الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

سياسات التنوع في العمل.. مع أم ضد المرأة و الأقليات؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

خلال العقود الماضية تزايد إنفاق الشركات الكبرى على سياسات التنوع بهدف خلق بيئة عمل متنوعة وشاملة. و نسمع اليوم كثيراً عما تواجهه الأقليات من عنصرية سواء تجاه الجنس أو لون البشرة أو الديانة أو الطائفة و غيرها.

فهل حققت تلك السياسات أهدافها المرجوة أم انعكست سلباً على العاملين؟

تنفق الشركات الأمريكية الملايين سنوياً على سياسات وبرامج التنوّع، حيث نلاحظ انتشار وسائل التوظيف وتصريحات الأهداف التي تروج لالتزامها بالتنوع في كل مكان.

وقد تمّ تكليف الكثير من المدراء بالهدف المعقد ألا وهو "إدارة التنوع"، والذي يتضمن الكثير من المعاني من ضمان المساواة في فرص العمل و وضع برامج تدريب خاصة بموضوع الحساسية الثقافية بالإضافة إلى التركيز على توظيف واستبقاء الأقليات وخاصة النساء.

ولكن هل جميع هذه الجهود فعالة؟

من حيث زيادة التنوع الديموغرافي يبدو أنها ليست فعَالة تماماً، حيث أنّ برامج التنوع الشائعة أثرها قليل في إبراز دور الأقليات والنساء.

وكشفت دراسة شاملة شملت أكثر من سبعمائة شركة أميركية أنّ اعتماد برامج تدريبية تتعلق بالتنوع ليس له أثر إيجابي يذكر، بل يمكن له حتى أن يخفّض من تمثيل النساء من ذوات البشرة الغامقة.

يعتقد معظم الناس أنّ سياسات التنوع تجعل من الشركات أكثر إنصافاً تجاه النساء والأقليات إلا أنّ البيانات تشير إلى عكس ذلك، فحتى عند وجود دليل واضح على التمييز في شركة ما، فإن مجرد وجود سياسة التنوع يدفع الناس إلى إهمال الشكاوى المتعلقة بالمعاملة غير العادلة.

وقد وجدنا في بحث سابق أنّ هذا السلوك ينطبق بشكل خاص على أعضاء الجماعات المهيمنة وأولئك الذين يميلون للاعتقاد بأنّ النظام عادل بشكل عام.

لهذا الأمر تأثير حقيقي في المحاكم، حيث لجأت وولمارت Walmart في أحد قضايا العمل في المحكمة العليا عام 2011 إلى سياسة ضد التمييز التي تتبعها لتدافع عن نفسها، و قد نجحت في ذلك ضد الاتهامات الموجهة إليها في التمييز بين الجنسين.

وولمارت هي ليست الوحيدة في هذا، فغالباً ما ينجح "الدفاع بوجود سياسة للتنوع" جاعلاً من المنظمات أقل مسؤولية عن الممارسات التمييزية طالما أن سياسة التنوع قد ذكرت من ضمن سياسات الشركة.

كما يمكن لسياسات التنوع أيضاً أن تؤدي إلى معتقدات غير دقيقة و تحقق نتائج عكسية بشكل آخر أيضاً. ففي تجربة حديثة وجدنا ما يدل على أن هذه السياسات تجعل الرجال من ذوي البشرة البيضاء يعتقدون أن النساء والأقليات يعاملون بشكل عادل - سواء كان ذلك صحيحاً أم لا – كما أنها في الغالب تجعلهم أيضاً يميلون إلى الاعتقاد أنهم هم أنفسهم لا يعامَلون بشكل عادل.

وعلى سبيل التجربة، فقد تم وضع مجموعة من الرجال من ذوي البشرة البيضاء في تجربة محاكاة لعملية التوظيف في إحدى الشركات التكنولوجية الوهمية، و قد تم وصف السياسات التي تؤيد التنوع في عملية التوظيف وذلك لنصف المتقدمين، بينما لم تذكر وسائل التوظيف أي شيء عن التنوع بالنسبة للنصف الآخر، و في كل الأمور الأخرى وُصِفت الشركة بشكل متطابق، ومن ثم خضع جميع المتقدمين لمقابلة عمل، وتمّ تصوير أدائهم وقياس استجابات توتر القلب لديهم.

ونتيجة للتوصيف السابق ذكره، توقع الرجال من ذوي البشرة البيضاء و الذين أجروا مقابلة العمل في الشركة التي تؤيد التنوع أنهم سيواجهون معاملة غير عادلة وتمييزاً ضد ذوي البشرة البيضاء أكثر من أولئك الذين أجروا المقابلة في الشركة التي لم تذكر شيئاً عن التنوع. كما أنّ أداءهم خلال المقابلة كان أكثر سوءاً وذلك استناداً إلى حكم مقيِّمين مستقلين كما كشفت استجابات القلب أنهم كانوا أكثر توتراً.

