الموسيقا > موسيقا

الكامنجا الأذرية: عندما تتكلم الروح

استمع على ساوندكلاود 🎧

قبلَ أَنْ أتكلَّمَ عَن هذهِ الآلةِ السَّاحرةِ يَجِبُ على القَارئ أَنْ يستَمِعَ لِهذَا المَقطَعِ ليعرِفَ كم أنَّ المُوسيقى أَرقى وأَدَقُّ وأروعُ مِن أيِّ تَوصيفٍ، وبأنَّ أيَّ كلماتٍ يُمكِنُ أَنْ تَصِفَهَا تقفُ مُتواضِعَةً عندَ قداسَتِهَا فَتستَقي مِنهَا سحرَ الكونِ في أصابعِ البَشَرِ.

قطعة خداع بعضهم بعضاً Aldatmayaq bir-birimizi"" للفنانة Farida Melikova

كَحَالِ أيِّ رحَّالةٍ جابَ الأصقاعَ ونقلَ مَا في جُعبتِهِ من ألوانٍ، وأصواتٍ، وكلماتٍ، وحريرٍ، وتوابلٍ، وطقوسٍ، ومعارفٍ جابَت الكامانچا كما تَقُولُ الدِّرَاسَاتُ مِن الصِّين الى آسيا الوسطى لِتحمِلَ فوقَ أوتارِهَا أشجَاناً حكايا، وتُرافِقُ هي وقوسُهَا اهتزازاتِ الأوتارِ وبحَّتِهَا الَّتي تُذكَّرُ السَّامعينَ ببكاءِ الصَّمتِ الدَّاخليّ في الأعماقِ.

الكامانچا Kamancheh kamānche o kamancha"" أو الكامنشا آلةٌ أذريَّةٌ تُعرَفُ أيضاً في أرمينه، وتركيا، وإيران، وهي مِن أنواعِ الرَّبابَةِ وربَّمَا تعودُ أُصولُهَا الى آلة اللير البيزنطي أو الإغريقي lira bizantina"" وهي مِن عائلةِ اللات الوتريَّة أو مَا يُسمَّى عائلةُ الآلاتِ الكودرفونيَّة Chordophones" "cordofoni مثل الكمان، والفيولا، والتشيلو،

وتَعنِي كلمةُ كامانچا في اللُّغةِ الفارسيَّةِ القوسَ الصَّغير kæman قوس cheh صغير، وهي آلةٌ مُهمَّةٌ في المُوسيقى الشَّعبيَّة في اوزباكستان، وارمينا، وتركمنستان، وأقاليم كردستان .

أوَّلُ ذكرٍ مُوثَّقٌ لاسمِهَا وُجِدَ في كتابِ درَّة التَّاج لقطبِ الدَّين محمود بن مسعود بن مصلح الشِّیرازي (13111-1236م)، وهو أوَّلُ مَن ذَكرَ مقامَ السيكا وهو الَّذي كانَ يَعزفُ الرَّبابة "rubāb" حيثُ ذَكرَ اسمها ك كو.ميچا والتي تُعتَبَرُ كلهجةٍ للاسمِ كامانچا.

منمنمة لثلاثي في مقام أذربيجاني (مِن الملحمَةِ الشَّعريَّة 6500 بيتَ شعرٍ لِنِظَاميي الكنجوي خسرو وشرين القرن الخامس عشر)

ويُعتَقَدُ أنَّ أصلَ هذهِ الآلة فارسيٌّ، ولكن هناك رواياتٌ تتحدَّثُ عن أّنَّها جَاءَت مِن الصِّين، واستَقرَّت على شكلِهَا الحَالِي في أواسطِ آسيا في تركيا، وإيران، و أذربيجان، وأرمينيا، وقَد تطوَّرَت هذه الآلة إلى أنْ وصَلَت إلى أنْ تكونَ مقاسَاتُهَا وأحجامُهَا موحَّدةً، وعُدِّلَ صندوقُهَا الصَّوتيّ حيثُ أَصبَحَت ذاتَ صوتٍ أجمل وأقوى وأشجى، وخاصَّةً بعدَ إضافةِ فتحاتٍ فيهِ جَعلَت الارتداداتِ الفيزيائيَّةَ الصَّوتيَّةَ داخلَ حُجرَةِ الصَّوتِ أكثرَ انسجاماً وقوَّةً. ومِن الصَّعبِ صناعةُ كامانچا جيّدة، لأنَّهُ يجبُ أنْ تكون جُدرانُهَا كلُّهَا على سماكةِ نصف سنتيمتر وقطرُهَا 11 سنتيمتر للحصُولِ على صُندوقٍ صَوتيٍّ جيد،ٍ وهي تُصنَعُ عادةً مِن خَشَبِ التُّوتِ والمُشمُشِ والجوزِ، كما يُمكِنُ أَنْ نَجِدَ بعضَ الكمانچات ذات صندوقٍ مَصنُوعٍ مِن القَرع أمَّا وَجهُ الصُّندوقِ الصَّوتيِّ فيكونُ عبارةً عَن غشاءٍ مِن جِلْدِ السَّمكِ الرَّقيقِ والَّذي يُعطِي صوتاً مُميَّزاً، وبسببِ صُعوبَةِ إيجَاد الجِلدِ الجيّدِ يُستعاضُ عنهَا غالباً بجلُودِ البَقَر أو المَاعز، يُثبَّتُ على هذا الصُّندوقِ رَقَبةٌ طويلَةٌ تُشَدُّ عليهِ الأوتارُ، وتُضبطُ أوتارُهَا الأربعة المعدنيَّة حالياً على النُّوتات (مي لا ثُمَّ مي ثُمَّ مرَّة ثانيه لا) كانَت في السَّابق ذات ثلاث أوتارٍ حريريَّةٍ فقط، ويَعودُ الفضلُ للفنَّانِ الأرمني غروغوريو وصاصيك اوهانزاشفيلي بإضافةِ الوتَرِ الرَّابِعِ لَهَا .

