة، وذلك بهدفِ تمكينِهم من أداءِ دورٍ فعّالٍ في الحياةِ يتناسبُ مع قدراتِهم، وقد أثبتَ العديدُ منهم قدرتهم على أن يكونوا أفراداً فاعلين بل ومميَّزينَ في المجتمعِ. شملت عمليّةُ الدّمجِ هذه الأفرادَ ذوي الاحتياجاتِ الخاصَّةِ في مجتمعاتهم بالإضافةِ إلى أُسَرِهم و مقدّمي الرّعايةِ الصّحّيّة لهم بما فيهم أطِبّاءُ الأسنانِ.

لكنَّ تقديمَ الرّعايةِ الصّحّيّةِ لهؤلاءِ المرضى ليسَ سهلاً تماماً و يتمتّعُ بخصوصيّةٍ مُعيّنةٍ تُحمّلهُ بعضَ التّحدياتِ وتُضفي عليهِ أيضاً طابعاً خاصّاً يعطيهِ أثراً مختلفاً ومكافآته المميزة. فالتّنوّعُ في القدراتِ الذّهنيّةِ والأنماطِ السّلوكيّةِ والقدراتِ الفيزيائيّةِ على الحركةِ وغيرها، جميعُها تحدياتٌ تستدعي القدراتِ الكامنةَ لدى الطّبيبِ من مرونةٍ و صبرٍ وتوقظُ فيهِ حسَّ الإبداعِ والتميّزِ أثناءَ المعالجةِ، كما تتطلَّبُ بعضَ المهاراتِ الخاصّةِ والتّجهيزاتِ الإضافيّةِ لضمانِ معالجةٍ آمنةٍ وسليمةٍ وعلى سويّةٍ عاليةٍ للمريض.

ما هي المضاعفاتُ الّتي تتركها هذه الحالاتُ المرضيّةُ على الصحّة الفمويّةِ؟ هل هناك نوعٌ معيّنٌ منَ التّجهيزاتِ يسهِّل عملَ الطّبيبِ؟ وأيّ نوعٍ من الإجراءاتِ يجبُ على الفريقِ الطِّبّيِّ أن يتوخّاها ليضمنَ نجاحَ معالجته؟ هذا ما سنستعرضهُ سويّاً في المقالِ التّالي آخذينَ بعين الاعتبار تحدّياتِ واحتياجاتِ كلِّ حالةٍ مرضيّةٍ على حدة.

الجزء الأول: مرضى التوحد:

يتطلّبُ توفيرُ العنايةِ الفمويّةِ للمرضى الّذينَ يعانونَ منَ التّوحّدِ بعضَ التّعديلاتِ على المعالجةِ السّنّيّةِ التّقليديّةِ، لتمكّنَكَ من تقديمِ المعالجةِ السّنّيّةِ النّاجحةِ والفعّالةِ للمرضى ذوي الأشكال البسيطةِ والمعتدلةِ منَ التّوحّدِ وإضفاءِ تغييرٍ نحو الأفضلِ على حياتهم وصحّتهمِ الفمويّة.

بدايةَ ما هو التوحُّد؟

التّوحّدُ هوَ عبارةٌ عن حالةٍ تطوّريّةٍ معقدّةٍ تسبّبُ اضطراباً في التّواصلِ والسّلوكِ الاجتماعيِّ والمهاراتِ الذّهنيّةِ لدى المرضى. بعضُ النّاسِ الّذينَ يعانونَ من هذهِ الحالةِ يَبدُونَ بعيدينَ عنِ النّاسِ منعزلينَ أو منفصلينَ عن محيطهم. بينما يُظهِر آخرون عدمَ القدرةِ على التّواصلِ اللّفظيِّ وفَهمِ البوادرِ الاجتماعيّةِ مثلِ نبرةِ صوتِ الأهلِ أو الابتسامة. كما أنَّ بعضَ الممارساتِ كالعاداتِ القهريّةِ والتّصرّفاتِ التَّكراريَّةِ - مثلاُ هزُّ الرّأسِ باستمرارٍ أو النّقرُ باليد - وحركاتِ الجسدِ غيرِ المتوقّعةِ بالإضافةِ إلى النّزعةِ لأذيّةِ النّفسِ قد تُعقّدُ منَ المعالجةِ السّنّيّةِ.

تختلف أعراضُ التّوحّدِ و شدّتُهُ بين مريضٍ وآخرَ، وتتباينُ تأثيراتُ المرضِ وانعكاساتُهُ على حياةِ المريضِ حسْبَ وجودِ حالاتٍ مرافقةٍ كالصَّرعِ أو الإعاقاتِ العقليّةِ وما سِواها. ولكن باتّباعِ الأساليبِ الصّحيحةِ يمكننا أن نُحسِّنَ من سلوكِ المريضِ ببطءٍ ولكن بثباتٍ ويمكنُ ملاحظةُ نتائجَ إيجابيّةٍ واضحةٍ وفوائدَ لا تقدّرُ بثمن.

الإجراءات الأوليّة:

قبلَ إجراءِ الموعدِ يجبُ على الطّبيبِ أن يطّلعَ على التّاريخِ الطّبّيِّ للمريضِ، ويقومَ بالاستشاراتِ الطّبّيّةِ اللاّزمةِ معَ الطّبيبِ المتابعِ للحالةِ وعائلةِ المريضِ والأشخاصِ الّذينَ يقدِّمونَ لهُ الرّعايةَ الصّحّيّةَ للحصولِ على قِصّةٍ مرضيّةٍ دقيقةٍ وكافيةٍ ووافيةٍ، ولتقريرِ الإجراءاتِ اللاّزمةِ والحصولِ على الموافقةِ القانونيّةِ الضّروريّةِ للقيامِ بالمعالجةِ وما يتبعها من إجراءاتٍ.