وبذلك أوحت الرسائل المؤيدة للتنوع للرجال ذوي البشرة البيضاء بأنهم قد يعاملون بأقل مما يستحقون و قد يكون هناك تمييز ضدهم، فأثرت هذه المخاوف على أدائهم في المقابلة وتسببت باستجابة أجسامهم كما لو أنهم كانوا يتعرضون للتهديد.

ومن المهم أن نذكر أنّ رسائل التنوع أدت إلى هذه الآثار بغض النظر عن أيديولوجية هؤلاء الرجال السياسية و سلوكهم تجاه الأقليات و معتقداتهم إزاء انتشار التمييز ضد ذوي البشرة البيضاء أو معتقداتهم حول العدالة في العالم.

وإن دل هذا على شيء فهو يدل مدى انتشار ردود الفعل السلبية على التنوع بين الرجال من ذوي البشرة البيضاء وهذه الردود موجودة حتى بين أولئك الذين يؤيدون مبادئ التنوع والاندماج.

و في مجموعة أخرى من التجارب وجدنا أنّ سياسات التنوع، كما يبدو، أثرها قليل على إقناع الأقليات بأنّ الشركات سوف تعاملهم بإنصاف و عدالة أكبر، و قد اعتبر المشاركون من أقليات عرقية أنّ الشركة التي تؤيد التنوع ليست أكثر شموليّة كما أنها ليست مكاناً أفضل للعمل ولا أقلّ عرضة للتمييز ضد الأقليات العرقية من الشركة التي لم تصرّح عن أي تأييد للتنوع. و يجدر بالذكر أن بعض الباحثون قد وجدوا نتائج واعدة للشركات التي تؤيد التنوع لكن من الواضح أنه ليس هناك حل شامل لكل هذه المعضلات.

وتعد الآثار المترتبة على هذه الدراسة مثيرة للقلق بالنسبة للطريقة التي نحاول من خلالها إدارة التنوع و تعزيز الانخراط في منظماتنا، فيمكن للمجموعات التي تشغل عادة مراكز القوة أن تشعر بالاستبعاد والضعف عندما تصرّح الشركة بدعمها للتنوع، وقد يكون هذا أحد تفسيرات النجاح المحدود لمعظم محاولات إدارة التنوع من خلال هذه السياسات. فعندما يشعر الأشخاص بالتهديد قد يقاومون الجهود التي تهدف لجعل مكان العمل أكثر شمولية.

فإذاً، ماذا يمكن للمدراء أن يفعلوا؟

أولاً، يجب عليهم أن يقدّروا الآثار المحتملة لرسائل التنوع على المجموعات التي جرت العادة على تفضيلها في المنظمات، و بالطبع لا يعني ذلك أنّه يتوجب على المدراء أن يتجنبوا النقاش حول الجهود الهادفة إلى زيادة التنويع من أجل الحفاظ على مشاعر موظفيهم من الرجال ذوي البشرة البيضاء، إلا أنهم قد يحتاجون إلى قضاء وقت أكبر في صياغة رسائل التنوع و تصميم برامج تكون أكثر شمولية وبالتالي أكثر فعالية.

ثانياً، على المدراء أن يعرفوا حدود سياسات التنوع للأقليات والنساء، حيث يبدو أن أهم ما تحققه هذه السياسات هو في الواقع حماية المنظمة من أي دعاوي قضائية و ليس حماية مصالح الأقليات و الفئات الأقل تمثيلاً.

وفي حين أنه يتم إبراز دور المرأة و الأقليات و في البيئات التي تدعم التنوع، إلا أن الإبقاء على ذكر قيم التنوع ومحاولة تدريب الموظفين على تقدير قيمتها قد لا يقنع الأقليات و النساء أنهم سيعاملون بطريقة جيدة كما أنه قد لا يزيد من إمكانية تمثيلهم في القوى العاملة.

ومن أجل أن خلق مكان عمل ذو بيئة عادلة و شمولية، يجب على مبادرات التنوع أن تتضمن المسؤولية، و لا بدّ لتلك السياسات أن تكون أكثر من مجرّد أدوات دعائية وشكلية قد تؤدي إلى إغضاب غالبية القوى العاملة بطريقة غير مقصودة أحياناً.

وبالتالي، يجب أن يتم البحث حول سياسات التنوع و تقييم فعاليتها و تطبيقها بعناية في مكان العمل بحيث يشعر الجميع بالتقدير والدعم.

المصدر:

هنا