الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

الرابط العجيب بين طقس الفضاء والسكك الحديدية

استمع على ساوندكلاود 🎧

الشمس... المصدر الرئيسي للطاقة في مجموعتنا الشمسية، تحافظ على استمرارية الحياة على كوكبنا، وتعتبر المحرك الأول للمناخ، إلا أن النشاط الشمسي وتحديداً ما يعرف بالرياح الشمسية Solar Wind يؤثر على الفضاء المحيط بالأرض والمجال المغناطيسي الأرضي الذي يشكل درع الحياة الأول في مواجهة الإشعاعات الفضائية أو ما يعرف بطقس الفضاء Space-Weather.

تتأثر الأرض ومجالها المغناطيسي عند اضطراب طقس الفضاء، وتتأثر بذلك البنى التحتية لشبكات الطاقة والطيران والاتصالات ونظم الملاحة، وقد تم توثيق ذلك في أحداثٍ سابقة، مما استدعى التنبيه لهذا الخطر والدعوة لتفهم آليته وطرق الحد منه والتعامل معه.

_______

مصدر الاضطرابات:

توجد عدة آليات يؤثر من خلالها النشاط الإشعاعي الشمسي على البنى التحتية الحيوية التي أنشأها البشر، وتعد ظواهر التوهج الشمسي Solar Flares، والعواصف الإشعاعية الشمسية solar radiation storms، والتدفقات الإكليلية الكتلية Coronal Mass Ejections (CMEs)، في مقدمة الظواهر الأساسية التي تسبب الطقس الفضائي.

فيما تنتشر الطاقة وأشعة X خلال التوهج الشمسي في جميع الاتجاهات وتصل إلى الأرض خلال 8 دقائق نظراً لحركتها بسرعة الضوء، فإن التدفقات الإكليلية الكتلية تُمثل تدفق كميات كبيرة من البلازما الشمسية المؤلفة من جسيمات مشحونة بشكل غيمة هائلة، وتستغرق ثلاثة أيام لتصل الأرض وهي قادرة على التسبب بعواصف مغناطيسية لدى وصولها، وتعتبر أشدها خطورة تلك التي تزيد سرعتها عن 3000كم/ثا والتي تحمل بشكل دائم حقلاً مغناطيسياً جنوبياً. ويعتبر المثال الأوضح للطقس الفضائي في حالته القصوى ما تسمى "عاصفة كارينغتون" المغناطيسية التي ضربت الغلاف المغناطيسي للأرض في العام 1859، فهي أكبر عاصفة شمسية تم تسجيلها ونتجت عن CME، وقد ترافقت مع أضرار شديدة بشبكة التلغراف وتسببت بظهور الشفق القطبي (أورورا) في مناطق بعيدة نحو الجنوب وصولاً إلى كوبا، مع أن هالات الشفق القطبي تقتصر مشاهدتها عادةً على المناطق القريبة من القطب الشمالي المغناطيسي للأرض بما فيها الدول الاسكندنافية وشمال أمريكا وروسيا.

لا تزال حالات الطقس الفضائي المتطرفة عصية على التنبؤ ولا يوجد حتى الآن دليل علمي على ارتباطها بالدورة الشمسية. بل إنها حصلت في عدة مرات عندما كانت الدورة الشمسية في نهايتها الصغرى، لذلك تصعب ندرة حصول هذه العواصف كثيراً من إجراء تقييم كمي لتكرار هذه الأحداث المتطرفة.

كيف يؤثر طقس الفضاء على البنى التحتية الأرضية:

تقدم أضرار البنى التحتية المسجلة سابقاً دليلاً على تأثير طقس الفضاء على عدة منظومات في آن واحد، وفي حال تكررت العاصفة المغناطيسية بالقوة التي تم تسجيلها في حادثة كارينغتون فإن الآثار اللحظية والمتلاحقة يمكن أن تسبب كوارث للبنى التحتية وخسائر اقتصادية هائلة وسيشكل ذلك تحدياً خطيراً لقدرة الدول على التأهب والاستجابة.

إن اعتمادنا المتزايد على التقنية الحديثة جعلنا أكتر عرضة للآثار السلبية لطقس الفضاء المتطرف، ويمتد ذلك إلى البنى التحتية المنشأة على سطح الأرض إضافة لتلك المنشأة في الفضاء. فالأقمار الصناعية ستتعرض للشحن السطحي والداخلي مما يؤثر على عمليات التوجيه والتتبع فيما ستتدمر قدرة أنظمة الطيران على الاتصال والملاحة الجوية.

أما على الأرض فستكون شبكات الطاقة الكهربائية والسكك الحديدية والأنابيب عرضة للضرر بفعل تدفق التيار الذي يولده الحقل المغناطيسي وهو يماثل تياراً مستمراً ينشأ بفعل التغير في الحقل المغناطيسي المحيط بهذه المنشآت، وعلى سبيل المثال حدث في العام 1989 انقطاع عام للتيار الكهربائي نتيجة الأضرار التي تعرضت لها المحطة الكهرمائية في كيبك (كندا) والتي سببتها عاصفة مغناطيسية.

ويفترض السيناريو الأسوأ حصول انقطاعات عامة في التيار الكهربائي تمتد لساعات وربما عدة أيام ويتعلق ذلك إلى حد كبير بالأجزاء المتضررة من نظام نقل وتوليد الطاقة. حيث يمكن أن تتسبب العواصف المغناطيسية بالتأثير على طبقة الأيونوسفير* مسبببة عاصفة "أيونوسفيرية" تترافق مع وميض يؤثر على مدى إشارات أنظمة الملاحة الفضائية حول العالم مما يعني تأخراً زمنياً في وصولها وتغيرات في الموقع يمكن أن يحمل آثاراً كارثية.

