الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

السدود... جريمةٌ أخرى للإنسان!

استمع على ساوندكلاود 🎧

تقول الدراساتُ أنَّ السدودَ التي يبنيها الإنسانُ في مجرى الأنهار تعيق الحياةَ البريّةَ، فهي تقسِم النهرَ إلى جزأين، جزءٍ نابضٍ في الحياة، وجزءٍ لا يصلُحُ لها، لذلك تجد في الصّنف الواحد من الكائنات الحيّة نوعَين رئيسيّين من الأفراد، أفرادٍ بصحّةٍ جيّدة، وآخرين بصحّةٍ سيِّئة.

ولأنّ السدودَ المُشيَّدة غربَ الولايات المتحدة تحجز أسماكَ السلمون التي تُعتبَر مصدراً غذائيّاً هامّاً لأنواعٍ من الطيور المُغرِّدة هناك، فإنّ تلك الطّيورُ تتصارع للتّعشيش في جانب السدِّ الغنيِّ بأسماك السلمون.

وبذلك نجد كلّ مكوِّناتِ النّظامِ البيئيِّ تتضرّر من وجود السدود، لكنّ فريقاً من الباحثين وجدَ إمكانيّةَ تعافي النّظام البيئيّ برمَّته عند إزالةِ السدّ، بدءاً من الأسماك وانتهاءً بالطيور والمكوِّنات الأخرى، وذلك خلال وقتٍ أسرعَ بكثيرٍ ممّا توقّعوه.

فلقد أجرى فريقُ الباحثين برئاسة الأستاذ المساعد كريستوفر تونرا Christopher Tonra من جامعة ولاية أوهايو دراستَين جديدتَين تُعَدَّان أولى الدراساتِ التي تفحص الآثارَ السلبيّةَ للسدود والضغوط التي تفرضها على أصنافِ الطيورِ التي تعتمد في غذائها على أسماك السلمون، وتحديداً طائرُ الغطّاس الأمريكي American dipper، كما تُبيِّنان الأثرَ الإيجابيَّ لإزالةِ هذه السدود في ازدهار الحياةِ البريّةِ من جديد.

وطيورُ الغطّاس هي إحدى أصناف الطيور المُتميّزة في طريقة حصولِها على الغذاء، حيث تغطِسُ تحت سطحِ النّهر وتجوبُ قاعَه الصخريَّ بحثاً عن غذائِها، والّذي يكونُ في أغلبِ الأحيان يرقاتٍ لحشراتٍ مائيّةٍ، وأحياناً بعضَ الأسماكِ الصغيرةِ، بما فيها فراخُ السلمون المتوفِّرة، ولذلك فهي مزوَّدةٌ بجفنٍ شفّافٍ ثانٍ يُعتبَرُ بمثابة نظَّاراتٍ تساعدُه على الرؤية ضمن الماء.

تتواجدُ هذه الطيورُ في الأماكنِ التي تلتقي فيها النُظُمُ البيئيّةُ المائيّةُ والأرضيّة، وتُعتبَر مؤشِّراً هامّاً على وضع النظام البيئيّ في النّهر وبجانبه، فهي الطيور التي تميِّزُ أميركا الشماليّة، وارتيادِها نظاماً بيئيّاً يشيرُ إلى قوَّةِ هذا النّظام.

أمّا أسماكُ السلمون، فهي تنمو في المحيطات وتتَّجه نحو أنظمةِ المياهِ العذبةِ لكي تُفرِّخ وتموتَ فيها، حاملةً معها النتروجين والكربون البحريَّين، لتستهلكَهُما الحيواناتُ والنباتاتُ إمّا مباشرةً، أو بالتغذِّي على نباتاتٍ ويرقاتٍ وحشراتٍ أخرى تستهلكُ هذه المغذِّيات أيضاً.

