التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

حضارة وادي السند

استمع على ساوندكلاود 🎧

حضارةُ وادي السند هي واحدةٌ من أُولى الحضاراتِ العالميةِ العظيمةِ. بدأت في الازدهار قبل 4500 سنة، وتمركزت في أوديةِ النَّهر الشاسعة وهي المنطقةُ التي تُعرف الآن باسم الباكستان وشمال غربي الهند. وتُسمى هذه الحضارة في بعضِ الأَحيان بـحضارةِ هارابا. واكتسبت اسمَها من اسم مدينة هاراپا الباكستانية، حيث اكتشفَ علماءُ الآثارِ لأولِ مرة الدلائلَ المشيرة إلى وجودِ حضارة.

الشكل(1): صورة تبين حدود حضارة وادي السند

تطورت حضارةُ وادي السند بوساطةِ جماعاتٍ عملت بمهنتي الزراعة والرعي، وعَمِلَ بعضُ الجماعاتِ في مجالِ التجارة. فأصبحوا أَكثرَ اتحادًا من حيث الثقافة قرابة عام 2500 ق.م. وبدأت ببناءِ مدنٍ خُططت بصورةٍ دقيقةٍ في بعضِ الأماكن. ونَمت بمرورِ الوقتِ حضارةُ وادي السند لتشملَ معظمَ ما يُسمَّى اليوم بباكستان وأجزاء من أفغانستان وشمال غربي الهند. وكان الوادي الشاسعُ الذي تغمره مياه فيضان نهري السند وهاكرا هو قلبُ تلك الحضارة، أمَّا نهر هاكرا الذي عُرف أيضًا باسم نهر "غاغار وساراسفاتي" فقد جفَّت مياهه الآن. وكانت مياهُ النّهر تنسابُ إلى جهة الشرق من نهر السند وبمحاذاته في المناطق التي تُعرف حاليًا بالهند والباكستان. وقد طورت هذه الحضارة نظامًا معياريًا للأوزان والمقاييس، ونظامَ الكتابةِ التصويريةِ وهو النظامُ الذي يعتمدُ على رسوماتٍ بسيطةٍ تمثلُ الكلمات.

أدركَ العلماءُ البريطانيون في أوائل القرن التاسع عشر أن الناسَ في تلك المنطقة اكتشفوا أعمالاً فنيةً قديمةً مطمورةً تحتَ رَوَابٍ ترابيةٍ ضخمةٍ. ولكن لم يبدأ علماءُ الآثارِ الحفريات في تلك المناطق إلا في العشرينيات من القرن العشرين، ومن ثم اكتشفوا أنها احتوت على بقايا مدنٍ شُيدت أثناءَ حضارة لم تكن معروفةً من قبل. وتمَّ العثور على المئات من المواقع لتلك الآثار فمنها المنخفض الكبير المسوّر بالطوب فربما كان منطقةَ استحمامٍ طقوسيةٍ عامةٍ.

الشكل(2): مدينة من حضارة وادي السند

خططَ الناسُ الذين عاشوا فترةَ حضارة وادي السند لبناءِ المدن بدقةٍ شديدةٍ. وشُيّدت المباني على منصاتٍ من الطوبِ المصنوعِ من الطينِ، وهذه المنصاتُ لحمايةِ المباني من الفيضانات الموسميّة. كما شُيّدت المنازلُ بالطوبِ المجففِ بحرارةِ الشّمس.

وكانَ أغلبُ المنازلِ مكونًا من طابقين، كما كان لمعظمها مناطق للاستحمام مُدّت بالمياه من آبارٍ عامةٍ مجاورةٍ، أو من بئر محفورة في المنزل. أمّا المجتمعات الكبيرة فكان كلُّ منزلٍ فيها موصولاً بنظام صرفٍ متقنٍ يمتدُ على نطاقِ المدينةِ بأسرها. وشملت المنشآتُ الأخرى مباني كبيرةً استُخدمت لخزنِ الحبوبِ ولأغراضٍ أخرى.

