الفيزياء والفلك > علم الفلك

دراسةٌ تُظهر أن المغنزيوم قد يكون هو ما يزود المجال المغناطيسي للأرض بالطاقة.

استمع على ساوندكلاود 🎧

ماذا سيحصلُ لو فقدتِ الأرضُ مجالها المغناطيسيّ؟ ستفقدُ الحيواناتُ المهاجرة طريقَها، ستُصبحُ المِلاحةُ عديمةَ الفائدةِ لكلِّ مستخدميها بدءاً من صبيان الكشّافة وانتهاءً بالسُّفن.

لنأخذْ بدايةً لمحةً سريعةً عن طبقاتِ الأرض. تتكوّن الأرضُ من أربعِ طبقاتٍ هي من الخارجِ إلى الداخل:

1- القشرةُ الأرضيّةُ : وهي طبقةٌ صلبةٌ تتراوحُ سماكَتُها من 8 كيلومتر وحتى 32 كيلومتر.

2- الوِشاح: وهي طبقةٌ من الصّخورِ المنصهرةِ. تبلغُ درجةُ حرارتها في الأعلى 871 درجة مئويّة وتصل في أسفلها إلى 2200 درجة مئويّة. سماكتُها حوالي 2896 كيلومتر.

3- اللبّ الخارجيّ: وهي طبقةٌ ذاتُ درجةِ حرارةٍ مرتفعةٍ تبدأ من 2200 درجة مئويّة وتصلُ حتى حوالي 5000 درجة مئويّة، لذا تكون فيها جميع المعادن في الحالة السائلة. تبلغ سماكتُها حوالي 2254 كيلومتر.

4- اللبّ الداخليّ: وهي طبقةٌ ذاتُ درجةِ حرارةٍ تبلغُ 5000 درجة مئويّة ولكنّ الموادّ فيها تبقى في الحالةِ الصّلبةِ بسببِ الضّغطِ الهائلِ عليها والذي يبلُغُ 3 مليون ضغط جوي. تبلغُ سماكتُها حوالي 1288 كيلومتر.

آليةُ تَشكّلِ مجالِ الأرضِ المغناطيسيّ:

تُولِّدُ الحركةُ العنيفةُ لُلبّ الأرضِ المُنصهرِ تيّاراتٍ كهربائيّةٍ عبرَ عمليّة تدعى بالدينامو (عمليّةٌ تتحوّل فيها الطّاقة الميكانيكيّة لطاقةٍ كهربائيّةٍ وهي ذات الآليّة التي يعملُ بها المولّد الكهربائي)، وتُنتِجُ هذه التيّاراتُ بدورها مجالَ الأرضِ المغناطيسيّ. لكن لا تزالُ الآليةُ التي يتزوّد بها مجالُ الأرضِ المغناطيسيّ بالطّاقةِ مجهولةً برغمِ أهميتها، وتكثرُ الآراءُ حولَها ولكن لا يستطيعُ أياً منها تفسيرُ عُمُرِه، إذ يعودُ تاريخهُ لثلاثةِ ملياراتٍ و أربعمئةِ مليونِ عامٍ على الأقلّ.

يُمكنُ أن تعطيَ الدراسةُ الجديدةُ مفتاحَ الإجابةِ: المغنزيوم المتواضع.

يقول الباحثُ الدكتور جوزيف أوروك Joseph O'Rourke من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا " لولا هذهِ الحركاتُ العنيفةُ لإضمحلَّ مجالُ الأرضِ المغناطيسيّ وخمدَ في غضونِ عشرةِ ملايين عام". لكن ما يمُدُّ هذهِ الحركةُ بالطّاقةِ لا يزالُ مبهماً، إذ تَفشلُ الفرضيّتانِ الرائجتانِ؛ وهما التصلّب البطيءُ للنّواةِ الدّاخليّةِ للأرضِ والنّشاطُ الإشعاعي بتفسيرِ تزويدِ المجالِ المغناطيسيّ بالطّاقةِ منذُ نشأته وحتى الآن، إذ تُشيرُ السجلّات الصخريّة أنّ العمرَ التقريبيّ لمجالِ الأرضِ المغناطيسيّ يبلُغُ ثلاثةَ ملياراتٍ وأربعِمئةِ مليونِ عامٍ على الأقلّ وقد يصلُ عمرُه لأربعةِ مليارات ومئتيّ مليونِ عام. يقولُ عالمُ الكواكبِ فرانسيس نيمو Francis Nimmo: "يوفّر تبريدُ النّواةِ الدّاخليّةِ للأرضِ (التصلّب البطيء) ما يكفي لتزويدِ المجالِ المغناطيسيّ الأرضيّ بالطّاقة لمدّة مليارِ عامٍ تقريباً فقط، كما أنّ كميّة الموادّ المشعّة في نواةِ الأرضِ لا تكفي لتُصبحَ فرضيّة النّشاطِ الإشعاعيّ صالحة".

