العمارة والتشييد > التصميم المعماري

لماذا نرغب ببناء أبنية أطول فأطول؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

هل تساءلتم يوماً عن سبب انتشار ناطحات السحاب عالمياً؟ وعن سبب الرغبة المتزايدة بإنشائها في العمارة الحديثة؟ هل حقاً نحن بحاجة لهكذا مبانٍ شاهقة أم أنّها فقط نتيجة رغبة غير واقعية؟

سواءٌ أعجبتنا أم لم تُعجبنا إلّا أنّ هذه الأبنية في تزايُدٍ مطَّرِد حول العالم، ولا بدَّ من وجود مبرّراتٍ قويةٍ لظهورها.

ناطحة السحاب، على عكس النحت أو الرسم، لا يمكن أن تكون من عمل فنانٍ واحدٍ بمفرده، فهي نتاجٌ لتعاونٍ بين المهندسين المعماريين وكبار المدراء التنفيذيين والحدادين والمصرفيين وأصحاب رؤوس الأموال. مثل أهرامات الجيزة وما كانت تمثّله في مصر القديمة، ناطحة السحاب - في عصرنا – قد تكون الرمز الأعظم للإنتاج الثقافي. وقد اعتقد البعض أنّ بناء الأبراج العالية سيتوقف بعد أحداث 11/9، لكن ما يقارب نصف ناطحات السحاب في العالم حاليّاً قد تمّ بناؤها بعد العام 2000.

النفعية، والتعالي، والطموح والهيمنة، هذه هي الأسباب الرئيسية لظهور واستمرار بناء الأبنية العالية. فعندما ابتدأت قيم الأراضي بالارتفاع في مناطق مثل مركز مدينة شيكاغو ومدينة نيويورك توجّه التوسع بشكل شاقولي نحو السماء، وأصبح هذا ممكناً بفضل التطورات التكنولوجية مثل المصاعد وبشرات الإكساء والتغطية والفولاذ شديد الصلابة.

لكن اليوم، ومثل الكثير من الأشياء في حياتنا، أصبحت ناطحات السحاب تحمل قيمةً رمزية، من هرم ترانساميركا سان فرانسيسكو Transamerica (تصميم Pereira Associates بالتعاون مع شركة Johnson Fain)، حيث تم اختيار التصميم النهائي من قبل ترانساميركا وانتهى بها المطاف لتصبح رمزاً للشركة نفسها، إلى برج خليفة في دبي الّذي يمثّل نصباً تذكارياً وطنياً يعبّر عن الحداثة والوصول إلى العالمية، وترمز الأبنية الشاهقة إلى طموحاتهم وتطلعاتهم. فبرج خليفة، على سبيل المثال، الّذي يبلغ ارتفاعه 2717 قدم (828 م)، أطول من برج سيرز Sears Tower في شيكاغو ومبنى إمباير ستيت Empire State في مانهاتن مجتمعين.

إذا اقتفينا أثر القوى والظروف الّتي انبثقت منها ناطحات السحاب، آخذين بحسباننا المدن المزدهرة بشكل متزايد في آسيا والشرق الأوسط وتزايد الأبنية ذات الاستخدامات المتعددة نعود للعام 1996 لنجد أنّه ثمانٍ من ضمن أطول عشرة أبنية في العالم كانت في الولايات المتحدة، وكان واحدٌ منها فقط متعدد الاستعمالات (يضم وظائف تجارية، وترفيهية، ومكاتب وسكن). أما اليوم، فأطول عشرة أبنية في العالم تقع كلُّها خارج الولايات المتحدة، وكلُّها على الإطلاق متعددة الاستعمالات. حيث أصبحنا نتوسّع شاقولياً لنمارس كل طقوس وأنشطة حياتنا اليومية، فنعيش في أحد الطوابق، ونتسوّق في آخر، ونمارس الرياضة ونحضر الحفلات و نتنشق الهواء الطلق في طوابق أخرى، إنه لَتحوُّلٌ كبير.

شكّلت الاعتبارات المناخية والبيولوجية كالتهوية والإنارة عاملاً مهماً آخر في تحديد شكل الأبنية الحديثة، وقد وجد المعماري الإنكليزي نورمان فوستر Norman Foster سُبُلاً لإيصال الضوء الطبيعي إلى عمق مبانيه، في حين أنّ المعماري الماليزي كين ينج Ken Yeang ينتزع من تغطية مبانيه لخلق مناخات زراعية مصغّرة وفيرة، سواءً في الشمس أو في الظل.

تماماً كما في الخمسينيات والستينيات كان هنالك تأثيرات واضحة بين عالم العمارة بناطحات سحابه النقية والأنيقة، وعالم الفنون الجميلة بإبداعاته. و اليوم وصل تأثير عصر المعلومات والتكنولوجيا إلى لأبنية الشاهقة. وبالإضافة لدورها الرمزي، يجري إعادة التفكير بسطوحها الخارجية لتحمل محتوى بصري ومعرفي. ففي مناطق معينة في مراكز المدن، أصبحت الفضاءاتُ الخارجيةُ أكثرَ قيمةً من الفراغات الداخلية. حيث أنّه في بعض الأحيان أزعجت اللافتات المضيئة ليلاً السكان المجاورين، ونهاراً أزعجت اللافتات الإعلانية سكان المبنى نفسه لحجبها الإضاءة الطبيعية الداخلة للمبنى، ومؤخّراً عُرض على مصمم لدراسة الأسطح الخارجية لمبنى نقوداً أكثر من تصميم الوحدات الداخلية.

يُعتقَد أنّه في المستقبل سيتم التوجُّه إلى الواجهات الخارجية للأبنية الشاهقة وسيكون ذلك موضع للنقاش، إن كنا سنحصل على سبب جديد لبناء الأبنية الشاهقة سيكون الفن العام هو ذاك السبب، فكل ناطحة سحاب هي في الواقع مشروع لقطعة فنية محتمَلة، ورغم أنّها قد تموَّل وتُشغَل من قبل القطاع الخاص إلّا أنّها جزء من الفراغ العام ومشكّل بصري مهم لجميع شاغليّ المدينة.

هل تعتقد بأنَّ ناطحات السحاب موضة وستنتهي؟ أم أنّك تجد مبررات إنشائها منطقية؟

في اعتقادك ما الأسباب الأخرى غير المذكورة في المقال لانتشار الأبنية الشاهقة؟

المصدر:

هنا