الطوب ذاتي التبريد

استمع على ساوندكلاود 🎧

لطالما كان التكيف مع الظروف المناخية إحدى أهم المشاكل التي تواجه أي تصميم، لذلك فإن الحلول الملائمة للمحيط لاتزال تشكل الهاجس الأكبر للمعماريين.

بهدف استكشاف وتسخير خصائص الطين كمادة خام تتميز بها منطقة Cucuta في كولومبيا قام المعماريان Miguel Niño، Johanna Navarro بإنشاء Sumart Diseño y Arquitectura SAS وهو عبارة عن استوديو لتصميم وتطوير الحلول المعمارية المستدامة.

يعتبر Bloque Termodisipador أو الـ (BT) أحد أنجح مشاريعهم، وهو عبارة عن قطع طوب قرميدي معدة للبناء، ذات مقطع غير منتظم يسمح بعبور التيارات الهوائية عبر القطع لتخفف كمية الحرارة التي يكتسبها المبنى.

بحسب المعماريين فإن ارتفاع الطلب على المنازل عبر العالم هو بدون شك الدافع الأكبر للعمارة المستدامة في القرن الجديد. فالتصميم والبناء لحياة سهلة ومريحة هو الجزء الأساسي للإنتاج المعماري عبر الزمن، وفي حين أن ظروف المعيشة قد تغيرت بقيت بعض المواد ثابتة على حالها كما كانت دائماً.

اعتمد التصميم على الطوب الطيني التقليدي كأساس لنموذج يستطيع تقديم الحلول لحركة البناء في كولومبيا:

التخفيف من الاكتساب الحراري لتقليل استخدام أجهزة التحكم بالمناخ (وسائل التبريد).

تسليط الضوء على النقص في حلول الطاقة المستدامة في البناء، والمتاحة للجميع.

تقليص كمية المواد ووقت البناء والإنهاءات.

الترويج لصناعة الطين من خلال التصميم، الاستفادة من الطاقات البشرية، والتقريب بين المواد الأولية والأنظمة الصناعية التقليدية.

الـ BT هو طوب قرميدي للاستخدام في المغلفات المعمارية والواجهات، يصنع وفق نفس مبدأ الطوب التقليدي المشوي، مع تطوير في تصميم مقطعه. شكله غير المتناظر مكون من مستطيل ومثلث غير منتظم، يحمي المبنى من أشعة الشمس وانتقال الحرارة.

إن التباعد بين قطع الطوب بالإضافة للقنوات التي تشكل المثلث غير المنتظم هي التي تسمح بمرور التهوية عبر الطوب لتشتت الحرارة المخزنة وتقلل من الحرارة المنتقلة إلى داخل المبنى.

يميل الضلع الخارجي للمثلث غير المنتظم من الخارج بزاوية °114، بعكس زاوية الإشعاع الشمسي في ذروته 24°، كما يسمح الشكل غير المنتظم بعدد كبير من التراكبات ثلاثية الأبعاد لتعطي شكلاً جمالياً بالإضافة لقدرتها على تشتيت الصوت وتخفيف مستوى الضجيج الداخل إلى المبنى.

تم تجويف أعلى قطعة الطوب بحيث يتم وضع الطينة الإسمنتية لتكون في النهاية على نفس مستوى قطع الطوب تفادياً لهدر المواد والخطأ في تراكب قطع الطوب.

الطوب التقليدي المشوي الذي يستخدم عادة في الواجهات يميل في أغلب الحالات ليكون مستطيل الشكل مما يعرض الجدار بأكمله لأشعة الشمس لفترات طويلة من الزمن، حيث تتحول هذه الأشعة إلى طاقة حرارية مخزنة ضمن الجدران، وتنتقل الحرارة إلى داخل البناء (الشكل 1).

لهذا فإن قطع الـ BT تخضع لنفس طريقة التصنيع لكن شكلها المبتكر (الشكل 2) يحمي الجدار من أشعة الشمس وانتقال الطاقة الحرارية إلى داخل المبنى. القنوات التي تشكل المثلث غير المنتظم تسمح بمرور التهوية عبرها فتخفض درجة حرارة القرميد وتقلل كمية الحرارة المنتقلة للداخل (الشكل 3).

إن قطع الطوب التقليدي ذات أسطح بسيطة وبالتالي فالجدران المبنية باستخدامها تكون عمودية على سطح الأرض، محولة واجهة الجدار إلى سطح كاسر للأشعة الشمسية باتجاه الأرض (الشكل 1). بينما يميل الضلع الخارجي للمثلث غير المنتظم في قطع الـ BT °114 ليواجه أشعة الشمس في ذروتها، هذه الزاوية تسمح بإعادة توجيه الأشعَّة فوق البنفسجية للأعلى بعيداً عن الأرض (الشكل 2).