آليّةُ الدراسةِ:

موقع الدراسة كان منتزه واشنطن الأولمبي ومحيطه، حيث يمرُّ به نهر إلوا Elwha وعليه يتواجدُ أحدُ أكبرِ السدود التي تمّت إزالتُها في التاريخ، وقد بدأت الطواقم بهدمِ هذا السدِّ إضافةً لسدِّ غلاينز كانيين Glines Canyon في عام 2011 لتنهيَ عملها في عام 2014 فاسحةً الطريقَ للأسماكِ المهاجرةِ للمرّةِ الأولى خلال هذا القرن.

عمِلَ الفريقُ على طولِ أربعةِ مجارٍ مائيّة، ثلاثةٌ منها لا تصلها أسماكُ السلمون بسبب الشلّالات أو السدود. وقام الفريق بجمع الطيور ووزنِها، وأخذِ عيِّناتٍ من دمائها، ثم فحصوا تركيزَ المغذِّيات البحريّة في عيِّنات الدماء.

كما راقبَ الفريقُ محاولاتِ الأسماكِ للتفريخ، وميلِها للبقاء في منطقة التعشيش خلال السنة، وراقبوا أنواعَ الغذاء التي وصلت إلى الفراخ.

________

نتائجُ البحثَين:

تشير الملاحظات التي سجَّلَها الفريقُ في موقعِ الدراسة إلى وجودِ أسرَّةٍ نهريّةٍ جرداء أشبهَ بسطح القمر، وقد وثّقوا عودتَها إلى مواطنَ نابضةٍ بالحياة بشكلٍ مذهلٍ بعد إزالة السد.

تشير نتائجُ الدراسة الأولى والتي ستنشرها مجلة Ecography، أنّ طيورَ الغطّاس التي نجحت في الوصول إلى أسماكِ السلمون كانت في حالةٍ بدنيَّةٍ أفضل، فلديها مستوى أعلى من المغذِّيات البحريّة، وكانت أكثرَ قابليّةً للتفريخ مرّاتٍ عديدة خلال الفصل، وأنتجت نسلاً إناثيّاً أكبر، وأكثرَ قدرةً على البقاء في المناطق الخصبةِ على مدار العام، كما كان المعدَّل السنويُّ لبقائها على قيد الحياة أعلى بمقدار 11% من أقرانها التي فشلت في الوصول إلى السلمون، والّتي كانت بحالةٍ غير جيّدة، وبدت كأنّها لم تحاول التفريخ بنفس القدْرِ لدى نظائرِها، كما أنّها تركت مكانَها بعد أوّلِ مُحاولةِ تفريخٍ باتّجاه المياه الغنيَّةِ بالسلمون.

أمّا الطيورُ الإناث اللاتي وصلنَ إلى أسماك السلمون، كانت كتلتَهُنَّ الجسميَّةَ أكبر، وبالتالي أفضل صحّة، وكان حجم الإناث الفتيّة لديها أكبر.

وحملت الدراسة الثانية التي نُشِرَت في مجلة Biological Conservation أخباراً سارَّة، حيث تمكَّن الفريقُ من توثيقِ زيادةِ تركيز المغذِّيات المُستمَدَّة من أسماك السلمون ضمن طيور الغطّاس الأمريكيّة خلالَ عامٍ فقط من إزالة سد إلوا، وقد أدهَشت الباحثين سرعةُ أسماك السلمون في استعادةِ عافيَتِها وكأنّها كانت تتوقُ إلى اللحظة التي يُهدَم فيها السدّ الأوّل لتقفَ عند السدِّ الثاني منتظرةً هدمَه لإكمال مسيرِها.

وإذ أكَّدَ الفريقُ على أهميّة نتائج البحثَين الحاليَين، فإنّه يرغب في العودة مرَّةً أخرى إلى تلك المنطقة لقياسِ التغيُّرات الحاصلةِ في أنماط الطيور وصحَّتِها خلالَ الفترةِ الّتي تلت إزالةَ السدّ، ويأملُ الفريقُ أن تستعيدَ الطيورُ الأخرى الّتي تتغذّى على الحشراتِ قربَ النّهر عافيَتها وتصبحَ أقوى وأفضلَ حالاً.

المصدر:

هنا