التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

لبدة الليبية... روما الصغيرة

استمع على ساوندكلاود 🎧

تُعرف مدينة لبدة بكونها أحد أفضل المدن ذات الطابع الروماني خارج إيطاليا. وعلى عكس الآثار القديمة، فمعالمها الباقية إلى يومنا هذا تعطي فكرة واضحة عن المدن الرومانية في ذلك الوقت. مقالنا اليوم سيأخذنا بجولة في أرجاء هذا المدينة الليبية...

لبدة الكبرى هي مدينةٌ من مُدنِ الشمال الإفريقي الكبرى القديمة، تقعُ على الساحلِ المتوسطي عندَ مصبِّ وادي لبدة وهو المرفأ الطبيعي الواقع على بعد 3 كم شرقي مدينة الخمس، وتبعد 120 كم شرق مدينة طرابلس عاصمة ليبيا.

تأسست لبدة المعروفة باللغة الإنكليزية "leptis magna" في وقتٍ مبكر بفضل فينيقيي صور وصيدا في القرن السابع قبل الميلاد واستقرَّ فيها بوقتٍ لاحقٍ القرطاجيون.

اُعتبرت سوقٌ تجاريٌ للمنتجاتِ الزراعيةِ لوقوعها على المنطقةِ الساحليةِ الخَصبةِ، وكانت بمثابةِ ميناءً طبيعياً عند مَصبِّ وادي لبدة الذي سهّلَ نمو المدينةِ لإشرافِها على البحر الأبيض المتوسط، كما أنها مركزُ التِّجارةِ عبرَالصحراء.

خضعت لبدة لـ مينيسا حاكم مملكة نوميدا في عام 202 ق.م بختام الحرب البونية الثانية، التي انشقت عن البونية لتصبح حليفة روما خلال القرن الثاني قبل الميلاد، ومع ذلك احتفظت مدينة لبدة بالتقاليد و الثقافة البونية بما في فيها من دستور البلديات واللغة البونية. ومن أعمالِ الحُكام فيها فقد ساوى الإمبراطور الروماني تراجان لبدةَ بكولونيا (98-117م) اجتماعياً مع حقوق المواطنة الكاملة. أمّا الامبراطور سيبتيموس سيفيروس المولود في لبدة( 193-211م )أعطاها الحريةَ القانونيةَ من الضرائبِ على العقارات والأراضي وأصبحَ راعياً كبيراً للمدينة. فبدأَ برنامجُ بناءِ طموحِه تحتَ إدارتِه، عمِل على تحسينِ الميناء الذي تمَّ توسيعه مُسبقا في القرن الأول. ولكن عبرَ القرون نقُصَ الاهتمامُ بلبدة بسببِ المناوشات وانعدامِ الأمن على الحدود. بلغت ذروة الأوضاع والصعوبات الاقتصادية المتنامية للإمبراطورية الرومانية بعدَ الفتحِ العربي من 642، فتوقفت لبدة كمركزٍ حضري على نحوٍ فعالٍ إلى أن سقطت في الخراب. ولغاية القرن العشرين بقيت لبدة مدفونة تحت الرمال.

يميزُ لبدة عن غيرها أنَّها تحتفظُ بالهياكل البونية المكتشفة بالقرب من المسرح والفورم القديم حوالي 56 م. وانتشرت المباني على طولِ الساحلِ الغربي إلى الجنوب، وتشملُ مباني القرن الثاني السيرك و هو ميدانٌ لسباقِ الخيلِ، والحمامات التي حُفظت جيداً تحتَ حُكمِ هادريان (117-138).

الشارع المعمد: هو من أكبر النُصب الأثرية، أُنشِئ في عهدِ سيفروس وربطَ مركزَ المدينةِ بالميناء فطوله حوالي 410م، والطريق الذي ينتهي بساحة دائرية فقد صُممَ بطريقةٍ مُعقدةٍ تطلُّ على بركةِ ماءٍ على شكلِ زهرة nymphaeum.

تمتلك ليبدا طريقين رئيسيين تتقاطعُ مع أربعة طرقٍ في تترابليون، ويتوسطها قوسُ نصرٍ يصورُ عظمةَ سايروس وعائلته في إفريز. ويوجد الكثير من الهياكل في تلك الفترة منها 12 قناة مائية على طول 19 كم، كما نجدُ مجموعةً من المباني المتطورةِ على يسارِ الوادي، وحمامات صيدٍ ملونةٍ ومرسومةٍ بلوحاتِ رحلاتِ الصيّد، أهمُها اللوحةُ الضخمةُ التي تمثلُ مطاردةَ الفهدِ، وأسماءٌ مكتوبةُ على الجدارِ تمثلُ أمهرَ الصيادين لتكريمهم.

البازيليكا تقعُ على الجانبِ الغربي من الشارع المعمد، وهي أكبرُ المباني المشيّدة في لبدة فقد أُنشات عام 216بعد موت سيفروس بخمس سنوات، بطول 160م وعرض 69 م، مكونة من ثلاثة أجنحة وكلُّ قاعةٍ مُحاطةٍ بأعمدةٍ منحوتةٍ بنحتٍ نافرٍ لتصوّر حياةَ ديونيزوس والإثني عشر جندياً من جنود هرقل.

وبجوارِ البازليكا يقعُ الفورم الجديدُ المرصوف بالرخام والجرانيت، ومن العناصرِ المهمةِ في الفورم أنَّه كان معبدَ تكريمِ عائلةِ سيفروس الإمبراطورية.

عملت مصلحةُ الآثارِ الليبية وعلماءُ الآثارِ الإيطاليين في أوائل القرن العشرين بدراسةٍ للحفاظِ على موقعِ لبدة. والجدير بالذكر أنه خلال الحرب العالمية الثانية سعى سلاحُ الجو الملكي إلى نصبِ محطةِ رادار هناك، لكن تدخل مؤرخي الفن البريطاني والأثريين والكولونيل مورتيمر ويلر والرائد جون ساهم في حفظ الموقع. أمَا الآن العديدُ من التُحفِ الفنية قد حُفظت في متحفِ لبدة أو في القلعة الحمراء متحف الآثار والتاريخ في طرابلس.وتضمنَ العملُ تنقيبَ الفيلات الرومانية في ضواحي لبدة في عام 1990، فكشفت الحفرياتُ داخل المدينة منزلاً رومانياً قديماً مع نظامَ مياهٍ سليمةٍ بصهاريج متينةٍ تحتَ الأرضِ.

المصدر هنا