التاريخ وعلم الآثار > تحقيقات ووقائع تاريخية

بوكاهانتس... القصة التي لم تروَ لأميرة جاهدت من أجل السلام.

استمع على ساوندكلاود 🎧

على الرغم من ندرة الآثار المكتوبة التي تؤرخ لهذه المرأة، إلا أننا جميعنا نعرفها اليوم من خلال أفلام ديزني. لكن ما هي القصة الحقيقية لهذة الأميرة؟ وما هي أهميتها؟ وكيف عملت لإحلال السلام بين السكان الأصليين لأمريكا الشمالية والمستعمرين الإنكليز؟ إنها بوكاهانتس نجمة رحلتنا التاريخية لهذا اليوم.

الطفولة

كانت بوكاهانتس الابنة المفضلة والمحبوبة لبوهاتان، قائد قبائل الألغونكوان الهندية في فيرجينا. والدها معروف أيضاً باسم واهوسوناكوك (Wahusonacock)، تقلد منصب القائد الأعلى لمعظم قبائل الهنود الحمر التي سكنت من شمال نهر متابوني إلى جنوب نهر جيمس، باختصار كان والدها السلطة الأعلى التي واجهت المستعمرين الجدد الذين حطوا رحالهم في عام 1607.

ولدت بوكاهانتس حوالي عام 1595 لواحدة من الزوجات الكثيرات اللواتي حظي بهن بوهاتان تحت اسم ماتواكا (Matoaka)، إلا أنها اشتهرت بلقب بوكاهانتس والذي يعني الصغيرة المرحة.

اللقاء مع المستعمرين الإنكليز

من المرجح أن اللقاء الأول بين بوكاهانتس والكابتن جون سميث كانت قصة مختلقة من قبل سميث نفسه في كتاباته اللاحقة. فقد كان سميث يقود حملة استكشافية للمستعمرين الجدد القادمين إلى فيرجينيا في كانون الثاني من العام 1607 عندما أُسِر من قبل بعض السكان الأصليين.

عدة أيام قضاها سميث مرتحلاً بين الغابات والمستنقعات إلى أن بلغ المقر الرسمي لبوهاتان (والد بوكاهانتس) الذي كان على بعد 12 ميل فقط من المستعمرة الجديدة جيمس تاون (Jamestown). وحسب سميث نفسه، فإنه لقي حفاوةً وترحيباً من قبل القائد الكبير وقُدمت له المأدب والأطعمة المختلفة، إلا أنه بعد ذلك أجبر على التمدد على صخرتين كبيرتين مسطحتين محاطاً ببعض الهنود الحمر الحاملين هراوات والمستعدين لضربه حتى الموت عندما يُؤمرون. وفجأةً هرعت الطفلة بوكاهانتس الصغيرة واحتضنت رأس سميث ووضعت رأسها مكانه في محاولةٍ منها لإنقاذه من الموت. بعد ذلك أخذت بوكاهانتس سميث ووضعته عند أقدام أبيها بوهاتان الذي عدّه منذ ذلك الوقت صديقاً وتبناه كابناً ومساعداً لشؤون القبيلة.

لاحقاً اتسمت العلاقات بين المستعمرين والسكان الأصليين بالطمأنينة والسلام وقد توالت زيارات بوكاهانتس إلى مستعمرة جيمس تاون حاملةً معها رسائل من والدها للمستعمرين ومصحوبةً بعدد من الهنود القادمين بغرض التجارة وتبادل البضائع.

لكن لسوء الحظ فترة السلام هذه لم تستمر طويلاً وبدأت العلاقات بين الهنود والقادمين الإنكليز تسوء. فانتشرت الاضطرابات والعداوات، واقتصرت التجارة فيما بينهم على الأغراض الضرورية، وقلت زيارات بوكاهانتس للمستعمرة.

في عام 1606 زار سميث مدينة ويرووكوموكو (Werowocomoco) على رأس وفد لغرض التجارة وعندما بدأت المفاوضات بين سميث وبوهاتان (والد بوكاهانتس) تتصاعد وتتوتر، تسللت بوكاهانتس خلال الليل إلى معسكر سميث وأبلغته أن والدها يريد قتله. فهرب سميث مع رجاله وبعد تسعة أشهر أصيب بجروح بالغة على أثر طلق ناري مما اضطره للعودة إلى إنكلترا. وانتهت بذلك العلاقة التي جمعت سميث ببوكاهانتس التي قدمت بعد ذلك إلى المستعمرة وتم إخبارها بأن سميث قد مات.

الزواج

هناك روايات تتحدث عن زواج محتمل جمع بين بوكاهانتس وأحد القادة من السكان الأصليين ويدعى كوكوم (Kocoum) وقع في عام 1610 وأن بوكاهانتس عاشت في بوتوماك (Potomac) بين السكان الأصليين لكن علاقتها مع المستعمرين الإنكليز لم تنته.

