البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

هل يُعيق الاستخدام المتكرِّر للمضادات الحيوية نموَّ الأطفال؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

كشفت دراسةٌ حديثةٌ أُجريت على الحيوانات أنَّ استخدام المضادات الحيوية بشكلٍ متكررٍلعلاج الأطفال قد يُشكِّل أثراً كبيراً على نموهِم وتطورهِم.

بدايةً، كيف تمَّت التجربة؟

أُجريت التجربة على إناث الفئران، حيث أُعطيت هذه الإناث نوعين من المضادات الحيوية المستخدمة على نطاق واسع في مرحلة الطفولة هما الأموكسيسلين وهو مضاد حيوي واسع الطيف، والتايلوسين وهو يمثل فئة من الماكروليدات التي تحظى بشعبيةٍ متزايدةٍ في طب الأطفال. قسِمتِ الفئران إلى فئتين: الأولى شاهدة لم تعطَ أيُّ نوعٍ من هذه المضادات، والثانيةُ أُعطيت ثلاث دوراتٍ علاجيةٍ قصيرةٍ إما من الأموكسيسلين أو من التايلوسين أو مزيجٍ من العقارين السابقين معاً، وقد طَبَّقَ الباحثون جرعاتِ الادويةِ من حيثُ التركيزِ والمقدارِ تماماً كما توصفُ في أول عامين من عمر الطفل... وتمت مراقبة تأثير هذه الجرعات على الوظائف الحيوية للفئران.

ماذا كانت النتائج؟

كانت النتائجُ كما يلي: اكتسبت أنثى الفأر التي تم علاجها وزناً زائداً، ونمت عظامها بشكل أكبر من الفئران غير المعالجة، كما أثرت هذه المضادات الحيوية على بكتيريا الأمعاء وعطلتها.

تتفق نتائج هذه الدراسةِ مع دراساتٍ أخرى متعددةٍ تشير إلى الآثار الجانبية الكبيرةِ التي يتعرض لها الأطفالُ كنتيجةٍ للعلاج بالمضادات الحيوية في وقتٍ مبكرٍ من الحياة، إلا أنهم ركّزوا على أن هذه الأبحاث أُجريت فقط على الفئران، ويقول أحد المشاركين في هذه الدراسةِ " إننا نقوم بإعطاء المضادات الحيوية للأطفال وكأنه لا توجد أي تكلفةٍ حيويةٍ لهذا الاستخدام" وأشار إلى أن الطفل العادي في الولايات المتحدة الأمريكية يتلقى حوالي عشرَ دوراتٍ من المضادات الحيوية قبل سن العاشرة.

تدعَم هذه الدراسة دراسةٌ أخرى أجريت لبحث نفس الموضوع، حيث أشارت الدراسة إلى أنَّ تعرض الأطفال للمضادات الحيوية سوف يؤثر على البكتيريا المعويّة ويعيد برمجةَ طريقةِ الاستقلاب (الأيض) في الجسم، واستعداد الجسم بشكل دائم للسمنة. وبشكلٍ دقيقٍ أكثر وَجَدَتِ الدراسةُ أن إعطاء جرعاتٍ عاليةٍ من عقار التايلوسين لفترة زمنية قصيرة له تأثيرٌ واضحٌ وطويل الأمد على اكتساب الوزن، في حين كان تأثير الأموكسيسلين أكثر وضوحاً على نمو العظام الذي يُعتَبر أساسياً للنمو الطولي.

واستناداً الى معطياتٍ واسعةٍ حول تسلسل ال DNA أظهرت الدراسة أن كلا النوعين من المضادات الحيوية السابقة أثَّر على بكتيريا الأمعاء وعطَّلها، وقد شمل التأثير عدةَ جوانب؛ كتغيُّر بيئة الأمعاء من حيث غناها بالكائناتِ الحيةِ الدقيقة، وتنوعها، وبيئةُ المجمع الأحيائي بشكلٍ عامٍّ أو ما يسمى طبيعة تكوينه، حيث يشير الدكتور Blaser أن هذه الأدوية لم تغيّر فقط من أنواع البكتيريا المعوية بل غيرت أيضاً بأعداد الجينات الميكروبية المرتبطة بمهامٍ استقلابيةٍ محددةٍ.

ويُشَبِه الدكتور Blaser هذا التحول بتحولٍ مفاجئٍ لبلدٍ أغلب ساكنيها من المزارعين الذين يقومون بانتاج الغذاء، إلى بلدٍ يسكنه التجّار الذين يركّزون على التجارة فقط، ويضيف قائلاً نحن نرى تحولاً أساسياً في الجينات الميكروبية الموجودة داخل الأمعاء، ولكنه يشدد في الوقت نفسه على أن الآثارَ الكاملةَ على بكتيريا الأمعاء ما زالت غيرَ واضحةٍ، كما تفيدُ الدراسةُ بأن للمضاد الحيوي (تايلوسين) تأثيرٌ تراكميٌ أكبر بكثيرٍ من تأثير الاموكسيسلين على بكتيريا الأمعاء.

كما انَّ عدد الدورات العلاجية مهمٌ جداٌ في هذا الموضوع؛ حيث وُجِدَ انقطاعٌ في نضج البكتيريا المعويّة بعد الدورة العلاجية الثانية، وانقطاعٌ أكبر بعد الدورة العلاجية الثالثة، كما وُجِد أن بكتيريا الأمعاء التي تتعرض للمضادات الحيوية، تكون أقلَ قدرةٍ على التكيف مع التغيرات البيئية.

دعماً لهذه النتيجة، أُجريت تجربةٌ على على فئرانٍ فتيةٍ مقسمةٍ الى ثلاثة أقسام: تتضمن الفئة الأولى فئراناً غير معالجةٍ بالمضادات الحيوية، والثانية تمّ علاجها بالأموكسيسلين، والأخيرة عُولِجَت بالتايلوسين، وفي اليوم الواحدِ والأربعين غيّر الباحثون النظامَ الغذائيَّ لفئران التجربة ليصبح نظاماً غذائياً غنياً بالدهون، وكانت النتائج كما يلي: الفئران في الفئة الأولى كانت البكتيريا الموجودة في أمعائها قادرة على التطور والتلاؤم مع النظام الغذائي الجديد خلال يوم واحد، أما البكتيريا التي عولِجت بالأموكسيسلين فمنها من تلاءَم في يومٍ واحدٍ ومنها من احتاج إلى اسبوعين ليتلاءم مع النظام الغذائي الجديد، في حين احتاجت البكتيريا المعالجة بالتايلوسين عدة أشهرٍ لتتكيّف مع الظروف الجديدة، ومن الواضح جداً أن تأثير التايلوسين كان كبيراً مقارنةً مع الأموكسيسلين وهذا بحد ذاته يعتبر أمراً مقلقاً، خاصةً بعد زيادة معدل وصف هذا الدواء للأطفال.

وفي النهاية لا بدَّ من الإشارة إلى أنّ الأدلةَ المتراكمةَ من هذه التجارب تسلط الضوءَ حول السلبيات المحتملةِ من الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية وخاصةً عند الأطفال، لهذا كان لا بد من التريث والتفكير ملياً قبل علاج الأطفال في أعوامهم الأولى بدوراتٍ علاجيةٍ متكررةٍ من المضادات الحيوية.

المصادر:

هنا

هنا