المعلوماتية > الذكاء الصنعي

هل يستطيع الحاسوب اختراع أبجدية خاصة به؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

يتم النظر غالباً إلى الحواسيب على أنها أجهزةٌ فائقة القدرة الحسابية مقارنة بالبشر وتتسم بالقدرة الفائقة على التذكر واستحضار المعلومات المطلوبة بسرعة قياسية، ولكن تبقى هناك بعض المزايا التي لم تتمكن الآلةُ من الاقتراب حتى من مستوى البشر فيها، ومنها قدرةُ الإنسان على تعلم المفاهيم وتمييز الأنماط بناءً على عدد قليل جداً من المعطيات الأولية مقارنة مع ما يتطلبه الحاسب للقيام بذلك.

يجري العمل حالياً على نموذج حاسوبي جديد يحاكي قدرةَ الإنسان على تعلِّم المفاهيم الجديدة انطلاقاً من مثال واحد فقط كما يقول القائمون عليه [1]؛ حيث استطاع النموذجُ تعلمَ كتابة بعض الأحرف المخترَعة من برنامج الرسوم المتحركة "Futurama"، بالإضافة إلى العشرات من أحرف الأبجديات حول العالم، كما أظهر القدرةَ على اختراع أحرف جديدة على نمط أحرف لغة معطاة.

ويعتقد الباحثون أن نموذجَهم قادرٌ على تعلم مفاهيم أخرى كالحديث والحركات الجسدية.

ويقول الباحث المساعد في الدراسة «جوشوا تينيباوم» في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: " يُظهر الناسُ قدرةً هائلة على تعلم المفاهيم بسرعة، وبناء على كمية ضئيلة من البيانات كمثال واحد أو أكثر بقليل. يمكن أن تُري طفلاً صغيراً مثالاً واحداً لحصان أو لباص المدرسة أو لوح التزلج وبإمكانه أن يتعرف إليهم بعد ذلك، وبالمقابل فإن الخوارزميات القياسية في مجال التعلم الآلي تتطلب العشرات أو المئات أو حتى الآلاف من الأمثلة لتقوم بالمثل".

ولتطوير التعلم الآلي، عمد الباحثون إلى تطوير نموذجٍ يحاكي البشر بدرجة أكبر، والذي لديه القدرة على استقراء التعميم من عدد قليل من الأمثلة، ومن ثم قاموا بالتركيز على تعلمِ مفاهيمَ بصرية بسيطة كالأحرف والرموز المكتوبة بخط اليد من مختلف الأبجديات حول العالم.

ويقول تينيباوم: "نهدف في عملنا إلى أمرين رئيسيين؛ فهمٍ أفضلَ لطريقة تعلم البشر (إجراء هندسة عكسية على طريقة التعلم في العقل البشري) وبناءِ آلة تتعلم بطريقة مشابهة للبشر".

بينما تقوم الخوارزمياتُ القياسية للتعرف إلى الأنماط بتمثيل الرموز بمجموعة من البكسلات أو ترتيب معينٍ لبعض الخصائص، فإن النظامَ الجديد يمثل كلَّ رمز ببرنامج حاسوبي بسيط، فيتم مثلًا تمثيلُ الرمز "A" ببرنامج يتولى عمليةَ توليد أمثلة من هذا الحرف شيئاً فشيئاً كضربات فرشاة. ولا توجد حاجةٌ لوجود مبرمج أثناء عمل البرنامج في عملية التعلم، إذ يقوم النموذجُ بتوليد هذه البرامج تلقائياً.

يحاكي النموذج ظاهرةَ اختلاف شكل الحرف بين طريقة كتابة شخص وآخر، فتقوم البرامج المولدة تلقائياً بتصميم طريقة جديدة ومختلفة للحرف الواحد في كل مرة تعمل بها.

ويقول الكاتب الرئيسي في الدراسة «بريندن ليك» من جامعة نيويورك: “أتت فكرةُ هذه الخوارزمية من نتيجة مفاجئة وصلنا إليها بينما كنا نجمع مجموعاتٍ من العينات عن الرموز المكتوبة بخط اليد حول العالم. وجدنا عندها أنه إن طلبتَ من مجموعة من الأشخاص أن يكتبوا حرفاً جديداً، سيكون هناك توافقٌ ملحوظ في طريقة كتابتهم؛ فعندما يتعلمُ الإنسان أو يستخدمُ أو يتفاعل بطريقة ما مع مفهوم جديد كهذا فإنه لا يرى الرمز كغرض مرئي جامد، بل يرى الإنسان شيئاً أعمق وأغنى بما يشبه نموذجاً سببياً أو تتالياً من ضربات قلم، وهذا يوضح كيفية إنتاج نسخ جديدة من المفهوم بفعالية".

يستخدم النموذج أيضاً معارفَ من مفاهيم قديمة لتسريع عملية تعلم المفاهيم الجديدة؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن يستخدمَ هذا النموذجُ معرفةً مُتعلمة من الأبجدية اللاتينية للمساعدة في تعلم الأبجدية اليونانية. ويسمي الباحثون نموذجَهم هذا بنموذج التعلم البايزي نسبة للعالم "Thomas Bayes" المعروف لتطويره نظرية في التحليل الإحصائي [2].

قام الباحثون بتطبيق نموذجهم على أكثر من 1600 نوع من الرموز المكتوبة بخط اليد موزعة على 50 نظامِ كتابة بما فيها السنسكريتية والتيبيتية ورموز أخرى، بالإضافة إلى رموز قاموا باختراعها بما يشبه تلك الرموز من مسلسل الرسوم المتحركة "Futurama" ولعبة "Dark Horizon". وفيما يشبه اختبارَ تيورينغ المعروف، وجد الباحثون أن المتطوعين وجدوا صعوبة في تمييز الرموز المكتوبة من قبل الإنسان وتلك المكتوبة بواسطة النموذج الحاسوبي.

عمد الباحثون أيضاً إلى توجيه النموذج للعمل على المهام الإبداعية، فطلبوا منه خلقَ مفاهيمَ جديدة تماماً بناء على ما يعرفه مسبقاً، كاختراع حرف تيبيتي بناء على ما يعرفه عن الحروف التيبيتية. وكانت النتيجة أن المتطوعين قيّموا الحروف المخترعة بواسطة الحاسوب على القدر بشكلٍ مساوٍ للحروف المخترعة بواسطة أشخاص تم تكليفُهم بالمهمة ذاتها. ويعقب الباحث المشارك في الدراسة من جامعة تورونتو "Ruslan Salakhutdinov" قائلاً :" لقد حصلنا على أداءٍ بشريِّ المستوى بالنسبة لهذه المهمة الإبداعية".

توجد العديد من التطبيقات المحتمَلة لهذا النموذج كتطبيقات التعرف إلى خط اليد والتعرف إلى الكلام والتعرف إلى الحركات والتعرف إلى الأشياء. ويقول Ruslan Salakhutdinov: "نحاول في نهاية المطاف أن نحصلَ على أنظمة تقترب من تقديم ذكاء مشابهٍ للذكاء البشري، ولكننا ما زلنا بعيدين جداً عن ذلك".

للاطلاع على مقالات مشابهة:

هنا

هنا

هنا

المصادر:

هنا

هنا