التاريخ وعلم الآثار > حقائق تاريخية

الأباطرةُ اليابانيون... السُلالةُ الحاكمةُ منذُ 2700سنة

استمع على ساوندكلاود 🎧

شَهدت السلالاتُ الحاكمةُ على مَدى التَّاريخِ الاندثارَ والسقوطَ بعدَ قيامِها راميّةً أسباب الزوالِ إلى صُروفِ الدّهرِ و تقلّب الزمانِ. ولكن اللافتَ للنّظرِ بقاءُ الحُكمِ لدى عائلةٍ واحدةٍ حَكمت اليابان منفردةً بكرسيّها الإمبراطوري على مرِّ الأزمان. لم يَعرف اليابانُ حاكماً غيرهم حتّى اعتقدوا أنّهم انحدروا من آلهةِ الشّمسِ، فلم يستطع أيُّ قائدٍ عسكريٍ ياباني مَهما اتّصفَ بالطغيانِ والقوةِ أن يعزلَهم أو يسلبَهم صفتهم الإمبراطورية.

مقالُنا التالي سنتحدثُ فيه بإيجازٍ عن السُّلالة الإمبراطورية اليابانية و كيفية صمودها وراثياً طوال هذه الفترة.

تبدأُ قصةُ العائلةِ الحاكمةِ اليابانيةِ بشكلٍ أسطوري فتختلفُ الحكايةُ عن بقيةِ السلالاتِ الحاكمةِ عالمياً. يُرجِعُ اليابانيون أصولَ أباطرتِهم لأصلٍ إلهي وليس بشري. و يُقال أن أسطورةَ الخلقِ اليابانية بحسب عقيدة الشنتو كانت عبارة عن إلهين متزوجين هما "إيزاناكي وإيزانامي"، قاما بخلق جُزرِ اليابان والهبوطِ للعيشِ فيها. فقاما بولادةِ أماتيراسو (إله الشمس) وبعدَ سلسلةٍ من أجيال الآلهة ولد الامبراطور جينمو، كان أولُ الأباطرةِ اليابانيين و ذكرت الكتبُ الاسطوريةُ اليابانيةُ أنّه حكمَ من عام 660 ق.م إلى 585ق.م.

يمتلكُ الأباطرةُ اليابانيون مكانةً قدسيّةً عظيمةً في الديانةِ الشنتوية (الديانة القومية لليابان) التي يمثلُ الإمبراطورُ فيها السلطةَ الدينيةَ العُليا و ذلك باعتباره حلقة الوصلِ بينَ الآلهةِ والناس.

كما أن وراثةَ العرّشِ الإمبراطوري منحصرةٌ بأولئك المرتبطين بشكلٍ مباشرٍ بالإمبراطور الأول جينمو عبرَ سلسلةٍ من الذّكور، أمّا المرأة فيمكنُها أن تكونَ إمبراطورةً لكنّها لن تُورثَ الحكمَ لأولادها إذا لم يولدوا من أبٍ دماءه إمبراطورية.

عبرَ الأجيالِ المتعاقبةِ كانَ الكرسي الامبراطوري يمرُّ بمختلفِ المحنِ و كان الامبراطور ضعيفاً بلا سلطة فعليّة يتعرضُ للتلاعبِ من قبل الآخرين، لكنّه كانَ مقدساً إلى درجةٍ عظيمةٍ بحيثُ لم تسولْ نفسُ أحدٍ التخلصَ منه أو استبداله. لذلك أصبحت هذه السلالة هي الأقدم في التّاريخ والوحيدة التي حكمت اليابان على طول تاريخها. وفيما خلا فترة 56 عام انقسم فيه الكرسي الامبراطوري إلى شمالي وجنوبي. ظلّت السُّلالةُ الامبراطورية موحدةً عبرَ التّاريخِ من دونِ انقسامٍ أو تشرذم. فكانت القدرةُ على تثبيتِ استمرارِ النّسلِ الذكوري عبرَ مئاتِ السنين هو التحديّ الأعظم الذي فشلت به بقيةُ العائلات الأرستقراطية لكن الأباطرةَ اليابانيين نجحوا في تحقيقِ ذلكَ عبرَ الوسائلِ الآتيةِ:

تَعدُّدُ الزَّوجات:

الطريقةُ الكلاسيكيةُ لجميعِ الملوكِ والأباطرةِ لضّمانِ ولاّدةِ وريثِ العرّش وجودُ عددٍ كبيرٍ من الجواري. فمنذ قديم الزمان اتصفَ الملوكُ بهذه الصفة في مختلف البلدان، و في اليابان كان للإمبراطور زوجاتٌ أخرياتٌ غيرَ الزوجةِ الرئيسيةِ وحتّى كبارِ قادةِ الدولة كانوا يتمتعون بذاتِ الميزة.

كانَ هذا النّظام يسّري بشكلٍ جيدٍ غالباً لكنّه أيضا حملَ بعضُ السّلبيات. فوجودُ عددٍ كبيرٍ من الزوجات قد يؤدي لولادةِ عددٍ كبيرٍ من الأبناءِ الأمر الذي يُثقلُ ميزانيةُ القصرِ ويخلقُ مشاكلٌ في الخلافةِ بسببِ التّنافس. خلالَ فترةِ هيان كان عددُ الجواري كثيراً مما تسبب بولادة الكثير من الأبناء مما اضطرَ الأباطرةُ بمنحِ بعض أولادهم أسماءً فخريةً لتشكيلِ عوائلهم الخاصة لتمييز نسّلهم عن عامة الناس. وهكذا تأسست عشيرتي تايرا وميناموتو فكانَ لهما دورٌ كبيرٌ في السيطرة على مقاليدِ الحُكمِ في اليابان ومنافسةِ الأمبراطور.

