الطب > مقالات طبية

اكتشاف علاج محتمل لتشمع الكبد

استمع على ساوندكلاود 🎧

يشكّلُ التّشمّعُ المرحلةَ النّهائيّةَ لكثيرٍ من الأمراضِ الكبديّةِ ولم تكن هناكَ أيّةُ إمكانيّةٍ للتحكّمِ به أو التّخفيفِ من آثارِهِ الضّارّةِ. لنتابع في هذه المقالةِ الجديدَ عن هذا الموضوع.

المشكلة:

يُعدُّ تشمّعُ الكبدِ أحدَ الأسبابِ العشرةِ الأشيعِ لوفيّاتِ البالغين. وهو مرضٌ شائعٌ جداً في إسبانيا ليُشكّل السّببَ الأهمَّ وراءَ حالاتِ زراعةِ الكبدِ في هذا البلدِ. كما أنّه مسؤولٌ عن معدّلاتِ القبولِ العاليةِ في المشافي والَّتي تهدفُ إلى معالجةِ مضاعفاتِ هذا المرضِ في مراحلِهِ المتقدّمةِ ممّا يؤدِّي لاستنزافِ الكثيرِ منَ الموارِدِ الطّبّيّةِ.

ويتّصفُ تشمّعُ الكبدِ بِتجمُّعٍ للنَّسيجِ النّدبيِّ بشكل عقيداتٍ ليفيّةٍ فِي الكبدِ مؤثرةً بذلك على البنيةِ الطَّبِيعيَّةِ لهذا العضوِ. وتشكّل الكحوليّةُ بالإضافةِ لالتهابِ الكبدِ C ومؤخراً السمنةُ المسبّباتِ الرئيسيّةَ لهذه الآفاتِ الكبديَّةِ المزمنةِ.

إنّ تجمّعَ النسيجِ النّدبيِّ في الكبدِ يعيقُ جريانَ الدّمِ في الكبدِ، وهو الأمرُ الَّذي يؤدِّي لارتفاعِ الضَّغطِ البَابِيّ - ارتفاع الضّغط في الوريدِ الرّئيسيِّ للكبدِ المسمّى وريدَ الباب -. ولتخفيفِ هذا الضّغط تتشكّلُ أوعيةٌ دمويّةٌ رديفةٌ خارجَ الكبدِ. لتنشأَ مشكلةٌ ذاتُ وجهين: الوجهُ الأوّلُ هو تلقِّي الكبدِ كميةً أقلَّ منَ الدّمِ ما يُضاعِفُ الضّررَ في الكبدِ نفسِهِ، والوجهُ الثّاني للمشكلةِ هو أنّ بنيةَ هذه الأوعيةِ الدّمويّةِ شاذّةٌ وغيرُ صحيحةٍ تماماً – ما يسمّى بالتّنشّؤِ الشّاذِّ للأوعيةِ الدّمويّةِ - أي أنها عشوائية نوعاً ما -.

تحاولُ الخلايا الكبديّةُ حلَّ المشكلةِ، ولكنَّ طريقتَها في ذلك تَزيدُ المشكلةَ سوءاً وتكونُ قاتلةً للكبدِ!. هذهِ الحلقةُ المُفرَغَةُ تزدادُ سوءاً وبالنهاية تهدِّدُ حياةَ المريضِ. كما أنّ هذه الأوعيةَ الدمويّةَ الرّديفةَ تتسبّبُ في تشكُّلِ دوالٍ - أوردة متوسعة - في المريءِ والمعدةِ، والّتي تميلُ للانفجارِ والتّسبّبِ بنزفٍ دمويٍّ غزيرٍ يصعبُ إيقافهُ. لذلكَ فإنّ المُعالجةَ الفعّالةَ - غير المتوفّرةِ حالياً - يجبُ أن تتضمّنَ محاولةَ تقليلِ أو منعِ تشكُّل هذهِ الأوعيةِ الدّمويّةِ.

علاجٌ محتمل:

يعدُّ VEGF - عامل النمو الوعائي البطاني Vascular endothelial growth factor - العاملَ الرّئيسيَّ المساعدَ في تطوُّرِ ونشوءِ الأوعيَةِ الدّمويّةِ. وحول ذلك تقول ميرسيديس فيرنانديز (Mercedes Fernández) المشاركةُ في دراسةٍ جديدةٍ عن هذا الموضوعِ: "كلُّ الأدويةِ الحاليّةِ الّتي تستهدفُ منعَ تشكُّلِ الأوعيةِ الدّمويّةِ الشّاذّةِ تعملُ على تثبيطِ العامل VEGF أو تثبيطِ مستقبلاتِه. لكنَّ المشكلةَ أنّ هذه المعالجةَ عمياءُ وتتسبّبُ في وقفِ تطوُّرِ الأوعيةِ الدّمويّةِ الطّبيعيّةِ على حدّ السّواءِ معَ المرضيّةِ، مما يؤدّي لأعراضِ جانبيّةٍ غيرِ مرغوبَةٍ أبداً".

