العمارة والتشييد > عمارة افتراضية ورقمية

Minecraft لعبة المعماريين المفضَّلة!

قل لي ما ألعابك المفضلة أقل لك مَن أنت... هل لهذا الكلام أي معنى؟ هل يمكن أن نتعرَّف على مهنة أحدهم من خلال الألعاب التي يُفضِّلُها؟!.

بدأ الهوس بالتَّصميم بالنسبة لكثيرٍ من المُصمِّمين في سنٍّ مبكِّرة، فالمسيرة المهنيَّة بالنِّسبة لكثيرٍ من المعماريِّين قد بدأت وهم يلعبون بألعاب كالقطع الخشبيَّة أو لعبة LEGO الكلاسيكيَّة، إلى أن ظهر منافس جديد مُلهِم لعقول المعماريين، لعبة الـ Minecraft.

منذ ظهور لعبة Minecraft على ساحة الألعاب في عام 2009، أصبحت واحدة من أكثر ألعاب الفيديو مبيعاً في العالم، ممَّا دفع شركة Microsoft لشراء اللعبة والشركة الأم المنتجة لها في عام 2014 بما يقارب 2.5مليار دولار!.

أمَّا اليوم فقد تمكَّنت منصَّة البناء العالمية هذه من جذب انتباه المعماريين والمصمِّمين. فهل يمكن للعبة فيديو أن تغيِّر طريقة تعليم وممارسة العمارة؟

لمن لا يعرفها، تسمح لعبة Minecraftللاعبيها ببناء منازل ومدن ومخابئ تحت الأرض، أي بناء عالم افتراضي متكامل باستخدام مكعَّبات مكسيَّة ثلاثية الأبعاد تعبِّرُ عن مواد إكساء مختلفة. هذه المكعَّبات المكسيَّة هي المادة الخام للعبة مشكلَّةً ما يشبه نسخة ريفيَّة من لعبة LEGO. حيث قام مستخدمو هذه اللعبة ببناء نسخ مطابقة لمعظم الأبنية المشهورة كتاج محل والبيت الأبيض وبرج خليفة، بالإضافة لتصاميمهم الملفتة في عالمهم الافتراضي الخاص.

لقد تنبَّه المصمِّمون لظاهرة الـ Minecraft المعماريَّة. فمثلاً هناك فريق BlockWorks، وهو فريق عالمي من المعماريين، ومصمِّمي الرسوم المتحركة، ومصمِّمين من مختلف المجالات، يستخدمون لعبةMinecraft على نطاق واسع فيما يخص مجالات الألعاب والاعلام والتعليم، بقيادة James Delaney وهو حاليَّاً طالب عمارة في جامعة كامبردج في بريطانيا. أُطلقَ الفريق في عام 2013، وهو يضم حالياً 41 بنَّاءً من أكثر من عشر دول الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و44 سنة.

يقول Delaney: لقد بدأ الفريق بأربعة أشخاص يلعبون Minecraft على الانترنت. بدأنا بالبناء بمقياس كبير وبدرجة عالية من التفاصيل، ثم ما لبث أن اكتشفنا الامكانيات المتوافرة في اللعبة بحيث يمكن اعتبارها أداة تصميم جديَّة. ثم بدأنا بالعمل في مجال صناعة الألعاب وإنشاء الخرائط للعبة وعوالم للاعبي Minecraft . وبعد أن بدأنا العمل قمنا بتوسيع الفريق لتغطية هذا المجال.

بالنسبة لـ Delaney ورفاقه فإن Minecraft هي أداة تصميميَّة حاسوبيَّة مساعدة. حيث يُعتقد بأنَّها من السهولة بحيث يمكن للناس البدء بالتصميم عبر المنصَّة (التي تحتوي بين المشاركين أطفال بعمر الروضة). وما يسهِّل العملية بشكل أكبر حسب وجهة نظر Delaney أنَّ اللعبة تعمل من وجهة نظر إنسانية، فالمباني هي كما في الحقيقة، بكيفية الحركة ضمنها وشغل فراغاتها.

يكمل:Delaney إنَّ التركيز والمقدرة على إنشاء تعاون في الوقت والزمن الحقيقي المعاصر هم أيضاً عناصر فارقة في استخدام هذه اللعبة. فالمشاركة عبر الإنترنت هي السمة المميِّزة لجيل الألفية، وهو ما يُذكِّر بأدوات معماريَّة حاليَّة مثل نظام معلومات تصميم المباني أو (BIM)، الذي يسمح للمصمِّمين والعملاء وغيرهم من المستخدمين بتبادل معلومات الأداء للوصول إلى مستويات أعلى لم تكن متاحة من قبل.