الشكل(3): أبجدية حضارة وادي السند

التجارة والمواصلات:

مارسَ أهلُ حضارةِ وادي السند التّجارةَ مع بعضهم على نطاقٍ واسعٍ. وتاجرَ سكانُ المُدنِ مع جيرانهم من الجماعات الزراعية ومع الجماعات التى سكنت في مناطق بعيدة ومارست عمليات التعدين. وربما شملت البضائعُ التي تاجروا بها القطنَ والأَخشابَ والحُبوبَ والحيوانات. أمّا فيما يتعلقُ بالمواصلات فقد استخدمَ الناسُ حيوانات الحمل، والمراكبَ النَّهرية، والمركبات التي تجرُّها الثيران. وتاجرَ أهلُ حضارةِ وادي السند كذلك مع أهل حضارات أخرى، بما في ذلك حضارات في أواسط أسيا وبلاد ما بين النهرين وعلى طول الخليج العربي.

وأنتجَ حرفيو حضارة وادي السند مجموعةً منوعةً من الأشياءِ المفيدةِ والزخرفية. واستخدموا النُحاسَ والبرونز في صناعة الآلات والمرايا والجرار والمقالي، واستُخدمت العِظامُ والصدفُ والعاجُ في صناعة الحُلي وقطع الألعاب وغيرها من تطعيم الأثاثات.

كما نحتَ حرفيو حضارة وادي السند الأواني المنزلية وصنعوا الحُلِي من الفضة والذهب، كما صنعوها من الحجارة والخزف. وصنعَ نحاتو حضارة وادي السند أشكالَ الحيوانات والناس من الطين وربما كان ذلك لأغراضٍ تتعلقُ بالطقوسِ الدينية. وكما صنعوا التماثيلَ الصغيرةَ من الأحجارِ الجيرية التي ربما كانت ممِّثلة للآلهة أو لأشخاص مُهمِّين.

وشملت الأشياءُ الغريبةُ التي وُجدت في مواقع مناطق حضارة وادي السند أختامًا مربعةَ الأشكال منحوتةً من الأحجار، وعليها كتابة بالصور البسيطة ورسومات للحيوانات. كما وُجدت كتابات بالصور على الفخار وغيرها من الأشياء التي صنعها حرفيو حضارة وادي السند. والجدير بالذكرأن العلماءَ لم يستطيعوا فكَ معاني الرموز المكتوبة التي عثروا عليها. وكان أهلُ حضارةِ وادي السند يدفنون موتاهم في أغلبِ الأحيان في توابيت خشبيّةٍ مع الأواني الفخارية والأوعية الأُخرى.

الشكل(4): آثار حضارة وادي السند

نهاية حضارة السند:

بدأت حضارةُ السند في التفككِ بحلول عام 1700ق.م. وتحولت إلى ثقافاتٍ أصغر سُميت بثقافات هارابا الأخيرة، ويطلق عليها أحيانًا اسم حضارة ما بعد ثقافات هارابا. وكان أحدُ أسبابِ تفكك تلك الحضارة تقلبات أحوال مياه النهر. وشملت التقلباتُ جفافَ مياه نهر هاكرا والتغيرات التي طرأت على مجرى نهر السند. هذه التغيرات سببت اضطرابًا في الأنظمة الزراعية و الاقتصادية، غادرَ كثيرٌ من الناسِ المدنَ الواقعةَ في منطقةِ وادي السند إلا أن بعضَ جوانب فنون حضارة وادي السند وزراعتها و نظامها الاجتماعي أيضًا قد استمرت في الثقافات الصغيرة التي أعقبتها. واندمجت بعض تلك الجوانب في الحضارة الموحدة التي بدأت تنمو على نطاق المنطقة في حوالي عام 600 ق.م.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا=

هنا