البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

تقنية جديدة تكشف عن تشابهٍ كبيرٍ بين الكروموسوم Y لدى البشر والغوريلا

استمع على ساوندكلاود 🎧

قبل أن نبدأ بالتحدث عن الدراسة الحديثة، لا بد لنا من إلقاء نظرة على بعض المفاهيم الأساسية في علم الأحياء. يوجد في أنوية خلايا الكائنات الحية الشفرة الوراثية على شكل DNA أو ما يُعرف بالـ "الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين" ووظيفتها هي إعطاء المعلومات اللازمة لصناعة البروتينات؛ تتواجد المادة الوراثية على شكل كروموسومات Chromosome ثنائية نصفها من الأب والنصف الآخر من الأم، ولدى الذكور بالتحديد كروموسومان جنسيان، هما X يأتي من الأم و Y يأتي من الأب ويُعرف بكروموسوم الذكورة.

والآن ننتقل إلى صلب الموضوع، فقد تم تطوير واستخدام طريقة جديدة، أقل تكلفة وأسرع لتحديد تسلسل DNA للكروموسوم Y الخاص بالذكور عند الغوريلا. ستسمح هذه التقنية بوصول أفضل للمعلومات الجينية الخاصة بالكروموسوم Y مما يتيح استخدامها في دراسة اضطرابات العقم والطفرات النوعية للذكور. كما يمكنها أن تساعد في حفظ الجهود الجينية الخاصة بعلم الجينات عبر المساعدة في تتبع الأبوة(لأن الجين Y ينتقل من الأب إلى أبنائه الذكور فقط) وكيف ينتقل الذكور ضمن المجموعات المعرضة للخطر، كالغوريلا. نشرت دراسة بحثية بتاريخ 2 آذار تصف الطريقة والاكتشاف الناتج عن استخدامها في مقارنة تسلسلات الكروموسوم Y للغوريلا مع الكروموسوم Y للشمبانزي والانسان.

تقول Ketryna Makova بروفيسورة العلوم في Penn State وأحد مؤلِفَي الدراسة المذكورة "اكتشفنا، بشكل مفاجئ، أنه في كثير من الطرق يعد الكروموسوم Y الخاص بالغوريلا أكثر شبهاً بذاك الخاص بالإنسان أكثر من الكروموسوم Y الخاص بالشمبانزي" (أي أن التشابه بين الكروموسوم Y الخاص بالغوريلا والإنسان أكبر من التشابه بين أيٍّ منهما مع الكروموسوم Y الخص بالشمبانزي). في مناطق الكروموسوم التي يمكننا أن نرصف (أي نطابق أو نقابل المناطق المتشابهة) الأنواع الثلاثة معاً(الإنسان والشمبانزي والغوريلا)، يتسق تشابه التسلسل مع ما نعرفه عن العلاقات التطورية بين الأنواع-أي أن البشر أكثر قرباً للشمبانزي. على أي حال، يبدو أن الكروموسوم Y الخاص بالشمبانزي قد تعرض لتغيرات أكبر في عدد الجينات وأنه يحوي عدداً مختلفاً من العناصر التكرارية بالمقارنة مع الإنسان أو الغوريلا. وأكثر من ذلك، جزء أكبر من الكروموسوم Y الخاص بالغوريلا يمكن رصفه إلى ذاك الخاص بالإنسان من الكروموسوم Y الخاص بالشمبانزي".

يعد من الصعب سلسلة (أي تحديد تسلسل) الكروموسوم Y الخاص بالثدييات لعدة أسباب. أولها، أنه يوجد في نسخة واحدة(فالنسخة المقابلة له هي الكروموسوم X المختلف عنه أما باقي الكروموسومات في الجسم فتتألف من نسختين متشابهتين إحداهما من الأم والأخرى من الأب) ويشكل فقط 1-2% من كامل المادة الجينية الموجودة في خلية الذكر. لإنقاص هذه الصعوبة، استخدم الباحثون تقنية تجريبية تدعى flow-sorting لاختيار الكروموسوم Y بشكل مثالي بناء على حجمه ومحتواه الجيني.