وَفِي دراسةٍ نُشرت لها في مجلة Nature الطّبّيّة أشارت ميرسيديس إلى أنّ البروتين CPEB يشتركُ في تطوّرِ الأوعيةِ الدّمويّةِ في سرطانَي البنكرياس والدّماغِ. ما يدعو إلى ضرورةِ تحديدِ أهدافٍ جديدةٍ للأدويةِ الهادفةِ لمعالجةِ تشكّلِ الأوعيةِ الدّمويّةِ الشّاذّةِ. وقد كشفت في دراسةٍ جديدةٍ نشرت في مجلة Gastroenterology مع مجموعةٌ من العلماءِ بقيادة راؤول مينديز (Raúl Méndez) أنه يمكن لتثبيطِ البروتينِ CPEB4 أن يمنعَ تشكّلَ الأوعيةِ الدّمويّةِ الشّاذّةِ المرتبطةِ بتشمّعِ الكبدِ.

تقولُ ميرسيدس: "أفضلُ ما في الدّراسةِ هو أنّنا استطعنا أن نوضِّحَ أنّ عمليّةَ تشكّلِ الأوعيةِ الدّمويّةِ الشّاذّةِ يمكنُ إيقافها عبرَ معارضةِ البروتين CPEB4، الأمرُ الّذي يُبقي على الأوعيةِ الدّمويّةِ الأخرى سليمةً وبعيدةً عن أيّ تأثيرٍ". فالتّجاربُ المخبريّةُ على نماذجَ حيوانيّةٍ وعيّناتٍ مأخوذةٍ من مرضى تشمّعِ الكبدِ كشفتِ الآليّةَ الجزيئيّةَ الّتي يكون بها لزيادةِ البروتين CPEB4 دورٌ أكبرُ في تشكّلِ الأوعيةِ الدّمويّةِ الشّاذّةِ - في الكبد - منَ الزّيادةِ في مستوياتِ عاملِ نموِّ الأوعيةِ البِطانيّ VEGF.

من تشمُّعِ الكبدِ إلى سرطان الكبد:

يشيرُ الباحثون إلى أنّ الحلقةَ المفرغةَ الّتي يدخلُ فيها الكبدُ المتشمّعُ في محاولةٍ لإصلاحِ نفسِهِ تسيءُ إلى الحالةِ لدرجةِ أنّ العقيداتِ التّجدّديّةَ – الجديدةَ - والّتِي تُظهرُ مستوياتٍ عاليةً من CPEB4 تتحوّلُ في النّهايةِ إلى سرطان. وفي هذا السّياقِ قَامتِ الجمعيُةُ الإسبانيّةُ لمقاومةِ السّرطانِ (The Spanish Association Against Cancer) بمنحِ أكثر من مليون يورو لكلٍّ من مينديز وفيرنانديز الّذَينِ سيعملان مع يوردي برويس (Jordi Bruix) لمحاولةِ كشفِ دورِ هذا الجزيءِ (CPEB4) لاقتراحِ علاجٍ فعّالٍ لسرطانِ الكبدِ الّذي يُعدُّ السّببَ الثّالثَ لوفيّاتِ السّرطانِ في العالِم والّذي يَستطيعُ فقط 10% من المصابينَ بهِ العيشَ لـ 5 سنواتٍ بعدَ الإصابةِ.

وبالتّوازي مع ذلك تعملُ مينديز مع زملائها على مشروعٍ آخرَ حولَ مثبّطاتِ البروتينِ CPEB4. حيث قاموا السّنةَ الماضيةَ بتحديدِ بُنيةِ هذه البروتيناتِ على المستوى الذّرّيِّ – وهيَ الخطوةُ الّتي تسبقُ تصميمَ المثبّطاتِ -. كما قامت مينديز بإجراءِ معايرةٍ ناجحةٍ لفحصِ مثبّطاتِ CPEB4 بهدفِ تسريعِ كشفِ الجزئياتِ ذاتِ الفائدةِ العلاجيّةِ الأكبر.

حقوق الصورة:

www.themedicalinformation.com

المصدر:

هنا