الطب > مقالات طبية

فحص نسبة الدهون في الدم وتشخيص الشقيقة

استمع على ساوندكلاود 🎧

لطالما كان تشخيصُ الشقيقةِ -الصداع النصفي- يعتمد بشكل رئيسٍ على القصةِ السريريّةِ، ولكن ماذا عن إمكانيةِ كشفِ هذه الحالةِ استنادًا إلى تحليلٍ مخبري؟ للمزيد حول هذا الموضوع تابع مقالنا التالي..

الشقيقةُ هي إحدى أشكالِ الصداع الذي يتصف الألمُ فيه عادةً بكونه نابضًا، وتتراوح درجتُه ما بين المتوسطةِ والشديدةِ، مع توضّعِه غالبًا في جهة واحدة من الرأس، ولذلك يُعرَف أيضًا بالصداع النصفيِّ، كما قد يترافق هذا الألمُ في بعض الأحيانِ مع أعراضٍ أخرى كالغثيان أو الإقياءِ أو الحساسيةِ للضوء والصوت.

يمكن تمييزُ شكلين رئيسيين للشقيقة، وهما: الشكلُ النَّوْبِيُّ والشكلُ المزمن، حيث تتميّز الشقيقةُ النوبية بتكرر نوباتِ الصداعِ لتشملَ أقلَّ من 15 يومًا من الشهر مع استمرارِ النوبةِ الواحدةِ ما بين 4- 72 ساعة، وبالمقابل يوضَع تشخيصُ النمطِ المزمنِ عندما تتكرّر نوباتُ الألمِ في أكثر من 15 يوماً من الشهر الواحدِ لمدةٍ تزيد عن ثلاثةِ أشهرٍ على أن يتحققَ في هذا الصداعِ المميزاتُ الخاصةُ بالشقيقة¹ فيما لا يقلُّ عن ثمانيةِ أيامٍ من الشهر. كما أنّ كلًا من الشكل النوبيِّ والمزمنِ قد يُسبَق بما يُعرف بالنَّسمة "aura"، والتي تتظاهر باضطرابات عصبيةٍ متنوعةِ الطبيعة، أشيَعُها الاضطراباتُ البصريةُ كرؤيةِ ومضاتٍ ضوئيةٍ أو خطوطٍ متعرجة. ولمعرفة المزيدِ عن الشقيقة؛ أسبابِها، محرّضاتِها ووسائلِ علاجِها، يمكنكم العودةُ إلى مقال "الباحثون السوريون" على الرابط التالي: هنا

لسنوات طويلة كان تشخيصُ الشقيقةِ -شأنُه في ذلك شأنُ أشكالِ الصداعِ الأخرى- يستند إلى التظاهرات السريريةِ للمريض، إلى أن أظهرَت دراسةٌ حديثةٌ قامت بها جامعةُ جون هوبكنز""Johns Hopkinsوجودَ مؤشّرٍ حيويٍّ قد يفيد في كشفِ حالاتِ الشقيقةِ النوبيّة. فما طبيعةُ هذا المؤشّر؟ وهل أصبح بالإمكان تشخيصُ الشقيقةِ اعتمادًا عليه؟

شملت الدراسةُ 88 سيدةً، 52 منهنّ يعانين من الشقيقةِ النوبية، وكان متوسطُ أعمارِهِنّ 33.4 عاماً، أما بقيةُ المشترِكاتِ فيمثّلن الفئةَ الشاهدةَ control (لا تعاني من الشقيقة)، وكان متوسطُ أعمارِهن 30.9 عاماً، وقد خضعت جميعُ المشتركاتِ لفحصٍ عصبيٍّ كاملٍ مع قياس مؤشّرِ كتلة الجسم "BMI"²، ثم جُمعَت عيّناتُ الدمِ و هُنّ صائماتٌ ³، وأُجرِيَ على هذه العيّنات معايرةٌ لمجموعة من الشحوم (10 أنواعٍ مختلفةٍ من الشحوم السفنغوليّةِ) التي تساهم في استِتبابِ الطاقةِ في الجسم، وتساعد على تنظيم الحدَثِيّةِ الالتهابيةِ في الدماغ.

وقبل الخوضِ بنتائجِ الدراسةِ لا بدّ من التعرُّف بشكلٍ مبسّطٍ على الشحوم السفنغولية "sphingolipids" وأنواعِها. تشكّل الشحومُ السفنغوليةُ عائلةً من الشحوم ذاتِ بنيةٍ كيميائيّةٍ خاصة، ويُعَدّ كلٌّ من السيراميد ceramide"" والسفنغوميالين "sphingomyelin"والشحومِ السفنغوليةِ الفوسفوريةِ phosphosphingolipids والشحومِ السفنغوليةِ السكّريةِ glycosphingolipids وغيرِهم من أفراد هذه العائلة. تشارك هذه الشحومُ في عدةِ أحداثٍ على مستوى خلايا الجسمِ ومنها: دورُها في الموت الخلويِّ المبرمَجِ والتصلّبِ العَصيدِيِّ والتداخلِ في الحدَثِيّات الالتهابيةِ وتطوّرِ المقاومةِ على الإنسولين.