تنتقل الحرارة في قطع الطوب التقليدي باتجاه واحد بسبب الأسطح الأفقية الناظمة للقنوات ضمنها التي تعمل كجسور حرارية تنقل الحرارة إلى الداخل بسرعة كبيرة (الشكل 1). أما الأسطح الأفقية للقنوات في الـ BT تتقاطع مع سلسلة من القنوات الأصغر لتجعل طريق انتقال الحرارة إلى الداخل أطول مما يبطئ ويخفف من انتقال الحرارة للداخل (الشكل 2 و3).

يرافق عملية البناء بالطوب التقليدي مجموعة من المراحل كأعمال الطينة والجبس والدهان وغيرها من الإنهاءات قبل الوصول للنتيجة النهائية، بينما تعطي قطع الـ BT الجدران إنهاءً طبيعياً وجمالية تسمح لنا بالاستغناء عن هذه الأعمال بسبب أسطحها غير المنتظمة والجمالية التي يتمتع بها القرميد، هذا ما يؤدي لاحقاً لانخفاض في التكلفة النهائية عبر توفير المواد واليد العاملة والوقت كما يوفر على المدى البعيد أجور الصيانة الناتجة عن التقادم والعوامل المناخية (الشكل 4).

بناء الجدران باستخدام الطوب التقليدي يعطي سطوحاً ثنائية الأبعاد بحاجة للإنهاء، بينما تسمح قطع الـ BT بعدد كبير من خيارات التراكب لتعطي أشكالاً متعددة ثلاثية الأبعاد، فهي تعطي حرية التعبير معمارياً وتخلق نوعاً من الوعي الجمالي على مستوى المنطقة (الشكل 5).

للكثير من الواجهات المبنية بقطع الطوب التقليدي جدران غير مكتملة بسبب أسطحها البسيطة التي تكشف الطينة الاسمنتية بينها وتترك الفضلات وتسبب الهدر أثناء التركيب وتضر بالإنهاءات. كما تتفاعل بشكل سيئ مع البيئة المحيطة. بينما لقطع الـ BT تجويف في أعلى كل منها لحجز الطينة الإسمنتية (الشكل 3) بحيث تكون كمية الطينة متماثلة لكل قطعة. هذا ما يمنع الهدر ويوفر في كمية المواد أثناء التركيب. فإخفاء الطينة الإسمنتية والتلاعب بتراكب القطع أثناء التركيب يضفي مزيداً من الجمالية على الواجهات ويساهم في تجميل المحيط (الشكل 6).

الأسطح البسيطة لقطع الطوب التقليدي تمتص الضجيج وتسمح بانتقاله عبر كامل الجدار، ثم تعكسه على سطحيها الخارجي والداخلي. بينما الشكل غير المنتظم لقطع الـ BT يعمل كمخفض للضجيج، كاسراً الموجات الصوتية المستمرة ومخففاً كمية الصوت المنعكسة في داخل وخارج المبنى (الشكل 7).

الضلع الأصغر للمثلث غير المنتظم مائل بشكل لا يسمح بتجمع المياه مهما كانت طريقة توضع قطع الطوب، وفي حال وصول المياه إلى القنوات الداخلية فإنها ستساعد على تبريد القرميد وبالتالي تبريد الفراغ الداخلي للمبنى فيما يعرف بظاهرة "التبريد بالتبخير".

للجزء المستطيل في قطع الـ BT نفس مقاسات قطع الطوب التقليدي مما يسهل عملية دمج القطع الجديدة مع التقليدية عند البناء. أما عملية التركيب فهي مماثلة تماماً لعملية تركيب القطع التقليدية بالإضافة لاستخدام مفاصل تسمح بضبط توضع القطع وتحجز الطينة الإسمنتية الرابطة ضمن الجزء المستطيل لتحافظ على قنوات الجزء المثلث نظيفة تماماً. فهي توحد الفراغات بين قطع الطوب بحيث يؤدي الجزء المثلث عمله متحرراً من المادة اللاصقة (الشكل 8).

فاز التصميم بجائزة 2015 Steel Pen Award، Green category المنظمة من قبل مجلة Proyecto Diseño.

عبر تجارب كهذه تثبت لنا الطبيعة أنها طريقنا لمستقبل مستدام يؤمن لنا ظروف عيش جيدة بأبسط الطرق الممكنة.

المصدر:

هنا