التحدّيات الأساسيّة وحلولها:

يشكّلُ عدمُ القدرةِ على التّواصلِ بشكلٍ فعّالٍ والقدراتُ العقليّةُ مصدرَ القلقِ الأساسيِّ عندَ التّعاملِ مع مريضِ التّوحّدِ بالإضافةِ إلى ضبطِ الأنماطِ السّلوكيّة. ويكونُ الحلُّ بالتّواصلِ مع مقدِّمِ الرّعايةِ الصّحّيّةِ لتقييمِ القدراتِ العقليّةِ للمصابِ ومن ثمّ التواصلُ معه أو معها – المريض - بطريقةٍ تتناسبُ مع قدرتهِ الاستيعابيّةِ للأمورِ. استخدم طريقةَ (أخبر، أُري، افعل) لتقديمِ المعالجةِ: ابدأ دوماً بشرحِ ما ستقومُ به ومن ثمّ وضّح للمريضِ واعرض عليه الأدواتِ الّتِي ستسخدمها وطريقةَ عمَلِها لتشجِّعَهُ على أن يكونَ أكثر تعاوناً.

الاضطراباتُ السلوكيّةُ والّتي قد تشملُ فرطَ النّشاطِ الحركيِّ والمللَ السّريعَ الّذَينِ قد يعقِّدان من معالجةِ المرضى المصابين بالتوّحُّدِ خاصةً وأنّ طبيعةَ التّداخلِ الطّبّيِّ قاسيةٌ نوعاَ ما في طبِّ الأسنانِ وقد تحفّزُ السّلوكَ العنيفَ وأذيّةَ النّفسِ بالإضافةِ إلى المزاجِ الهيجانيِّ أو ضربِ الرّأسِ.

ويكون الحلُّ بالقيامِ بجلسةٍ تحضيريّةٍ سابقةٍ لمساعدةِ المريضِ على الاعتيادِ على العيادةِ السّنّيّةِ والمكتبِ والأجهزةِ من خلال عمليّةٍ متسلسلةٍ خطوةً بخطوة. مما قد يتطلّبُ عدّةَ جلساتٍ للقيامِ به. وأبقِ المريض دائماَ على كرسيِّ المعالجةِ ليتعادَ على عمليّةِ المعالجةِ. قد يرفضُ بعضُ المرضى الجلوسَ على الكرسيِّ ويختارون بدلاً عن ذلك أن يجلسوا على كرسيِّ الطبيبِ.

عندما يجلسُ المريضُ ابدأ بعمليّةِ السّبرِ بأصابعكَ بدايةً ثمّ استخدم فرشاةَ الأسنانِ لتفريشِ أسنانِه والحصولِ على المزيدِ منَ الثّقةِ والسّهولةِ في التّعاملِ معَ المريضِ والوصولِ إلى الحفرةِ السّنّيّةِ عبرَ عمليّةٍ يعرفها المريضُ مما يعطي المريضَ شعوراً بالرّاحةِ يمهّدُ للمزيدِ من العمليّاتِ الأخرى بالتّدريجِ.

عندما يكونُ المريضُ مستعدّاً للمعالجةِ اجعلِ الموعدَ قصيراَ وإيجابياً. وانتبه بشكلٍ خاصٍّ إلى خصائصِ المعالجةِ. أبقِ أدواتِ المعالجةِ السّنّيّةِ بعيدةً عن مجالِ نظرِ المريضِ والضوءَ بعيداً عن عينيه.

امدح دائماً تصرّفاتِ المريضِ الإيجابيّةَ و سلوكَهُ المتعاونَ، وتجاوز أخطاءَهُ واسعى لتجاهلِ تصرُّفهِ الخاطئِ قدرَ الإمكانِ. وحاول أن تكسبَ تعاونَ المريضِ بأقلِّ الطّرقِ حزماً و جموداً. قد يكون من المريحِ لبعضِ المرضى أن يُحضروا أغراضاً تساعدهم على الرّاحةِ وتُطمئِنُهم مثل حيواناتهم المحشوّةِ وألعابهم أو بطانيّةٍ دافئةٍ. كما يمكن للطّلبِ من مقدم الرّعايةِ الصّحّيّةِ أن يقفَ بجانبِ المريضِ أو يسمكَ بيدِه أن يساعدَ أيضاً.

لا تستخدم طريقةَ تقييدِ الحركةِ إلاّ حينما تكونُ ضروريةً بصورةٍ حتميّةٍ لا بُدّ منها. أو لحمايةِ المريضِ أو الأدواتِ الطّبّيّةِ والفريقِ الطّبّيِّ، ولا تعتبر سهولةَ المعالجةِ أو راحةَ الطّبيبِ سبباً كافياً لتقييدِ المريضِ. علماً أنَّ تقييدَ المريضِ عمليّةٌ تختلف شروطها حسب الحالةِ ومن بلد لآخرَ، لذا يجب على الطّبيبِ على الدوام التّحقّقُ منَ الشّروطِ والقوانينِ المتّبعةِ، كما يجبُ عليه الحصولُ على موافقةِ الأهلِ ويُفَضّلُ أخذُ استشارةٍ نفسيّةٍ وطبّيّةٍ قبلَ اتخاذِ إجراءٍ كهذا.

المصدر:

هنا