اقترحَ الباحثُ جوزيف أورورك Joseph O'Rourke وعالمُ الكواكبِ من معهدِ كاليفورنيا للتكنولوجيا ديفيد ستيفنسون David Stevenson في دراسةٍ جديدةٍ نُشرِت في إصدارِ هذا الأسبوعِ من مجلّة Nature آليّةً كيميائيةً جديدةً تتسبّبُ بفوارقَ في الطفو ضمن باطِن الأرضِ، وهذه الفوارقُ هي ما يُشغّلُ هذا المولّد الكهربائيّ الجيولوجي. بَيّن الباحثانِ باستعمالِ نماذِج حاسوبيةٍ أنّ من عواقبِ تصادمِ الأرضِ بأجسامٍ ضخمةٍ - كالتي أمطرتها في المراحلِ الأولى لتشكّلها - انحلالُ كمياتٍ صغيرةٍ من عنصرِ المغنيزيوم في لبّ الأرضِ الغنيِّ بالحديد. يقولُ أوروك O'Rourke: "تشكّلت الأرضُ بسلسلةٍ من التّصادماتِ العملاقةِ والعنيفةِ جداً، من الممكنِ لتلكَ التّصادماتِ أن تُسخّنَ طبقةَ الوشاحِ لدرجاتٍ قد تصلُ لسبعةِ آلافِ كلفن. من الممكنِ في درجات حرارةٍ كهذهِ لعناصرَ لا تختلطُ عادةً مع الحديدِ أن تنحلّ فيه، كالمغنزيوم"، ولكن مع انخفاضِ درجةِ حرارةِ لبِّ الأرضِ فإنّ المغنيزيوم يُلفظُ من قبلِ اللبِّ الخارجيِّ على هيئة خلائطَ معدنيةٍ غنيةٍ بالمغنيزيوم، وتطفو هذه الخلائطُ على حدودِ وشاحِ النّواة.

يقولُ أورورك O'Rourke شارحاً: "عندما تنفصلُ الخلائطُ المعدنيّةُ الغنيّة بالمغنيزيوم عن اللبّ فإنّ ذلك يزيد من كثافتِهِ،أيّ كثافة اللب (فكثافةُ المغنزيوم منخفضةٌ مقارنةً بكثافةِ بقيّةِ مكوّناتِ اللبّ)، ويطلق تكثُّف الكتلةِ بهذا الشّكلِ طاقةَ الجاذبيّةِ التي تعملُ كمصدرِ طاقةٍ بديلٍ لتشغيل الدينامو"

بحسب أورورك O'Rourke وستيفنسون Stevenson، فإن آليّة ترسّبِ المغنزيوم التي اقترحاها قد زوّدت المولّد الجيوكهربائي بالطّاقة لملياراتٍ من السنين حتى بدأ اللبُّ الداخليُّ بالبرودةِ والتصلّب. تُشيرُ التقديراتُ الحاليّةُ إلى أنّ هذا قد حصلَ منذ حوالي مليارِ عام، ومنذُ ذلكَ الوقتُ بدأت عمليّتان مترادفتان بالعملِ معاً لتزويدِ مجالِ الأرضِ المغناطيسيّ بالطّاقة. يقول أورورك gasp emoticon'Rourke " يتسبّبُ ترسُّبُ المغنزيوم بانتقالِ الحديدِ من الطّبقةِ العليا للبّ، بينما يتسبّبُ تحرّرُ العناصرِ الخفيفةِ من اللبِّ الداخليّ (وفق فرضيّة التصلّب البطيء) بانتقال الحديد من الأسفل"

يقولُ عالمُ الكواكبِ نيمو Nimmo، والذي لم يشارك بالدّراسة، إنّهُ معجبٌ بفرضيّةِ ترسِّبِ المغنزيوم لأنها تستندُ إلى افتراضين اثنين فقط، الأوّلُ: تسخينُ الأرضِ خلالَ تصادُمِها بأجسامٍ ضخمةٍ، وخلالَ تلكَ التّصادمات تتعرّض النّواةُ المعدنيّة للأجسامِ المتصادمةِ لمادةٍ موشّحةٍ بالسيليكات. من الصّعبِ دحضُ هذا الافتراض، إلّا أنّه من الصّعبِ أيضاً معرفةُ إلى أيّ حدٍّ ستسخُنُ الأرض. أمّا الافتراضُ الثّاني فهو أقلُّ ثباتاً، ولكن يتّفقُ معظمُ العلماءِ أنّ معَ تصادمِ الأرضِ بأجسامٍ صخريّةٍ أثناءَ مراحلِ تشكّلها الأولى فإنّ بعضَ العناصرِ المكوّنةِ لتلك الأجسام كالمغنزيوم تنقلُ إلى الوشاح. "بمجرّد أن نسلّم بهذين الافتراضين، فكلّ ما يتبقّى هو تحصيلُ حاصل"

كلّ ما نحتاجُهُ الآنَ بحسبِ نيمو Nimmo هو تجاربُ لاختبارِ صحّةِ أفكارِ أورورك O'Rourke وستيفنسون Stevenson إذ أنّ دراستَهم مبنيّةٌ بشكلٍ رئيسيٍّ على توقّعاتٍ حاسوبيّةٍ حول الكيفيّةِ التي ينفصلُ بها المغنزيوم مع تغيّرِ درجاتِ الحرارة. وقد بدأ بعضُ الباحثين فعلاً بالعملِ على هذه التجاربِ، وقد يكونُ الأمرُ مجرّد مسألةِ وقتٍ قبل أن يحدّدَ العلماءُ بدقّةٍ ما يُبقي على مجالِ الأرضِ المغناطيسيّ قائماً.

يقول أورورك O’Rourke "لا تفسّرُ آليتُنا كيف كان يعملُ الدّينامو فقط، بل تفسّرُ أيضاً سببَ عملهِ حتى الآن".

المصدر:

هنا