في الجوهر يمكن للعبةMinecraft أن تشجِّع على مقاربة معماريَّة أكثر ديمقراطية وشعبيَّة. هذه الفكرة التي أسَّس عليها المعماري الدانماركي Bjarke Ingels شركة BIG، وهذا ما أكده في فيلمه Worldcraft الذي صُوِّرَ خلال الذكرى السنوية لقمة الـ Future of Story Telling في مدينة New York في عام 2014.

يقول المعماري Bjarke Ingels في الفيلم: هناك أكثر من 100 مليون شخص يستخدم لعبة Minecraft ، حيث يمكنهم بناء عالمهم الخاص والعيش فيه عبر اللَّعب. كما تقوم هذه العوالم الافتراضية بدعم المستخدمين بالأدوات المناسبة لتحويل بيئتهم الخاصة. وهذا ما يجب أن تقوم به العمارة.

يقول Delaney: إن التبادل الثقافي في اللعبة هو شيء أساسي للحفاظ على مجتمع صحِّي ومبدع. هذا هو السَّبب الرئيسي الذي يدفعنا لإيلاء اهتمام خاص بعملنا الرقمي. كما أن أعمالنا تساعدنا في جذب عملاء ومستخدمين جدد.

تتضمن أعمال فريق BlockWorks، بالإضافة لمجموعة أخرى من المشاريع، إعادة تصميم فيلا Rotonda المشهورة للمعماري Andrea Palladio، والتي ستبنى بالاشتراك مع المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين (RIBA)، بالإضافة إلى توفير قاعدة معلومات ومخطَّطات لأبنية أخرى من تصميم Andrea Palladio بحيث يستطيع اللاعبون الآخرون محاكاة هذه الأبنية.

كما يعمل الفريق على مشروع آخر برعاية صحيفة الغارديان (Guardian newspaper)، وبناءً على طلبها ببناء مدينة افتراضية باستخدام الأدوات والتكنولوجيا المتوافرة في وقتنا الحالي لخلق أفضل مستوى ممكن من الاستدامة. هذه المدينة بتخطيطها المنحني والعضوي، ومزارع الرياح، وأبنيتها المشابهة لكاتدرائية St. Paul في مدينة لندن، والتي تمت تغطية قبتها بغطاء نباتي، لتصبح القبة البيولوجية التي تربط الماضي بالحاضر والمستقبل.

بالإضافة لهذا أقام فريق BlockWorks في الصَّيف الماضي، واحتفالاً بيوم RIBA للألعاب، بورشة عمل ومسابقة للأبنية المبنيَّة على الطراز الوحشي، حيث يستطيع اللاعبون الصغار إحضار حواسيبهم المحمولة والاتصال بمخدِّم RIBA الخاص بلعبةMinecraft ، ليزودوهم عندها بمخطَّطات معينة ويطلبوا منهم تشييد بناء مستوحى من العمارة الوحشيَّة. شارك في هذه المسابقة حوالي 120 شاب تراوحت أعمارهم بين الـ 12 و25 عاماً، ممثِّلين 22 دولة مختلفة.

لعبةMinecraft بدأت تُستَخدم كأداة تعليميَّة أيضاً. حيث قامت مؤسَّسة شيكاغو للعمارة بإقامة مخيَّم صيفي للعبة Minecraft للتلاميذ من عمر الـ 7 حتى الـ 18 عاماً. كما قام مركز Zaniac وهو مركز تعليمي لفترة ما بعد المدرسة بإضافة ساعات لتدريس العمارة باستخدام Minecraft . كما تم إطلاق لعبة MinecraftEdu وهي نسخة ر

سميَّة معدَّلة من اللعبة الأصليَّة ومصمَّمة بشكل خاص للاستخدام المدرسي وبشكل يتناسب ويتكيف مع المدرسين. حيث تحتوي على مخططات ودروس تغطِّي مجالات الرياضيَّات والتاريخ والفن والتشفير وبالطبع العمارة!

يكمل Delaney: بالوقت الذي نشأ فيه معماريُّو اليوم وهم يلعبون بقطع LEGO، فليس لدي أي شك أنَّ الجيل الجديد من المعماريين يلعبMinecraft . فعلى الناس أن يتوقفوا عن اعتبارها مجرَّد لعبة، إنها أداة للتصميم عبر الحاسوب وهي الأكثر انتشاراً في العالم. كما أنَّنا نتطلَّع قدماً لتضييق الفجوة بين التصميم والحقيقة.

لا بد أنَّنا ندخلُ عصراً جديداً ستتغيَّرُ فيه الكثير من المفاهيم عن طرق التدريس والتعليم وإيصال المعلومة وتنميتها، فهل ستفرض مثل هذه الألعاب نفسها على الساحة التعليميَّة؟ أو على الأقل أن تلعب دوراً في تقريب المسافة بين المعماريين والمصمِّمين من جهة وبين العملاء من جهة أخرى؟ هذا ما سنعرفه في قادم الأيام.

المصدر:

هنا