التاريخ وعلم الآثار > منارات ثقافية

الفن البيزنطي... الطابع المسيحي في الفن البيزنطي

استمع على ساوندكلاود 🎧

كنائسٌ وتماثيلٌ من ذهبٍ وعاجٍ وأحجارٍ كريمةٍ .. الطابعُ المسيحيُ في الفنِ البيزنطي.. متابعةٌ لسلسلةِ الفن البيزنطي.. استمتعوا بالجزء الثاني من السلسلة الشيقة في الفن البيزنطي.

تحدثنا في الجزء الأول من سلسلة الفن البيزنطي عن بدايات هذا الفن وكيفية تأثره بالفنون السابقة، حيث يمكنكم قراءة هذا الجزء من هنا ، أما مقالنا اليوم فيتحدث عن الطابع المسيحي في الفن البيزنطي.

ولَمّا اّتخذ الفنُ البيزنطي هذه الصورةُ الجديدة عمل على نشر العقائد المسيحية وإظهار مجد الدّولة. فأخذ يقص على الثياب والقماش المزركش، وفي نقوش الفسيفساء ورسوم الجدران، حياة المسيح وأحزان مريم، وأعمال الرُسل والشهداء الذين تضم الكنائس عظامهم؛ أو دخل بلاط الأباطرة، وزين قصر الإمبراطور، وغطى ملابس الموظفين بصورة رمزية أو رسوم تاريخية وخطف أبصار رعاياه بالملابس الزاهية الكثيرة الألوان، وانتهى أمره بأن صور المسيح ومريم في صورتي إمبراطور وملكة. ذلك أن الفن البيزنطي لم يكن له كثير من المؤيدين يختار من بينهم من يناصره، ولهذا لم يكن له مجال واسع يختار منه موضوعاته وطرازه، فكان الإمبراطور أو البطرق هو الذي يحدد له ما يعمل ويبين له طريق العمل، وكان الفنانون يعملون جماعات، ولهذا قلّما يذكر التاريخ أسماء فنانين أفراداً، ولكنهم أتوا بالمعجزات في بهاء الألوان؛ وكان الفنان يرفع من شأن الناس أو يحط من قدرهم بمستحدثاته الرائعة؛ ولكن هذه المنزلة اقتضته استمساكاً بالأشكال والأنماط المتبعة، وضيقاً في المجال، وجموداً في خدمة ملك مطلق التصرف ودين لا يقبل التغيير.

وكان تحت تصرفه مواد كثيرة يستخدمها في عمله، كانت لديه محاجر الرخام في بروكنسوس Procnnesus، وأتكا، وإيطاليا؛ وكانت لديه عمد وتيجان ينتهبها من كل هيكل وثني قائم، وكان لديه الآجر يكاد ينمو كالنبات في الأرض التي تجففها الشمس. وكان أكثر ما يعمل فيه الآجر المثبت بالملاط؛ ذلك أنه كان يسهل استخدامه في الأشكال المنحنية التي فرضتها عليه الأنماط الشرقية. وكثيراً ما كان يقنع بالشكل الصليبي - شكل الباسلقا ذات الجناحين التي تنتهي بقباء. وكان في بعض الأحيان يقطع الباسلقا فيجعلها مثمنة الجوانب كما فعل في كنيستي القديسين سرجيوس وباخوس في القسطنطينية، أو في كنيسة فيتال في رافينا. ولكن الطراز الذي برع فيه وبرز فيه جميع الفنانين الذين سبقوه أو جاءوا بعده هو القبة المستديرة المقامة على هيكل كثير الأضلاع. وكانت الطريقة التي اتبعها للوصول إلى هذه الغاية هي إنشاء قوس أو نصف دائرة من الآجر فوق كل ضلع من أضلاع السطح المتعدد الزوايا والأضلاع، ثم إقامة مثلث دائري من الآجر متجه إلى أعلى وإلى الداخل بين كل نصف دائرة، ثم بناء قبة فوق الحلقة المستديرة الناشئة من هذا كله. وكانت المثلثات الدائرية تبدو متدلية من حافة القبة إلى قمة المضلع، وبهذا ربعت الدائرة من الوجهة المعمارية، وبعد هذا كاد طراز الباسلقا أن يختفي من الشرق.

وقد أفاء البَنّاء البيزنطي على هذا البناء من الداخل ما أسعفته به عشرات الفنون المختلفة. وقلما كان يستخدم التماثيل لهذا الغرض، ذلك أنه لم يكن يريد أن يصور رجالاً ونساء، بل كان يعمل لخلق جمال مجرد من الصور الرمزية. ولكن المثالين البيزنطيين كانوا رغم هذا القيد عمالاً يمتازون بالكفاية والصبرِ وسِعةِ الحيلةِ. وقد نحتوا التاج "الثيودوسي" للعمد بأن جمعوا بين "آذان" النمط الأيوني، وأوراق النمط الكورنثي؛ وكأنهم أرادوا أن يجعلوا هذه الوفرة من الطرز أشمل وأعم، فحفروا على هذا التاج المركب أجمة من النبات والحيوان. وإذ كانت نتيجة هذا لا تتناسب مع الجدران أو الأقواس فقد وضعوا بينها وبين التاج عصابة مربعة وعريضة من أعلاها، ومستطيلة وضيقة نوعاً ما عند قاعدتها، ثم حفروا على توالي الأيام أزهاراً على هذه العصابات نفسها. وهنا أيضاً كانت الغلبة للفرس على اليونان، كما للأولين في مربع القمة. ثم طلب إلى المصورين أن يزينوا الجدران بصور تثبت عقيدة الناس أو ترهبهم؛ ووضع عمال الفسيفساء مكعباتهم المتخذة من الحجر أو الزجاج الملون البرّاق فوق أرضية زرقاء أو ذهبية، وزينت الأرض والجدران، أو مذابح الكنائس، أو ما بين العقود، أو أي جزء من البناء لا تطيق عين الشرقي أن تراهُ خالياً من الزخرف. وكان الصُنّاع يُزينون الملابس، والمذابح، والعمد، والجدران بالجواهر والأحجار الكريمة؛ وصنّاع المعادن يضعون فيها صفائح الذهب والفضة؛ وصنّاع الخشب ينقشون المنابر وأسوار المحاريب، والنسّاجون يعلقون الأنسجة المزخرفة على الجدران ويفرشون الأرض بالطنافس، ويغطون المذابح والمنابر بالأقمشة المطرزة وبالحرير. ولم يذكر التاريخ قبل ذلك العهد فناً أوتي ما أوتيه الفن البيزنطي من وفرة الألوان، ودقة الرموز، وغزاة الزينة؛ وقدرة على تهدئة الذهن وتنبيه الروح.

الشكل (1): القنصل أريوبيندوس داغاليفوس أريوبيندوس يترأس المباريات في سباق للخيل على لوح من العاج المزدوج تؤرخ في عام 506 م.

المصادر:

رينسمان. ستيفن، الحضارة البيزنطية، ترجمة: عبد العزيز جاويد، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2، 1997م.

شينيه. كلود ، تج زيناتي. جورج، تاريخ بيزنطية، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2008.

ديورانت. ويل، قصة الحضارة.

Byzantine costumes هنا