العمارة والتشييد > العمارة المستدامة

العمارة المتحركة التفاعلية

استمع على ساوندكلاود 🎧

يُعدّ توليد طاقة المبنى بواسطة واجهاته الخارجية من أهم الاتجاهات الإبداعية الّتي اتّبعها العديد من المعماريين المعاصرين مستفيدين من مصادر الطاقة المتجددة. مما فسح المجال لمجموعة كبيرة من التطبيقات بأن ترى النور وتخلق فراغات ملائمة للبيئة وللإنسان ضمن عمل معماري متكامل.

كُشف خلال العقد الأخير عن الكثير من الأساليب الجديدة في العمارة والّتي تطوّرت للاستجابة لتدفُّق الطاقة، بشقّيها الطبيعية والصُّناعية، ويؤثّر ذلك بشكل أساسي على كل من أداء المبنى وراحة مستخدميه. تنظّم المباني تدفّق الطاقة بعدّة طرُق، ولكن علينا الآن أن نستكشف الحلول والمقاربات الّتي اتّبعها المعماريّون المبدعون، والمهندسون والاستشاريون في تشكيل تغطية المباني، وواجهاتها وغيرها من أنواع النسيج الّذي يغيّر البيئة الدّاخلية للعمل المعماري ويعطي نتائج متعدّدة. اختبر المعماريون تنظيم تدفُّق الطاقة هذا بطريقتيه المرئيّة وغير المرئيّة، مستخدمين طاقة الرياح، والمياه والكتلة الحرارية للعديد من المواد، وفي كثير من الأحيان استخدموا مزيجاً من تلك الطاقات الثلاث.

قُطِعت أشواطٌ بعيدةً في العقد الأخير فيما يتعلّق بطريقة التّصميم وفهم آلية التعامل معه، تبعاً لتقدير متطلّبات الطاقة للمباني عبر شبكات المرافق العامة، وكذلك التطوّر الملحوظ في نمذجة المباني، وأدوات التحليل، والإحاطة بأسس انتقال الحرارة ومعايير راحة الإنسان الّتي أصبحت مصنَّفة ومهيّأة في التصميم، وكذلك التقدُّم الكبير في تقنيات الزجاج والتزجيج، وأنظمة التحكم، والمحرّكات وغيرها من التجهيزات التقنية الّتي تشكّل بمجموعها في النهاية فنّاً معمارياً متكامل.

على الرغم من أننا لا نتحدث الآن عن الاستدامة، إلّا أنّنا نجد أنفسنا نتحدث عن حركة العمارة الخضراء –كما العديد من المشاريع الّتي نتناولها في هذا المجال التي تُفهَم بشكل أوضح ضمن إطار الاستدامة- لكننا نهتم بشكل رئيسي بالتغطية والطرق الحديثة الّتي يمكن استخدامها للاستفادة من الطاقة في حالتها الأصلية. وهذا بالطبع جزءٌ من حكايةٍ أكبر، هي حكاية العمارة بأفقٍ أوسع لما نسمّيه حالياً تصميمٌ مستدام. فهو ليس اتجاهاً جديداً في العمارة، بل بالأحرى السعي إلى إعادة التركيز على فهم المباني كما توجد ضمن مواقعها المحددة، وموادها وطرق تشغيلها. كانت هذه القضية الرئيسية قبل عشرينات القرن الماضي لكنّها فُقِدت بسبب عولمة رأس المال التي سارت بمسار ثابت حتى عام 2008م.

جعل المبنى يستجيب للظروف المناخية الفصلية هو استراتيجية قديمة اعتُمِدت في العديد من المباني ابتداءً من تسعينات القرن التاسع عشر حتى ثلاثينات القرن العشرين، حيث اتُّبِعت قبل بدء الاعتماد الواسع على تقنيات تكييف الهواء.

في الوقت الحالي من الصعب تأمين التهوية الكاملة لمبنى فقط عن طريق التهوية الطبيعية، خاصةً عندما يكون المبنى مليء بحواسيب عالية التقنية ذات أحمال حرارية كبيرة، وأجهزة إنارة ومستخدمين يحملون هواتف ذكية.

وعلى الرغم من أنّ كمية الأشعة الشمسية الّتي تضرب مبنى ما تتغيّر من ساعةٍ إلى أخرى ومن فصلٍ إلى آخر، إلّا أنّ التغطية الخارجية للمباني لا تستجيب لذلك في معظم الحالات، فالمواد المستخدمة لبناء الجدران مثلاً متشابهة في معظم المشاريع وتُستخدَم في المناطق الباردة والحارة على حدٍّ سواء. كما أن العديد من أنظمة التغطية المزدوجة ذات الواجهات المعلّقة تتخلّص من الأحمال الحرارية بنظام تهوية طبيعية أو ميكانيكية، لكن داخل المدينة غالباً ما تكون الرياح السائدة ضعيفة وغير قادرة على تأمين التهوية الطبيعية، وعندما نلجأ لاستخدام تجهيزات التهوية الميكانيكية فنحن نزيد من استهلاك الطاقة.

ظهرت العديد من الشركات التخصّصية الّتي تستخدم واجهات قابلة للتحرُّك تغيّر من مظهرها وشكل تغطيتها، وتلطّف ضوء النهار بحيث تأخذ كل طبقة وضعية مغايرة للطبقة الأخرى. فبالإضافة للتأثيرات البصرية الفاتنة، فإنّ المحرّكات الّتي تتحكم بحركة الطبقات يمكن برمجتها من ضمن أنظمة إدارة المبنى بحيث تميّز الأماكن المتغيّرة للشمس وتراعي الشروط الخارجية المحيطة بالمبنى، أو يمكن ضبطها لتأخذ أشكالاً تزيينية فقط. وكذلك أنواع من الزجاج يمكن التحكُّم بشفافيتها وبالتالي التحكُّم بكمية الأشعة الشمسية التي تعبرها، وتزداد فعاليتها بإعطائها القدرة على الحركة، وتشكّل إضافة تصميمية جديدة ومميزة إلى أدوات المصمم المعماري.

إنّ المشاريع المدروسة في هذا المجال ليست مجرّد تجارب، وإنما كل منها مطوَّر وفق شروط محددة وواضحة. ويستجيب للحاجات البرمجية لطَيف واسع من العملاء والمشاهدين والمهتمّين بتحسين البيئة الداخلية عبر استراتيجيات تصميمية متطورة تعتمد مبدأ الفاعل والمنفعل.

ما رأيك بهذه التقنيات الجديدة التي يمكن تسخيرها في العمارة لخدمة الإنسان؟ وإلى أي مدى تعتقد بأنها ستصبح مكوّناً أساسياً في العمل المعماري في المستقبل؟

المصادر:

Russell Fortmeyer & Charles Linn. "Kinetic Architecture: Designs for Active Envelopes" 14 Aug 2014

هنا