الطب > مقالات طبية

الهواء القاتل للرئة

نعلم جميعًا أنّ وظيفة الرئة تعتمد على إدخال الهواء وإخراجه مساهمةً في عملية التنفس، وهذا يتطلب وجود الهواء ضمن حيز معين للسماح باستخلاص الأوكسجين منه، ولكنَّ وجوده في مكان خاطئ قد يكون مهددًا للحياة، وهو ما سنتعرفه اليوم في حالتنا الآتية؛ الريح الصدرية.

فالريح الصدرية: هي تجمّع للهواء ضمن جوف الجنب، وهو المسافة الفاصلة بين جدار الصدر وجدار الرئة؛ إذ تكون محصورة بين غشائين؛ الجنب الحشوي والجنب الجداري؛ إذ يتسبب هذا الهواء بانضغاط الرئة وانخماصها مؤديًا إلى فقدانها وظيفتها جزئيًّا أو كليًّا، وهي حالة مهددة للحياة تتطلب العلاج فور تشخيصها. 

ويؤمِّن جوف الجنب ضغطًا سلبيًّا ضروريًّاا لعمل الرئتين في الحالات الفيزيولوجية الطبيعية، ولكنْ عند حدوث الريح الصدرية الناتجة عن حدوث اتصال بين جوف الجنب والهواء الخارجي، يزداد الضغط ضمن جوف الجنب مسببًا انخماصًا في الرئة، مما ينعكس سلبًا على أداء وظيفتها فينقص الضغط الأوكسجيني في الدم، وتكمن المشكلة الأساسية هنا. 

وتتعدد أسباب الريح الصدرية؛ إذ تتراوح بين أذيات الصدر متضمنة هجمات جسدية وحوادث السيارات أو تلك الناجمة عن التداخلات الطبية التي تتضمن إدخال الإبر إلى الصدر، وكذلك قد تكون الريح الصدرية نتيجة مباشرة لأمراض الرئة: كذات الرئة والتليف الكيسي وأمراض الرئة الانسدادية المزمنة ( COPD )؛ إذ تكون الرئة أكثر عرضة للانخماص عند إصابتها بهذه الأمراض، وإضافة إلى ذلك يُعد المرضى الموضوعون على أجهزة التهوية الآلية أكثر عرضة للإصابة بالريح الصدرية؛ فقد يختل توازن ضغط الهواء داخل الصدر مما قد يؤدي إلى انخماص كلّي في الرئة، ولا بدّ من التنبيه لاحتمال أن تظهر الريح الصدرية عفويًّا وتلقائيًّا وخصوصًا عند الرجال المدخّنين الطوال القامة والنحيفين أيضًا، فهم أكثر عرضة للإصابة من النساء؛ إذ تُشاهد عند الرجال بين عمري 10-40 عامًا، وإضافة إلى ذلك يتشكل لدى هؤلاء المرضى فقاعات هوائية في قمة الرئة. وستنشأ الريح الصدرية في حال تمزق هذه الفقاعات، ومن الجدير بالذكر هنا أنّ التدخين هو أحد عوامل الخطورة التي تزيد من تواتر هذه المشكلة الصحية؛ إذ تزداد الخطورة مع زيادة طول فترة التدخين وعدد السجائر المدخنة في اليوم، وإضافة إلى ذلك فإنّ وجود عوامل جينية مؤهّبة لحدوثها تعدّ من عوامل الخطورة أيضًا.

تتراوح أعراض الريح الصدرية من اللاعرضية وحتى الحالة الخطيرة المهددة للحياة تبعًا لحجمها، ففي الريح الصدرية العفوية (spontaneous pneumothorax) على سبيل المثال: يترافق انفجار الفقاعات مع حدوث ألم صدري وضيق نفس، وهي الأعراض ذاتها التي تتظاهر في الريح الصدرية الناجمة عن التداخلات الطبية (Iatrogenic pneumothorax)، أما في الريح الصدرية الموترة (tension pneumothorax) التي تنتج عن دخول الهواء إلى جوف الجنب دون خروجه منه مسببةً زيادة الضغط فيه؛ فنجد هبوطًا في الضغط وأوكسجين الدم هنا، وإضافة إلى ألم الصدر وضيق التنفس أيضًا، وهناك ما يدعى بالريح الصدرية المترافقة مع الحيض (catamenial): وهي تصيب النساءفي عمر ٣٠-٤٠ عامًا؛ إذ تبدأ أعراضها في أثناء ٤٨ ساعة من الحيض في الرئة اليمنى وقد تكون متكررة. 