بالعودة إلى الدراسة و نتائجِها، فقد أظهرت التحاليلُ المخبريةُ أنّ مستوياتِ كلٍّ من السيراميد ومشتقِّه ثنائيِّ هيدروالسيراميد "dihydroceramide" كانت أقلَّ عند السيدات اللّاتي يعانين من الشقيقة النوبيةِ مقارنةً بالمجموعة الشاهدةِ، كما أنّ كلَّ زيادةٍ بمقدار انحرافٍ معياريٍّ واحدٍ في مستويات السيراميد يقابله انخفاضٌ في خطر تطورِ الشقيقةِ بما يعادل 92%. وعلى الرغم من كونِ المستوياتِ الخامِ "crude levels" للسفنغوميالين لم تُبْدِ أيَّ اختلافٍ بين المجموعةِ المصابةِ والمجموعةِ الشاهدةِ، فإن كلَّ زيادةٍ بمقدار انحرافٍ معياريٍّ واحدٍ في مستويات أنماطِ السفنغوميالين تترافق مع ارتفاعِ خطرِ تطورِ الشقيقةِ بمقدار 2.5 مرة خلافًا لما وُجد في حالة السيراميد. وبعد إجراءِ اختبارٍ مُعَمَّىً ""blind test على 14 من المشاركات في الدراسة تمكن الباحثون من التمييز بين المصاباتِ بالشقيقة واللاتي لا يُعانِينَ منها، وذلك اعتمادًا فقط على مستويات الشحوم. و بذلك فإن هذا البحثَ قد اقترح وجودَ تبدّلٍ في أيْض الشحومِ السفنغوليةِ عند المصاباتِ بالشقيقة النوبية.

و قد أشار كارل إكبوم "Karl Ekbom" -والذي وجّه مقالًا نقديًّا للدراسة- أنه على الرغم من كونِ هذا البحثِ يمثل مساهمةً هامةً في مجال فهمِ الفيزيولوجيا المرضيةِ للشقيقة وقد يكون له طيفٌ واسعٌ من التطبيقاتِ السريريةِ والعلاجيةِ في حال تم دعمُه بأبحاثٍ مستقبليةٍ أخرى، إلا أنّه توجد مجموعةٌ من المحدِّداتِ لهذا البحثِ، فقد كان المشاركون فيها فقط من النساء، وكان منهنّ عددٌ ملحوظٌ ممن يعانين الشكلَ المترافقَ مع نسمةٍ وذلك بنسبة مئويةٍ بلغت 48%، وقد قُدِّمَ توصيفٌ مختصر حول العلاجِ الطبيِّ المقدم للمريضات، كما أنّ الشكلَ المزمنَ من الشقيقة لم يُشمَل ضمن البحث. وأضاف أخيرًا أنّه على الدراسات المستقبليةِ أن تُجريَ مقارنةً مع الأنماطِ الأخرى من الصداع كالصداع العنقوديِّ، وذلك قبل اعتمادِ التبدّلِ في أيْض الشحوم السفنغولية أداةً تشخيصيةً للشقيقة.

وبذلك نستطيع القولَ ختامًا أن هذه الدراسةَ يمكن أن تمثلَ بدايةً في طريق فهمِ الشقيقةِ والاضطراباتِ التي ترافقها، و لربما تمكّنَت دراساتٌ أخرى في المستقبل من تحديد مؤشّراتٍ حيويةٍ أخرى تفيد في تسهيل تشخيصِ هذا النمطِ من الصداع وتُمهّد لتطوير علاجاتٍ هدفيةٍ أكثر تخصصاً.

المصادر :

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

حقوق الصورة:

saglik.uzman.org

الهوامش:

1صداع أحادي الجانب، نابض، متوسط إلى شديد، يزداد بنشاطات الحياة اليومية (كالمشي و صعود الدرج) أو يؤدي إلى اجتناب مثلِ هذه النشاطاتِ، مع وجود واحدٍ على الأقل مما يلي: الغثيان و/أو الاقياء، الحساسية للضوء والصوت.

²مُشعِر كتلة الجسم هو حاصل قسمة الوزن مُقاساً بالكيلوغرام إلى مربع الطول مقدراً بالمتر.

³علماً أن عينات المجموعة التي تعاني من الشقيقة قد جُمعت في فترة خالية من أي نوبة ألم.