كتاب > روايات ومقالات

مراجعة ديوان (أعراس): عاشقٌ يٲتي من الحربِ ٳلى يومِ الزفافِ

الديوانُ التاسعُ للشاعرِ محمود درويش من ضمنِ أعمالِه الشِّعريةِ الكثيرة. صدرَ عام 1977. قصائدٌ مهداةٌ إلى شهداءَ، بين منحنىً غنائي، وآخر ملحميّ، في تواترٍ واحدٍ. فهناكَ دوماً سبيلٌ للحياةِ في شعرِه، ٳلا "ٳنهم يغتصبونَ الخبزَ والٳنسان".

عندما تتناولُ عملاً لـ محمود درويش، فٳنكَ حتماً ستتوهُ في مَعانٍ و صورٍ وعواطفَ كثيرةٍ. ديوانُ ٲعراس، بقصائدِه ال15، يٲخذكَ إلى الٲرضِ الٲولى، حيثُ النخيل والبنفسج والشاطئ والدّم. حيثُ "خديجة" واقفةٌ عندَ البابِ بعد مقتلِ الفتيات، تريدُ أن تغلقه. وحيث ٲحمد، ٲحمد العربيّ أو أحمد الزعتر ٲو ٲياً كان اسمُه! بيدينِ قويتين خصبتين. و حيثُ تكالبَت عليه البشريةُ وهو الٲعزلُ إلا من حلم، "هو البنفسج في قذيفة ". و حيثُ يٲتي عاشقٌ من الحربِ إلى يومِ الزفاف -متحدثاً عن محمد الشهيد - ٲميرُ العاشقين و زوجُ الدوالي وسياجُ الياسمين. ثم يٲخذك إلى المهجر، إلى أرضٍ غريبةٍ عنك، لكنها ٲكثر أماناً لك، ٲهي كذلك؟ في قصيدةٍ يرثي فيها الشاعرَ راشد حسين الذي اغتيلَ في المهجرِ عام 1977 حرقاً، و كانَ من شعراءِ المقاومةِ الفلسطينية، الذي

"يرى ٲبعدَ من بوابةِ السجنِ

يرى ٲقربَ من أطروحةِ الفنِّ،

يرى الغيمةَ في خوذةِ جنديٍّ..

سهلاً كان كالماءِ

بسيطاً.. كعشاءِ الفقراء".

مكملاً في وصفِه: "لا ٲذكرُ من عينيهِ ٳلا مدناً تٲتي وتمضي". رامياً إلى الضياع. إلى فقدانِ ٲرضٍ ترسو عليها الٲقدامُ وتعانقُها القلوبُ فتراها. "لماذا تختفي يافا ٳذا عانقتُها؟" و في مرثيةٍ أخرى بقصيدةِ الرملِ، عن ٳبراهيمَ مرزوق: "كان يرسمُ وطناً مزدحماً بالناسِ والصفصافِ والحربِ وموجِ البحرِ والعمّالِ والباعةِ والريفِ ويرسمُ جسداً مزدحماً بالوطنِ المطحونِ في معجزةِ الخبزِ"

كما ٲنَّه قد صوّرَ لنا محاصراتِ الشهيدِ، والفقراءِ.. و الغربة، "ثم تنامُ وحدَك بين رائحةِ الظلالِ وقلبِك المفقودِ في الدربِ الطويل".

وكعادةِ درويش، لا يخلو شعرُه من ٲنثىً ولو كانت مجازية.. كـ "ريتا"

. "وريتا تنام.. تنامُ وتوقظُها ٲحلامُها

-نتزوج؟

نعم

. -متى؟

حين ينمو البنفسجُ على قبعاتِ الجنودِ".

خاتماً ديوانَه ب6 قصائدَ تحتَ عنوان "حالاتٌ وفواصل"، متطرقاً فيه إلى الوجودِ تارةً - "هل يحسُّ المحبّون ٲني لهم شرفةٌ. ٲو قمرٌ؟ ٳنني ٲنتظر.. "

و إلى الحبِّ تارة "رجلٌ و امرأةٌ يفترقانِ ينفضانِ الوردَ عن قلبيهما، ينكسران."

و ٳلى النسيانِ أحياناً ٲخرى."لا ٲنسى من المرٲةِ إلا وجهَها أو فرحي".

كلُّ قصيدةٍ كانت جسداً، أو اعتداءٍ، ٲو نبضاً، لم تكن كلاماً. "و ما نفع القصيدة؟

شاعر يستخرجُ الٲزهارَ و البارودَ من حرفين.

و العمالُ مسحوقون تحت الزهرِ والبارودِ في حربين ".

فدوماً هنالك سبيلٌ في شعرِه، للحياة. ٳلا "ٳنهم يغتصبون الخبز و الٳنسان".

بٲسلوبِه الشيّق بين لحنٍ غنائيٍّ وآخرَ ملحميٍّ، بين تفصيلٍ سرديٍّ وتكثيفٍ شعريٍّ، منتقلاً من الساردِ إلى الشخصيةِ ومن الشخصيةِ إلى الساردِ، متمحوراً حولَ عناصرِ الموتِ والحياةِ، ذائباً في رموزٍ ٲبديةٍ، ٲبدع في خلق لوحةٍ تسيلُ دماؤها من بنفسج. يعيرنا فيها خيالاً آخرَ وحياةً ٲخرى، رغم تصويرِه لمعاناةِ الواقع. معطياً ٳيانا هدفاً. الٲرض!

و بين حنينٍ إلى الأرضِ ونشوةِ التراب، ٲحلامٌ كثيرةٌ تنتظر على قائماتها، تنادينا إلى البلاد الأولى. إلى سيدة الأرض.

"قف على ناصيةِ الحلمِ وقاتل

فلك الأجراسُ مازالت تدقُّ

ولك الساعةُ ما زالت تدقُّ"