البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

ثلاثون عاماً لم تكفِه للتخلص من لقاح شلل الأطفال!

استمع على ساوندكلاود 🎧

يعاني رجلٌ في المملكةِ المتحدة من مضاعفات نادرة جدا ً للقاح فيروس شلل الأطفال (POLIO) الذي تلقاه في صغره، فلم يستطع جسمه أن يُفني الفيروس منذ تناوله اللقاح. ونتيجة لذلك، بات يسري الفيروس في أمعائه لحوالي ٣٠ سنة ومازال يظهر في فضلاته حتى اليوم، طبقاً لتقريرٍ جديدٍ عن هذه الحالة.

ومع أنه من المعروف بأنَّ أجسامَ بعضِ الاشخاص قد تحتضن الفيروس لفترات طويلة، إلّا انَّ هذه الحالة كانت أطول حالةٍ مسجلةٍ لبقاء الفيروس في الجسم. فمثل هذه الحالات قد تؤدي لانتشار فيروس شلل الأطفال، مما قد يؤثِّر سلبا ً على الجهود المبذولة للقضاء على هذا الفيروس، حسب ما يقوله الباحثون.

وبهذا، فقد طرحت نتائج التقرير أسئلة عن الطريقة المثلى لحماية المجتمع من مثل هذه الفيروسات لشلل الأطفال (أي الفيروسات المحتضنة لفترات طويلة). فقد تم القضاء على هذا الفيروس كلياً في معظم دول العالم ما عدا عددٍ قليلٍ من الدول مثل أفغانستان وباكستان. ومع ذلك، فقد عاود الفيروس الظهور في بعض الدول كسوريا منذ سنواتٍ قريبة.

هناك نوعان من لقاح شلل الأطفال للوقاية من المرض، أولهما عبارة عن سلالة ميتة من الفيروس ويتوجب حقنها، بينما يتكون الآخر من الفيروس الحي والمُضعّف ويؤخذ فموياً.

للقاح الفموي عدة جوانب إيجابية، منها سهولة تناوله، وقابليته الأسرع على إيقاف تكاثر الفيروس في الأمعاء في حال تعرض الشخص للفيروس بعد التلقيح. ولكن مع ذلك هنالك خطرٌ ضئيلٌ من أن يُصاب الإنسان بالحمّى جرّاء هذا التلقيح، كما وهناك خطر أن يسكن الفيروس أمعاء الشخص بعد التلقيح الفموي. يعمل هذا اللقاح على تحفيز تطوير المناعة في منطقة الأمعاء ضد الفيروس، لأن الفيروس المضعف لا يملك القدرة على التضاعف السريع مما يسهل عمل جهاز المناعة على تطوير دفاع ضِدّه. فعادة ما يتم تنظيف الفيروس من الجسم خلال ست إلى ثمان أسابيع بعد التلقيح، ولكن في بعض الحالات النادرة جدّاً، لا يستطيع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في جهاز المناعة تنظيف الجسم من الفيروس، فيبقى الفيروس ليتضاعف في أمعائهم. وهذا ما حصل مع المريض المذكور في الحالة، وهو رجل من العرق الأبيض، في الـ ٢٩ من عمره، والذي قد أخذ اللقاح منذ أن كان رضيعاً، واستمر الفيروس معه، (دون إصابته بالمرض).

قام الباحثون بتحليل مئة عينة براز مأخوذة من هذا المريض والتي تم تحصيلها بين عامي 1995 و 2015، وقد وجدوا كميات عالية من الفيروس في العينات. وأظهرت الاختبارات أيضاً أنّ الفيروس الموجود في أمعاء المريض كان مختلفاً عن ذلك الموجود في اللقاح مما يشير إلى نشوء طفرات مختلفة من الفيروس عبر الزمن. وقد أدى حقن الفئران بالفيروسات المستخرجة من أمعاء المريض إلى شللها، مما يعني بأن هذه السلالات الفيروسية فتّاكة. وعلى عكس ذلك، فقد أثبتت الفحوصات التي أُجريت مخبرياً على عينات دمٍ مأخوذةٍ من أشخاص قد أخذوا لقاح شلل الأطفال بأن الأجسام المضادة في دمهم كانت قادرة على محاربة سلالة الفيروس المأخوذة من المريض المذكور.

(الأجسام المضادة: هي جزيئات حيوية مناعية، شكلها يشبه شكل الحرف الإنكليزي "Y"، وتتواجد بالدم بشكل رئيسي، وتقوم بالالتصاق بأماكن معينة على سطح الميكروبات الدخيلة، لتساعد الخلايا المناعية على تعقبها وقتلها).

هذه النتائج مطمئنة، حيث إن الإنسان محميٌّ ضدّ الإصابة من سلالات الفيروس المختلفة. ولكن، هذه العينات قد جُرّبت على أشخاص تلقّحوا فقط عن طريق الفم، ولم يُجرى الفحص نفسه على أناس تلقوا لقاح الفيروس المضعّف عن طريق الحقن الوريدي فقط. وهذا يجعل الجانب معتماً، فليس من الواضح أن هؤلاء الذين تلقحوا وريدياً لديهم نفس المستوى من الحماية ضد الفيروس مقارنة باولئك الذين تلقحوا عن طريق الفم. ففي الولايات المتحدة، بدأ تلقيح الأطفال بلقاح الفيروس المضعف منذ العام ٢٠٠٠، أما قبل ذلك، فكان اللقاح عبر الفم هو المستخدم.

يقول الباحثون بأنه يوجد ٧٣ حالة موثقة عن أشخاص يعانون من مشاكل في جهاز المناعة وتضاعف الفيروس بأمعائهم لفترات طويلة. إلا أنه من الممكن أن بعض الحالات لم تُكتشف بعد. فقد وُجدت عينات مختلفة لسلالات فيروس شلل الأطفال والتي تختلف عن سلالة الفيروس المستخدم في اللقاح، والتي تم استخراجها من عينات لمياه المجاري من سلوفاكيا، فنلندا، استونيا، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة. بالتالي، تقترح هذه النتائج بأن هنالك عدداً غير معروفٍ من الأشخاص الذين يطرحون الفيروس بشكل مزمن في مكان ٍ ما، بحسب الباحثون.

ويضيف الباحثون أنه من الواجب مراقبة عينات البراز والصرف الصحّي للتحري عن سلالات فيروس شلل الأطفال. ومن الضروري أيضاً إيجاد مضاد فيروسي لمثل هذه الحالات، حيث لا يوجد لها أي علاج فعال لإيقاف تضاعف الفيروس.

هذه الإجراءات ضرورية حتى يصبح بالمقدور تحديد الأخطار الكامنة في هذه السلالات الشاذة، وبالتالي التحكم بانتشارها كي لا تسبب الأمراض للصحة العامة. ونهاية، يشير الباحثون إلى الحاجة الماسّة للقاح جديد للقضاء على المرض بشكل كامل.

المصادر:

هنا

هنا

البحث الأصلي: هنا