يقول Paul Medvedev، البروفسور المساعد في علوم الحاسوب والهندسة للكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية في Penn state والباحث الآخر المشارك في الدراسة المذكورة: "زادت تقنية flow-sorting من كمية الكروموسوم Y في بياناتنا بنسبة ثلاثين بالمئة. ولإغناء بياناتنا حول الكروموسوم Y بشكل أكبر، قمنا بتطوير تقنية حاسوبية تدعى RecoveryY لترتيب بياناتنا إلى التسلسلات Y والتسلسلات التي لا تخص Y بناءً على مدى ظهور التسلسلات المتشابهة في بياناتنا" يتألف الكروموسوم Y ككل الـ DNA من سلسلة من الجزيئات التي تدعى "أسس" والتي تمثل بالأحرف A، T، C وG. تقدم تقنيات السلسلة الجينية الحالية قراءات للتسلسل أقصر بكثير من الطول الكلي للكروموسوم. تحتاج هذه القراءات لأن يتم ترتيبها وأن تجمع مع بعضها عبر إيجاد الأماكن التي تتداخل فيها للوصول لكتل أكبر وأكبر. استخدم فريق البحث تقنيتي سلسلة مختلفتين للمساعدة في هذا التجميع لتسلسل الـ DNA الخاص بالكروموسوم Y.

أنتجت إحدى تقنيتي السلسلة التي استخدمها الباحثون كميات ضخمة من قراءات قصير للغاية -يصل طولها الى حوالي 150-250 أساس. باستخدام هذه الطريقة، سلسل الباحثون ما يكفي من القراءات لتغطية كامل طول الكروموسوم Y حوالي 450 مرة. جمع الباحثون هذه القراءات القصيرة في كتل أكبر والتي قاموا بربطها بعدها باستخدام تقنية السلسلة الأخرى التي تنتج قراءات أطول-حوالي 7000 أساس في المتوسط. عن ذلك يقول Medvedev: "بإنقاص القراءات غير المتعلقة بالكروموسوم Y من بياناتنا باستخدام تقنيتا Flow-Sorting و RecoverY التي قمنا بتطويرها، وباستخدام هذا المزيج من تقنيات السلسلة، كنا قادرين على تجميع كروموسوم Y للغوريلا بحيث كان أكثر من نصف بيانات السلسلة عبارة كتل أطول من 100000 أساس" من الأسباب الأخرى التي تجعل تحديد التسلسل الجيني للكروموسوم Y صعباً للغاية هو كونه مكوناً من عدد كبير بشكل غير اعتيادي من التسلسلات المتكررة- وهي مناطق يكون فيها تسلسل أسس الـ A، T، C وG متطابق، أو شبه متطابق، عبر آلاف أو ملايين الأسس على التوالي. كثير من هذه التكرارات، متضمنة بعض الجينات، تظهر كسلسلة متوالية من نفس التسلسل المتكرر أو بشكل سياق متناظر، حيث تقرأ كلمة مثل "racecar" بالشكل نفس من اليمين لليسار ومن اليسار لليمين. استخدم الباحثون تقنية تجريبية تدعى "التفاعل الرقمي السلسلي للبوليميراز للقطيرة" أو "droplet digital polymerase chain reaction" لتحديد عدد نسخ الجينات التي تظهر في هذه السلسلة.

يقول Makova: "تشبه سلسلة الكروموسوم Y محاولة تجميع قطع أحجية، من دون معرفة الصورة النهائية، باستخدام كومة من الصور حيث فقط واحدة من كل مئة منها مفيدة، وأغلب القطع التي تحتاجها تبدو متطابقة، لقد طورنا سبيلاً مباشراً لسلسة الكروموسوم Y أكثر فعالية من الطرق السابقة ويخفض عدد الصعوبات المرتبطة بتحديد التسلسل الجيني للكروموسوم Y. ستفتح طريقتنا الباب لدراسة الكروموسوم Y أمام مخابر أكثر، عدد أكبر من الأنواع ومن الأفراد ضمن هذه الأنواع" للبرهنة على فائدة تسلسل الكروموسوم Y للغوريلا الذي توصلوا إليه، قام الباحثون بتصميم علامات جينية يمكن استخدامها لتفريق الارتباط الجيني بين ذكور الغوريلا وبذلك يساعد في الحفاظ على الجهود الجينية الخاصة بعلم الجينات الموجهة للحفاظ على هذه الأنواع المهددة بالخطر.

المصادر:

هنا

البحث الأصلي: هنا