وبإمكان التوهجات الشمسية أن تؤدي بانقطاع موجات الاتصال اللاسلكي وتؤثر على شبكات الملاحة الفضائية والرادارات والاتصالات على الأرض وفي الفضاء. فيما تؤثر عواصف الإشعاع الشمسي على الأنظمة الالكترونية والرقمية من خلال اختراقها للرقائق الالكترونية وتخريب هذه الأنظمة المستخدمة بشكل واسع في الأقمار الصناعية وعلى الأرض، ويظهر الخطر الإضافي لها على صعيد الملاحة الجوية من خلال تعرض الركاب والطواقم لجرعات إضافية من الإشعاعات.

أثر العواصف الشمسية على شبكات السكك الحديدية:

يتوفر لدى الكوادر القائمة على تصميم وإدارة بعض البنى التحتية وعي جيد بتأثيرات هذه الأحداث كحال طواقم أنظمة الملاحة الفضائية وشبكات الطاقة، إلا أن ذلك لا يمتد إلى أنظمة أخرى كنظم السكك الحديدية.

تشير الدلائل التاريخية إلى تسجيل تأثيرات لطقس الفضاء في الماضي على شبكات السكك الحديدية عبر التشويش الناتج على أنظمة الإشارة، رغم أن ذلك اقتصر على المناطق الشمالية من الكرة الأرضية. كما سجلت الدراسات حساسية دارات مسارات السكك الحديدية للتيارات الكهربائية التي تسببها اضطرابات الحقل المغناطيسي، مما يعرض حياة مستخدمي هذه الشبكات للخطر، وهذا ما دفع بعض الدول للبدء بتقييم مخاطر الحوادث من هذا القبيل.

لقد تم تحديد المجالات التي يؤثر بها طقس الفضاء على الشبكات الحديدية باضطرابات التيار الكهربائي وتزويد الطاقة والتأثير على قوة الجر في العربات القاطرة ونظام تبادل الإشارات ونظام الملاحة العالمي والاتصالات اللاسلكية والعاملين على تماس مباشر مع مسارات السكك الحديدية.

ولا يقتصر الخطر في التأثير بشكل مباشر على نظام شبكة السكك الحديدية وإنما بالتأثير على البنى التحتية المتصلة به وفي مقدمتها نظم الطاقة والاتصالات السلكية واللاسلكية ونظم الملاحة العالمية التي تعتمد على الأقمار الصناعية.

وتختلف الحساسية لهذه التأثيرات من بلد لآخر تبعاً لاعتمادها على هذه النظم وتبعاً لتصميم الشبكة والمعدات والدارات المستخدمة فيها ونوع التيار المعتمد "تيار مستمر أو متناوب"، لذلك تكون شبكة السكك السويدية مثلاً معرضة لخطر أكبر نتيجة لموقعها واستخدامها لدارات كهربائية بنظام التيار المستمر DC، ومن الجدير بالذكر أنه لا بد من تنسيق جهود وخطط الطوارئ بين البلدان المتصلة سككياً.

رغم أن الحلول الهندسية بالانتقال الى نظم أقل حساسية لطقس الفضاء متوفرة بالفعل، إلا أن التحدي يكمن في إقناع متخذي القرار بجدواها الاقتصادية. وقد يكون الاعتماد على أنظمة طوارئ بديلة حلاً معقولاً شرط التأكد من تحملها للآثار التي يفرضها اضطراب طقس الفضاء، والتي تشمل إضافة للقطارات الثقيلة القطارات الخفيفة والقطارات العاملة بالديزل والأنظمة تحت الأرض، فالقطارات العاملة بالديزل قد تعاني من صعوبة تزويدها بالوقود في حالات الطوارئ، أما الأنظمة تحت الأرض فهي تحتاج لعمليات إنقاذ سريعة بسبب التوقف المحتمل لأنظمة التهوية والمصاعد والإنارة عند انقطاع التيار الكهربائي.

ومع التقدم العلمي وأتمتة معظم العمل في قطاع النقل بالسكك الحديدية يزداد الخطر والحساسية لهذه الأحداث، ويمكن اعتبار انقطاع التيار الكهربائي لمدة يومين أمراً قابلاً للإصلاح من وجهة نظر نظم النقل السككي، إلا أن المعضلة تكمن في أن أنظمة الإخلاء المتوفرة حالياً تفترض إخلاء ضمن نطاق محدود ولا تأخذ بالاعتبار امكانية الحاجة لإخلاء كامل الشبكة. وفي حال استمرار الانقطاعات الكهربائية لفترة تزيد عن الأسبوع ستظهر مشكلات تتعلق بالتزويد بالوقود وقطع الغيار. أما عند حدوث انقطاع طويل الأمد للتيار الكهربائي سيتحول الأمر إلى كارثة وستكون الأولوية لاستعادة الطاقة الكهربائية ونقل الغذاء والوقود. ويتوقع أن تكون فترات انقطاع خدمة السكك الحديدية مماثلة لفترات انقطاع التيار الكهربائي.

حاشية:

*الأيونوسفير: هي طبقة "متأينة" من الغلاف الجوي الأرضي بفعل الإشعاعات الشمسة والفضائية. وتقع على ارتفاع يتراوح بين 75 إلى 1000 كم من سطح الأرض، ويقصد بالتأيّن أن الطاقة التي تحملها الإشعاعات على اختلاف مصادرها تسبب في تجريد الذرات من بعض الكتروناتها وتبقى موجبة الشحنة، بينما تتصرف الالكترونات بعد ذلك كجسيمات مستقلة.

المصدر:

هنا