وبذلكَ أصبَحَت هذه الآلة آلةً كاملةً يُمكِنُهَا عزفَ جميعِ السَّلالم المُوسيقيَّة والمقاماتِ بسببِ زيادةِ المَساحةِ الصَّوتيَّة register"" كمَا استخدمَهَا مؤلَّفونَ في توزيعاتِهِم الأوركستراليَّة الَّتي دَمجَت بينَ التُّراثِ الأذريّ وقوالبِ المُوسيقى الغربيَّة.

من شدَّةِ تأثيرِ هذه الآلة على عازفيهَا ولِمَا تُشكَّلُهُ مِن علاقةِ اندماجٍ وجدانيٍّ وروحيٍّ، أعطى العازفون لكلِّ وترٍ مِن أوتارِهَا اسماً (هواء-ماء-خبز-نار) حتَّى يشعروا بالحياةِ الَّتي تُنبضُ فيهَا عندَ العزفِ، وهذا واضحٌ في حركاتِهِم المُنسجمَةِ مع كلِّ نوطةٍ تبدأُ في فكرِهم لِتنتَقِلَ إلى القوسِ

ومنهُ إلى الوترِ بتناغُمٍ وتطابُقٍ فيتمُّ اصدارُ الصَّوتِ فيها إمَّا بالنَّقرِ بالأصابِعِ أو بِواسطَةِ القوسِ الَّذي يُصنَعُ مِن الخشَبِ ويُركَّبُ عليهِ شعرُ الخيلِ.

هذا ويُعنَى الصُّنَّاعُ بنحتِ أشكالٍ وزخارفٍ عليهَا مِن العَاجِ، والتَّعشيقِ بأنواعٍ مِن الخشَبِ المُلوَّن والمعادن، لإعطائِهَا جمالاً يُضافُ على الشَّكل فضلاً عن جمالِ الصَّوتِ الرَّائع . كما يُركَّبُ على صندوقِهَا مِن الأسفلِ مَسندٌ خشبيٌّ أو مَعدنيٌّ ليساعِدَ العازفَ في اسنادِهَا على الأرضِ أو على الفّخذِ عندَ العَزفِ، ويُعَدُّ غاغارين كاسبريان مِن أهمِّ صَانِعي الكامانچا لِمَا لهُ مِن دورٍ هامٍّ في تطويرِ هذهِ الصِّناعة والتَّعديلاتِ الَّتي قامَ بِهَا .

الجديرُ بالذِّكرِ أنَّ هذهِ الآلة رُشِّحَت في ملفِ الأونيسكو لقائمةِ التُّراثِ العالميّ عن طريقِ العازفِ كايان كالهور الإيرانيّ لعام 2016، وقد أعلَنَت الأونيسكو سابقاً في 2003 تقليَد المَقامَاتِ الأذريَّة مِن روائعِ التُّراثِ الشَّفهيّ وغيرِ المَادي للبشريَّةِ وهُنا أيضاً ارتباطاً هامَّاً بالأداءِ الغِنَائي المُرافِق لهذهِ الآلة ومرافقتِهَا للآلاتِ التَّقليديَّة مثل Balaban"" بالابان (نوعٌ من الدودوك الأرميني) والتَّار، والدُّفوف، والإيقاعات .

لم يتبقَّ إلَّا أَنْ نتركَكُم مع بعضِ المَقطُوعَاتِ لهذهِ الآلة السَّاحرةِ لتَعِيشُوا لحظاتٍ مَع عَالَمِ الكامانچا.

Azeri Kamancha AgaCebrayil- Geceler

اغا جبرايل قطعه ليال:

مجموعه معهد الحج محمودوف

المصادر:

Mehran Poormandan، The Encyclopedia of Iranian Old Music، Tehran، 2000

هنا

وثائقي - Dialogue Through Film - "Kamancha Nameh"