فعندما علم الجنرال الإنكليزي سامويل أرغال (Samuel Argall) أن بوكاهانتس تقطن في قرية قريبة من خط رحلته التجارية، قام بوضع خطة لخطفها ومقايضتها مقابل فدية. وقد ساعده في خطته هذه يوباسوس (Iopassus)، أحد القادة الصغار في قبيلة باتوومك (Patowomeck)الهندية، الذي استدرج بوكاهانتس إلى سفينة أرغال في ربيع 1613 مقابل قدر نحاسي أعطاه أرغال لزوجة يوباسوس.

بعد اختطافها، أرسل سامويل أرغال رسالة إلى بوهاتان والدها أخبره فيها أنه مستعد للإفراج عن بوكاهانتس مقابل أن يطلق بوهاتان سراح محتجزين إنكليز لديه، ويعيد الأسلحة والأدوات التي سرقها الهنود الحمر، وأن يمنحهم بعضاً من محصول الذرة. استجاب بوهاتان لطلبه وأرسل جزءاً من الفدية وطلب أن تعامل ابنته بلطف وإحسان.

عاد سامويل إلى مستعمرة جيمس تاون ومعه أسيرته بوكاهانتس التي انتقلت بعد ذلك إلى مستعمرة هنريكو (Henrico) حيث شرع القس ألكسندر ويتيكر (Alexander Whitaker) بتعليمها أصول الدين المسيحي. وهناك أيضاً التقت بمزارع التبغ جون رولف (John Rolfe) في تموز من عام 1613.

وبعد عام من الأسر اقتاد السير توماس ديل (Thomas Dale) أسيرته بوكاهانتس مع 150 فرد من رجاله المسلحين إلى الأراضي الواقعة تحت سلطة بوهاتان لإكمال صفقة التبادل. لكن الصفقة لم تتم، فبعد تعرض المستعمرين للهجوم من قبل السكان الأصليين. قام الرجال الإنكليز بإحراق العديد من المنازل، وقتل الكثير من الهنود، وأُرسِلت بوكاهانتس إلى الساحل للقاء اثنين من إخوتها فأخبرتهم عن حسن المعاملة التي تلقاها من الإنكليز وأنها مستاءة لأن والدها فضل السلاح والفؤوس على ابنته.

أخيراً رضي بوهاتان بدفع ما تبقى عليه من الفدية. لكن بوكاهانتس فضلت البقاء مع المستعمرين الإنكليز والزواج من رولف مزارع التبغ. إلّا أنّ تديّن رولف أعاق زواجه بفتاة غير مسيحية كبوكاهانتس، لذلك تحولت إلى المسيحية وتزوجت جون رولف متخذة من ريبيكا (Rebecca) اسم إنكليزياً لها.

أبدى بوهاتان والد بوكاهانتس موافقته على هذا الزواج الذي قد يؤدي إلى السلام بين المستعمرين الجدد الإنكليز والسكان الأصليين. وأرسل خال بوكاهانتس مع اثنين من أبنائه ليشهدوا مراسم الزواج الذي تم في كنيسة مستعمرة جيمس تاون في نيسان 1614. فعم السلام والوفاق بين الهنود الحمر والإنكليز.

في لندن

أبحر السيد توماس ديل عائداً إلى لندن في ربيع 1616 للحصول على دعم مالي أكبر لشركة فيرجينيا الاستعمارية. وأخذ معه عدداً من السكان الأصليين للتسويق لعمله في القارة الأمريكية وكان من ضمنهم بوكاهانتس وزوجها وابنها توماس الذي ولد في فيرجينيا في عام 1615.

لقد أثار وجود بوكاهانتس في لندن ضجة كبيرة فخلال العديد من المناسبات الاجتماعية ظهرت بوكاهانتس كإبنة الملك وكانت تُعامل باحترام كبير بسبب منصبها هذا. كذلك قُدِّمت بوكاهانتس للملك جيمس الأول والعائلة الحاكمة.

في لندن أيضاً التقت بوكاهانتس بجون سميث، الرجل الذي أنقذته وكانت تعتقد أنه مات. وصف سميث لقاءه ببوكاهانتس لأول مرة بعد ثماني سنوات وقال أنها كانت عاجزة عن الكلام وأنها نادته "يا أبي" وكان هذا لقاءهما الأخير.

خلال هذا الزمن، خصصت شركة فيرجينيا الاستعمارية صورة لبوكاهانتس هي الوحيدة التي نملكها وتوضح شكلها الحقيقي. في اللوحة تبدو بوكاهانتس بأزيائها الفاخرة وقبعتها الطويلة وكأنها امرأة إنكليزية ثرية. بعد سبع شهور قرر رولف العودة مع زوجته وعائلته إلى فرجينيا وأبحرت بهم السفينة في آذار 1617 لكن إصابة بوكاهانتس بالتهاب رئوي حاد أو مرض السل اضطرها للعودة إلى الشاطئ حيث استلقت وودعت زوجها ودفنت في حديقة كنيسة غريفسند (Gravesend) في إنكلترا عن عمر 22 عاماً قضتها بوكاهانتس محاولةً لزرع السلام بين شعبها والقادمين الجدد.

المصدر:

هنا