الفنون البصرية > فنانون عالميّون

ريميديوس فارو أورانغا، سورياليةٌ متمردة

استمع على ساوندكلاود 🎧

ريميديوس فارو أورانغا واحدةٌ من أشهرِ روّادِ الحركةِ السورياليةِ في الفنِّ التشكيليِّ في القرنِ العشرين، وُلدت سنةَ 1908 في مدينةٍ صغيرةٍ تُدعى انخليس في مقاطعةِ جيرونا بإسبانيا. فنُّها المتميزُ جاءَ نتيجةَ تنشئةٍ اجتماعيةٍ مميزةٍ في عالمٍ من الفلسفةِ والفنِّ إضافةً إلى نضالِها الكبيرِ ومخيلتِها العبقرية.

كانَ والدُ ريميديوس رجلَ علمٍ، وكانَ له الفضلُ الأكبرُ في توجيهِ ابنتِه منذ حداثةِ سنِّها لتطويرِ شغفِها بالفن، إذ كانَ يدفعُها دائماً لتطويرِ تقنياتِها في الرسمِ كما كان يدعمُ تحرّرَها الفكريَّ وشغفَها بالعلومِ والخيالِ من خلالِ إحاطتِها بالكثيرِ من الكتب، أما والدتُها، ومن حيث لا تدري فقد ساهمت أيضاً في تطوِر ابنتِها الفكريِّ، حين أصرت على إرسالِها للدراسةِ في الديرِ بحكمِ كونِها كاثوليكيةٌ متدينة، لكن ريميديوس تمردت ورفضت التعليمَ الدينيَّ وهذا ما شجعَها على تبني أفكارٍ ناقدةٍ للدين تحولت في ما بعد إلى معارضةٍ للإيديولوجية الدينية، وبمزيدٍ من التشجيعِ الفكريِّ من والدِها انتهى بها الأمرُ إلى اعتناقِ فكرٍ ليبراليٍّ شموليٍّ.

وخلالَ طفولتِها، انتقلت ريميديوس كثيراً من أنخليس إلى قادش إلى لارش إلى المغرب ثم إلى مدريد، وقد سمح لها هذا التنقلَ بالتعرفِ على ثقافاتٍ متنوعةٍ وسّعت رؤيتَها للعالم ما انعكس لاحقاً على فنِّها. في العام 1923 وعندما كانت طالبةً في مدرسةِ الفنونِ في مدريد، أنجزت ريميديوس أولَ أعمالِها الفنية، حيث رسمت بورتريه لنفسِها وآخر لعائلتِها، وفي العام 1924 تمكنت من الالتحاقِ بأهمِّ أكاديميةٍ للفنونِ في مدريد "أكاديميةُ سان فرناندو للفنون الجميلة " حيث تخرجت فيها سنة 1930 كمجازةٍ في فنِّ الرسم. وخلال تواجدِها في هذه الأكاديميةِ انخرطت ريميديوس في الحركةِ السوريالية التي كانت عبارةً عن حركةٍ ثقافيةٍ وسياسيةٍ شجعت مبادؤها على التعبيرِ عن الفكرِ الإنسانيِّ الحقيقيِّ دون رقابةٍ أو قيودٍ من قبيلِ العقلِ و الأخلاق، وقد كانت الأعمالُ الفنيةُ السورياليةُ تعبيراً عن أفكارِ الحركةِ الفلسفية.

ومع حلولِ الحربِ الأهليةِ الإسبانية، اضطرت ريميديوس إلى مغادرةِ إسبانيا إلى فرنسا، وهناك زاد تأثرُها بالحركةِ السوريالية التي كانت في أوجها آنذاك، لكنها اضطرت مرةً أخرى إلى مغادرتها على إثر اعتقالِها خلالَ الاحتلالِ النازيِّ لفرنسا. وكانت الوجهةُ هذه المرة أمريكا الجنوبية حيث استقرت في ميكسيكو عام 1941، وهناك قررت أن تطلق العنانَ لمخيلتِها حيث ألهمَها فنانونَ محليونَ من أمثال دييغو ريفيرا ومغتربونَ ومنفيونَ من أمثالِ "جان نيكولو " و"والتر غرون" والذين كان لهم كبيرُ الأثرِ على أسلوبِها كما كانوا دائمي التشجيعِ لها لتحقيقِ فنِّها الخاص بها. وبحلولِ العام 1949 كان أسلوبُ ريميديوس الفنيُّ قد تبلورَ ونضجَ حيثُ بلغ عددُ أعمالِها 140 لوحةً من بينها 110 كانت قد أنجزتها في ميكسيكو.