ويتضمن التشخيص التفريقي للريح الصدرية احتشاءً قلبيًّا وتسلخًا أبهريًّا والتهاب الشغاف الحاد والصمة الرئوية ورضوض الصدر والأضلاع، إضافة إلى ذلك يعتمد تشخيص الريح الصدرية -كغيرها من الأمراض- على القصة المرضية والفحص السريري إضافة إلى الاستقصاءات المكملة والمؤكدة للتشخيص، وتختلف العلامات من مريض إلى آخر، فقد نجد زرقة الشفاه والأطراف أو تغير الحالة العقلية، وتختلف الموجودات بإصغاء الرئة تبعًا لدرجة الريح الصدرية، وقد تتضمن أيًّا من الآتي:

- صعوبة التنفس أو حتى توقفه.

- سرعة التنفس أو بطئه.

- تمدد غير متناظر للرئتين؛ إذ يزاح المنصف والرغامى إلى الجانب المقابل.

- ضعف الأصوات التنفسية أو غيابها.

- صوت رنين مفرط عند قرع الرئة.

- نقص الاهتزازات المنقولة بالجس.

- سماع أصوات رئوية إضافية كالفرقعة والوزيز.

 وقد نجد بفحص الجهاز القلبي الوعائي تسرعًا قلبيًّا؛ وهو الأكثر شيوعًا، إضافة إلى انخفاض الضغط وتناقص النبض وتوسع الوريد الوداجي وانزياح ذروة القلب نادرًا.

وتستخدم صورة الصدر الشعاعية البسيطة لتأكيد التشخيص، وقد يتطلب الأمر إجراء تصوير الصدى (إيكو) للصدر أو التصوير الطبقي المحوري لاستكمال التشخيص. 

ويعتمد علاج الريح الصدرية على إزالة الضغط من الرئة للسماح لها بالتمدد واستعادة وظيفتها من جهة ومنع تكرارها من جهة أخرى، ويقع الاختيار على العلاج المناسب وفقًا لكمية الريح وحجم انخماص الرئة، إضافةً إلى حالة المريض العامة. يحدث ذلك عن طريق المراقبة؛ ففي حال كانت الريح الصدرية صغيرة ولا تؤدي إلى انخماص جزء كبير من الرئة -أي تشفى وحدها- فلن تتطلب عندها سوى المراقبة بالتصوير الشعاعي الدوري، ولكنْ قد يحتاج الأمر في بعض الحالات إلى إعطاء الأكسجين لتحسين أكسجة الدم، وقد يكون من الضروري في حالات أخرى إجراء بزل بالإبرة أو وضع مفجر (أنبوب)؛ إذ تُدخَل إبرة أو أنبوب عبر جدار الصدر ليعمل على إفراغ الهواء، ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ اختيار أي منهما يعتمد مباشرة على وضع المريض الصحي وكمية الريح وسببها، وأخيرًا قد نلجأ إلى التدخل الجراحي في بعض الأحيان لإغلاق منفذ الهواء المسبب للريح، ويُجرى ذلك بعدة طرائق كتنظير الصدر (VATS )، أو استئصال الفقاعات أو الكي الكهربائي أو الليزري، وكذلك من الممكن اللجوء إلى استعمال مواد كيميائية وأدوية توضع في جوف الجنب لتحرّض تشكّل التصاقات جديدة تمنع تسريب الهواء وتسهم في العلاج.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا

6- هنا

7- هنا