البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

إنجازٌ جديدٌ لعلاج سرطان الدماغ ... خلايا الجلد ضد الخلايا الورمية!

استمع على ساوندكلاود 🎧

يملك كلٌّ منّا منذ الولادة خلايا جذعية لها القدرةُ على التمايز إلى أنواعٍ مختلفة من الخلايا. توجد هذه الخلايا الفريدة في كلّ جزءٍ من أجسامنا وتساعد في إصلاح الأذيّاتِ المتعدّدةِ التي تتعرّض لها خلايا الجسم المختلفة. لكن، نظراً لمحدودية عدد الخلايا الجذعية، فإنّ قدرتَنا على علاج أنفسِنا تتضاءل بمرور الزمن حتّى نصلَ إلى وقتٍ ينفد فيه مخزونُنا من هذه الخلايا. لذلك، يسعى العلماء باستمرار لإيجادَ طريقةٍ لإنتاج خلايا جذعية متجددة فهل نجحوا في ذلك؟

إلى حدٍّ ما،نعم! لا يُعدُّ استخدام الخلايا الجذعية في العلاج أمراً جديداً (يُمكنكم الاطلاع على مقالنا السابق هنا) ولكن السبق الطبي الجديد هو ما حقّقَه مؤخراً باحثون من جامعة كارولينا الشمالية إذ استطاعوا تحويلَ خلايا الجلدِ إلى خلايا جذعية كابحةٍ للسرطان يُمكنها تدميرُ خلايا الورم الأرومي الدِّبْقي، فما هو هذا المرض؟

يعتبر الورم الأرومي الدِّبْقي Gliblastoma واحداً من أخطر الأورام الدماغية وأكثرها انتشاراً؛ إذ يتمّ تشخيص ما يُقارب 14،000 حالة سنوياً في الولايات المتحدة، ولا يتجاوز معدّل البقاء على قيد الحياة بعد عامين من الإصابة 30% من المرضى لأنّ العلاج صعبٌ جداً. يُمكن إجراء استئصالٍ جراحيّ للورم، لكنّ يكاد يكون من المستحيل الوصول إلى جميع الخلايا الورميّة التي تنتشر في الدماغ وتسمح للورم بالنموّ مجدّداً، لذلك فإنَّ معظم المرضى يُفارقون الحياة في غضون عامٍ ونصف من تشخيص إصابتهم بالورم.

إذاً يعتمد العلاج الحالي للورم الأرومي الدِّبقي GB على زيادة بُقيا المريض (أي الفترة المتوقع أن يعيشها المريض)، إلا أنّ دراسةً سابقةً على الفئران أظهرت جدوىً عند استئصال أورام الدماغ لدى الفئران (التفاصيل في مقالٍ سابق لنا هنا )

بدأ الأستاذُ المساعدُ في جامعة كارولاينا الشمالية شون هينتغين Shawn Hingtgen وزملاؤه بتطوير علاجٍ خاصٍّ بمرض الورم الأرومي الدّبْقي، بهدفِ التخلّص من جميع الخلايا الورميّة وما بقي منها بعد الجراحة، وبالتالي التخلّصُ من الورم على نحوٍ فاعلٍ، وذلك اعتماداً على البحث السابق الحائز على جائزة نوبل عام 2012 الذي توصّل فيه فريق الدكتور شينيا ياماناكا إلى طريقةٍ لتحويل خلايا الجلد أو الدم أو أية خلية متمايزة أخرى إلى خلايا جذعية وذلك بزيادة التعبير عن أربع مورّثات فقط. سمحت هذه الآلية التي أُطلِق عليها اسم إعادة البرمجة الخلوية "Cell Reprogramming"، بإنتاج خلايا جذعية محفَّزة متعددة القدرات"Induced pluripotent stem cells" قادرة بشكلٍ كامل على التحوّل إلى أيّ نوعٍ آخر من الخلايا أيّاَ يكن.

عمل فريق هينتغين على إعادة برمجة خلايا جلدية (من المرضى أنفسِهم) تُعرف باسم الأَرومَة الليفيّة Fibroblasts (وهي خلايا تُنتِج الكولاجين والنسيجَ الضامّ)، لتصبحَ خلايا جذعيةً عصبيةً محفَّزةً "Induced neural stem cells" وتبيّن أنّ لهذه الخلايا قدرة فِطرية على التحرّك في الدماغ والاستقرارِ فيه والقضاءِ على أيّةِ خلايا ورميّةٍ متبقّيةٍ. بل والأكثر من ذلك؛ تبيّن أنّه بالإمكان تعديل هذه الخلايا الجذعية لجعلها تُنتج نوعاً من البروتينات القاتلة للورم، ما يُشكّل سلاحاً آخر في مواجهة الورم السرطاني.

وبالاعتماد على نوع الورم، تمكّن الفريق من زيادة فترة بقاء الفئران على قيد الحياة بنسبة 160 إلى 220 في المئة. أمّا الخطوة التالية فستتركّز على الخلايا الجذعية البشرية واختبارِ عقاقيرَ مضادّةٍ للسرطان أكثر فاعلية يُمكن إيصالها إلى الخلايا الورمية عن طريق هذه الخلايا الجذعية العصبية المُستهدِفة للورم. كما يعمل الفريق أيضاً على تحسين قدرة الخلايا الجذعية على البقاء داخل التجويف الجراحي (الناتج عن عملية استئصال الورم)، من خلال تأمين دعامة (Matrix) مادية لها، إذ تبيّن أنّ الخلايا الجذعية بحاجةٍ إلى دعامة مادية لدعمها وتنظيمها، لتتمكّن من البقاء لمدّةٍ تكفي لاستهداف الخلايا الورميّة.

يُمثّل البحثُ التطورَ الأحدثَ حتى الآن في مجال الخلايا الجذعية، فهذه هي المرة الأولى التي تُستخدم فيها تكنولوجيا البرمجة المباشرة للخلايا الجذعية في علاج السرطان، فهل سيطول الانتظار حتى نجد نتائجَها المُبشِّرة في علاج السرطانات لدى البشر؟

لاطلاعٍ أكثر على مواضيع مرتبطة بالخلايا الجذعية، زوروا مقالينا السابقَين

هنا و هنا

المصادر:

هنا

هنا

البحث الأصلي: هنا