لم تكن ريميديوس فنانةً سورياليةً فحسب بل كانت أناركية أيضا، فقد كانت تؤمنُ أنَّ الدولةَ هي شيءٌ لا ضرورةَ له ويعيقُ مسارَ علاقاتِ البشر فيما بينهم. وهذه الأفكارُ الأناركيةُ أيضاً انعكست على أسلوبِها الفنيِّ الذي اتّسم بالإنعزالية.

أما النَّسويةُ فقد كانت حركةً فكريةً أخرى تأثرت بها ريميديوس وأثرت في أسلوبِها الفني أيضاً، ففي الوقت الذي كانت فيه تمارسُ الرسمَ كفنانةٍ سورياليةٍ، كان الرجلُ السورياليُّ يرى نظيراتِه من النساءِ المبدعاتِ دون المستوى المطلوب، الشيءُ الذي أدّى الى خلقِ محيطٍ من العزلةِ على المبدعاتِ منهن. وقد تجلى موقفُ ريميديوس من هذه النظرةِ الدونيةِ لإبداعِ المرأةِ في أعمالِها الفنيةِ على شكلِ صورٍ كثيرةٍ لنساءٍ تعيساتٍ في أماكنَ مغلقةٍ ومعزولةٍ، وقد كانت هذه طريقتُها في التعبيرِ عن الظلمِ الواقعِ على المرأةِ في عالمِ الفنِّ حينذاك.

كانَ أسلوبُ ريميديوس الفنيُّ فريداً من نوعِه بل قد يصفه البعضُ بالمربك، حيث كانت تعتمدُ عنصرَ المفاجأةِ في أعمالِها كما تظهرُ حواراتٍ غير متوقَّعةٍ للعناصرِ في اللوحة، وقد كانت تستعملُ شخصياتٍ فريدةٍ وغرائبية في جوٍّ من الإبداعِ العلميِّ مستوحىً بشكلٍ كبيرٍ من شغفِ والدِها بالعلومِ في عمرِها المبكر، فنرى أنها تعتمدُ على الخيالِ والسحرِ كثيراً في فنِّها إضافةً إلى اعتمادِها على شخوصٍ تحاكي شكلَها الخارجيَّ على مستوى الوجه مثلاً، كالعينين الواسعتين والأنفِ المعقوفِ وشكلِ الوجهِ القلبي. كما أنها كانت دائمةَ الاستحضارِ لشخصياتٍ ووجوهٍ أسطوريةٍ إضافةً إلى لمسةِ الخيمياءِ والسحرِ وإظهارِ مركّباتٍ خياليةٍ قادرةٍ على الانتقالِ بكافةِ الأشكال استجابةً لقوةٍ عليا خفية. وهذا ما أضفى على فنِّها هالةً من التأمليةِ والقلقِ والرمزيةِ بحيث يستطيعُ كلُّ المقربين من فنِّها التقاطَ هذا الخيالِ الساحرِ فيه.

في العام 1963 خسرَ عالمُ الفنِّ التشكيليِّ موهبةً فذةً بوفاةِ ريميديوس فارو إثرَ سكتةٍ قلبيةٍ، وعلى الرغمِ من وفاتِها فإن فنَّها مازالَ مزهراً حياً في ميكسكو والولايات المتحدة الأميريكية، ويمكن القول أنّ حياتَها في المحصلةِ كانت مغامرةً جميلةً سواءً في ترحالِها أو في مخيلتِها الفنيةِ الساحرةِ التي تقاسمتها مع العالمِ أجمع عن طريقِ ما تركته من أعمالٍ جميلة.

المزيد من أعمالها الرائعة في هذا الفيديو:

هنا

المصادر:

هنا

هنا