و الجديرُ بالذكر أن قلّةَ عددِ الأبناء جرَّ خطراً كبيراً، فوفيات الأطفالِ الرُّضعِ في العائلةِ الملكيةِ كبيرٌ جداً و ذلك بسببِ زواجِ الأقاربِ بأعمار صغيرة للفتيات إضافة إلى القوانينِ التَي تحرّمُ الأطباءُ من لمسِ أجسامِ أطفالِ العائلةِ الإمبراطورية.

في نهاية فترة الايدو عندما كانَ عددُ الجواري قليلاً تقلصَ عددُ الأبناءِ الناجين من الموت في الطفولة إلى درجةِ أنهم تمكنوا بالكاد من ضمانِ استمرارِ السُّلالة الحاكمة. فمن بين 17 ولداً للإمبراطور كوكاكو 1780-1817 عاشَ ابنٌ وحيدٌ ليصبح الإمبراطور نينكو1817-1846. ومن أولادِ الإمبراطور نينكو الخمسة عشر عاشَ ابنٌ وحيدٌ ايضاً ليصبح الإمبراطور كوميه 1846-1867. ومن أولادِ هذا الأخير الستة عاش ابن وحيد و هوالامبراطور المحنك ميجي الذي أورثَ الحكمَ لابنه المريضِ الإمبراطور تايشو من بين أطفاله الأربعة عشر.

خلال القرن التاسع عشر والعشرين كانت جميعُ عقيلات الإمبراطور عاقراتٍ أو فقدّن أولادَهن، لذلك كان جميعُ الأباطرةِ في هذه الفترة أولادَ محظيات.

الأُسرُ الأميرية:

عندما يكونُ الإمبراطور عقيما أو غير منجب لأولاد قبل وفاته شابا ليست المحظيات هي الحل. فقد ابتدعوا نظاما يساعدُ على حلِّ هذه المشكلات خلال فترة كاماكور بمنحِ ابن الإمبراطور سوكو الذي لم يُقدّر له أن يصبحَ إمبراطورا حق إنشاء عائلة أميرية، حيثُ يُوّرث لقب الأمير لشخصٍ واحدٍ فقط من أبناءه الذي سيُورثه كذلك لابنه، وبالتّالي يكونُ على رأسِ العائلة أميرٌ واحدٌ فقط وهذا الأمير يكون مرشحا للإمبراطورية في حال فشل الخط الرئيسي للأباطرة بولادةِ وريثٍ ذكر.

ولَم يمرْ وقتٌ طويلٌ حتّى جاءَ النظامُ الجديدُ بثمارهِ، ففي عام 1428 تُوّفي الإمبراطور شوكو بعمرِ السادسِ و العشرين بدون أن يتركَ وريثًا للعرّش. فأخذَ الحكمَ أميرُ عائلةِ فوشيمي حفيدُ الإمبراطورِ الراحلِ سوكو ليصبحَ هو الإمبراطور.

خلال التّاريخ تمَّ تشّكيل أربع عائلات أميرية لكلِّ عائلةٍ أميرٍ واحدٍ. و نجدُّ أن المرّةَ الأخيرة التي تمّت الاستفادة من هذا النظام كانت عام 1780 عندما توفي الامبراطور جو موموزونو بعمر الواحد و العشرين من دونِ وريثٍ، فأخذَ العرّشَ أميرُ عائلةِ كانين ليصبحَ الإمبراطور كوكاكو. ومنذُ عهدِ هذا الإمبراطور وحتّى الآن وخلال سبعةِ أجيال جرى الحكمُ بشكلٍ سلس من الأب إلى الابن لمدة مئتي عام .وبشكل غير مسبوق في تاريخ العائلة الامبراطورية اندثرت ثلاثُ عائلات أميرية بسبب عدم وجود وريث وبقيت السلالة الوحيدة وهي عائلة فوشيمي.

الأباطرةُ النِّساء:

الطريقةُ الثالثةُ لدعمِ استمرارية السُّلالة الإمبراطورية هو تمكينُ النساءِ بناتُ الأباطرةِ أو الأمراءِ لوراثةِ الكرسي في حالِ لم يوجدْ هناكَ وريثٌ ذكرٌ. كما حُرِمَ على الإمبراطورات الزواج بعد التنصيبِ بغضِ النّظرِ إن كنَّ عذارى أو أرامل ويتمُ خلافتهن من قبل ذكر من الخط الإمبراطوري و بهذا يكونُ الهدفُ من تنصيبِ النساءِ هو تأجيلُ النزاعِ حولَ الوريثِ.

عرفَ اليابانيون ثماني إمبراطورات عبرَ تاريخهم بين القرن السادس والثامن فتوّجوا الستَّ منهنّ وحكمت إمبراطورتان مرتين بإسمين مختلفين (لم يحصل هذا عند أي إمبراطور ذكر).

قامت الإمبراطورات بأعمالٍ مميزةٍ فالإمبراطورة سويكو (593-628) دعمت البوذيةَ في اليابان، والإمبراطورة جيمي عملت على بناء العاصمة نارا وأشرفت على إكمال كتاب التاريخ الياباني الأقدم كوجيكي. بعد وفاة الإمبراطورة شوتوكو (عام 770) لَم تحكمْ أيُّ إمرأةٍ كإمبراطورة لأكثر من( 850 عام ) حتّى حَكمت إمبراطورتان خلال فترةِ إيدو.

بعد هذا الفيض من الجزء الأول انتظرونا لنكمل لكم حكاية السلالة الحاكمة في مقالنا القادم.

المصدر:

.Ben-Ami Shillony، Japanese Monarchy: Past and Present، Louis Frieberg Chair in East Asian Studies، Hebrew University of Jerusalem

هنا