الفيزياء والفلك > علم الفلك

علماء يلتقطون ضوءًا مرئيًا صادرًا من محيط ثقب أسود لأوّل مرة في تاريخ الرصد الفلكي.

استمع على ساوندكلاود 🎧

في سابقةٍ هي الأولى من نوعها، تمكّنَ فريقٌ من الفلكيين تابع لجامعةِ كويوتو اليابانية من رصدِ ومضات من أشعة مرئية وسينية قادمة من نظام ثنائي مكون من ثقب أسود ونجم.

لا شيء يستطيع فعلياً الهروب من الثقب الأسود، و لا حتى الضوء -و من هنا جاء اسم الثقوب السوداء أصلاً- لذلك فإن الأشعة التي رصدها العلماء جاءت من خارج الثقب. عندما يبتلع الثقب الأسود جرماً سماوياً (نجم مثلاً) فإن مادة النجم تدور حول الثقب الأسود في مسار لولبي قبل أن يبتلعها. تشكّل هذه المواد الدوّارة حول الثقب قرصًا متوهجًا يُسمى (قرص التنامي). تدور هذه المواد بسرعاتٍ هائلة مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارتها لحوالي عشرِ ملايين درجة مئوية، فتتوهج هذه المواد بسطوع عالي و هذا ما التقطه الفلكيون.

يتكوّن هذا النظام الثنائي من ثقب أسود كتلته 9 من كتلة الشمس يدور حوله نجم أصغر بقليل من شمسنا ويبعد عنا 7800 سنة ضوئية. و إسمه V404 Cygni ويُعد أحد أقرب الثقوب السوداء إلى كوكبنا، بقي هذا النظام ساكنًا معتماً لستة وعشرين عاماً ثم بدأ نشاطه من جديد في 15 حزيران 2015، مطلقاً عدة ومضات من الأشعة المرئية والسينية، تتراوح مدة كل ومضة منها بين عدة دقائق وعدة ساعات، واستمرت هذه النشاطات لمدة أسبوعين.

لم تكن هذه أول مرة يلتقط فيها الفلكيون ومضات من ثقوب سوداء نشطة. في العادة تقوم المواد المتوهجة في (قرص التنامي) بإصدار الأشعة السينية بسبب دورانها وحرارتها العالية. لكن في هذه المرّة ظهرت ومضة من الأشعة السينية تلتها ومضة بالأشعة المرئية، وهذه أول مرة يرصد الفلكييون مثل هذه الظاهرة. في الواقع كانت الومضة الضوئية قوية بشكل كافي ليمكن التقاطها بواسطة تلسكوب متوسط قطره 20 سم. دون الحاجة إلى تلسكوبات متطورة تلتقط أشعة غاما أو الأشعة السينية.

قام الفلكيون بالتنسيق على مستوى العالم لرصد هذه الظاهرة النادرة، حيث اشترك في رصدها 35 تلسكوب موزعين في 25 موقع حول الكوكب، وذلك لأنه لا يمكن رصد النجوم في النهار بسبب ضوء الشمس لذلك يتم رصدها من عدة جهات من الكرة الأرضية خلال عدة تواقيت وبذلك يمكن رصدها وتوثيقها على مدار الساعة.

أحد الاستنتاجات الجديدة المستخلصة من تحليل البيانات أن معدل ازدياد كتلة (قرص التنامي) كان أقل بعشر مرات مما كان متوقعاً سابقاً. وهذا يدل على أن معدل النمو ليس هو العامل الأساسي لحصول ومضات الأشعة المرئية، بل إن العامل الأساسي هو محيط القرص وطول المسار الذي تسلكه المادة قبل ابتلاعها.

بسبب المسافة الكبيرة (نسبيا) بين الثقب الأسود والنجم المرافق له، فإنه يمكن أن يتشكل قرص تنامي واسع جداً.

في المناطق الخارجية من القرص، تسلك المادة مسارات طويلة غير مستقرة وتدخل إلى الأقسام الداخلية من القرص دخولاً عنيفاً متزعزعاً. ويعتقد العلماء أن هذا الدخول هو ما يسبب هذه الومضات التي تصل لنا بمختلف الأشعة.

يعتبر سلوك المادة قبل ابتلاعها من الثقب الأسود واحداً من الألغاز الكونية الأساسية التي يعمل العلماء على حلها. مازالت تصرفات المادة في السرعات القريبة من سرعة الضوء تعتبر غامضة بالنسبة للعلماء و من هنا تنبع أهمية دراسة هذه الظواهر النادرة لفهم أسرار الكون.

المصدر: هنا