الطب > مقالات طبية

كيف مارس المصريون القدماء الطب؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

إذا ما مرض أحدٌ منا في الزمان القديم، فإنّ مصر كانت واحدة من أفضل البلاد لعلاجه. فعلى الرّغم من أنّ ممارسة الطب كانت بدائيّة مقارنةً بما نحن عليه اليوم، إلا أنّ أطباء مصر أظهروا معرفة عظيمة بجسم الإنسان.

اشتهر المصريّون بالنظافة وخوفهم من الأمراض؛ لهذا السبب أصبحت دراسة الطبّ من أولويّاتهم، فقد فعلوا كل ما بوسعهم لعلاج الأمراض ومنعها. إنّ الحضارة المصريّة المتّسمة بالتعلم و التقدم المستمر قادتهم لدراسة جسم الإنسان وإجراء التجارب والعلاج.

اعتقد المصريون أنّ المرض غالباً ماكان بسبب غضب الآلهة أو الأرواح الشريرة والسحر، وتبعاً لذلك عُرِفَ عنهم أنّ عملهم مشابه لعمل آلهة الشفاء مثل Sekhmet.

يُعتبر المصريّون أوّل من استخدم كلمة دماغ، كما نشأت لديهم بعض المفاهيم عن الجهاز العصبيّ، وكيفيّة التعامل مع الدماغ دون قتل المريض، إلا أنّ معرفتهم بوظائف الدماغ كانت سطحية، فكانوا يعتبرون أنّ التفكير من وظائف القلب.

امتلكوا المعرفة التشريحيّة، وأدركوا العلاقة بين النبض والقلب، دون أن يكون لديهم أيّ فهم للدورة الدموية.

شمل الطب المصري قديماً مجالاتٍ عدّة: كالصيدلة وطبّ الأسنان وأمراض النساء وتضميد الجراح والتشريح والتحنيط، فوفقاً لHerodotus كان الأطبّاء على درجةٍ عاليةٍ من التخصّص، حيث أنّ كل طبيب كان يعالج نوعاً واحداً من الأمراض. كما يعتقد أن إمحوتب هو أحد مؤسسي علم الطبّ فقد كان أول طبيبٍ ذاع صيته في التاريخ.

اكتسب الأطباء المصريون القدامى معظم معرفتهم في التشريح من تحنيط الموتى وإعدادهم لحياة ما بعد الموت، وإزالة معظم الأعضاء كالدماغ والأمعاء والرئتين والكبد وغيرها، مما أتاح لهم فحص ومعاينة العديد من العيّنات.

كان هنالك عددٌ قليلٌ من العلماء الذين أدركوا أهمية المرض والصحة، حيث شهدت تلك الفترة دراسةً أكاديميةً للطب المصري، شملت ثلاثة أقسام:

أولاً: دراسة أوراق البردي الطبيّة:

كتب بعض المصريّين مخطوطاتهم في الطب على أوراق البردي، التي كان لها أهميّةٌ كبرى في فهم حالات الصحة والمرض في مصر القديمة وإمكانية العلاج. شملت هذه الأوراق:

• بُردية Edwin Smith الجراحية:

تُعتبر هذه البرديّة من أهم الوثائق الطبية في وادي النيل، يُعتقد أن إمحوتب هو من كتبها، كما تُعتبر ثاني أطول ورقة بردي. تضمّ التشخيص الجراحيّ والعلاج، حيث تحتوي على نصوص متعلّقة بجروح الرأس، متبوعةً بعلاجاتٍ لجروح الوجه وكيفيّة التعامل مع إصابات الحلق والرقبة والتعامل مع العمود الفقريّ واليدين وشِكايات الصدر.

• بُردية Ebers:

تمّ العثور عليها بين ساقَي المومياء في مقبرة Theben وهي أكثر البرديّات الطبية طولاً إذ تضم 110 صفحات. يعود تاريخها إلى 3000 سنة ق.م و تمّ تأريخها في السنة التاسعة من عهد أمنحوتب الأوّل.

تتكوّن من مجموعة كبيرة من النصوص الطبية المختلفة وفق ترتيب عشوائي، ويتحدث قسم كبير منها عن أمراض المعدة والطفيليّات والأمراض الجلدية (التهيّجية والتقرّحية والتقشّرية) وأمراض الشرج والمسالك البولية، كما تتضمّن وسائل العلاج لأشكال السعال المختلفة.

أمّا ما تبقّى منها فقد كان يناقش الحالات الطبية التي تخصّ الشعر وإصابات الحروق والجروح وأمراض أصابع القدمين والساقين وأمراض الفم والأسنان، والحنجرة والأذن والأمراض النسائيّة.

• بُرديةKahun :

يعود أصلها للعام 29 من حكم أمنحوتب الثالث (1825 ق.م). تضمّنت هذه البُرديّة الجهاز التناسلي لدى الأنثى وأمراض النساء، حيث تناول أول قسمٍ وصفاً موجزاً للأعراض، أمّا القسم الثاني فتناول كلّ ما يخصّ الولادة والحمل ووسائل منع الحمل، في حين تناول القسم الثالث اختبار الحمل وشمل عدّة أساليب للكشف عنه وتحديد النتائج الإيجابية، كما تحدّث القسم الرابع عن أوجاع الأسنان خلال فترة الحمل ووصف الناسور بين المثانة والمهبل مع سلس البول.

· بُردية Berlin الطبية

· بُردية London الطبية

· بُردية Hearst الطبية التي كرّرت الوصفات الموجودة في بُردية Ebers.

· بُردية السحر الشعبي والتي تحتوي على وصفات علاجية لأمراض جسدية.ثانياً: القيام بالوصف الإبداعيّ للمرض في وادي النيل..

حيث كان المصريون يميلون لوصف الحياة بطريقةٍ واقعية ممّا يوفّر فرصةً ممتازةً لدراسة المرض.

ثالثاً: دراسة بقايا الجثث والأنسجة للمصريّين القدماء..

مع تقدم التقنيات المتطوّرة في بداية القرن العشرين؛ قدّم تحليل الثروة المصرية من بقايا الجثث البشرية دفعة هائلة لدراسة حالات الصحة والمرض في وادي النيل القديم.

التحقّق من أنواع الأمراض من خلال البقايا البشرية والوصف الفني والإبداعي:

انتشرت الأمراض الطفيليّة كالبلهارسيا، والعدوى البكتيرية كالمتفطّرة السلّية (Mycobacterium tuberculosis)، والعدوى الفيروسيّة كشلل الأطفال (Polio) الذي يصيب خلايا القرن الأمامي للحبل الشوكيّ، إضافةً إلى التشوّهات كالقزامة (أي أن يكون الرأس والجذع بحجم طبيعي مع قصرٍ في الأطراف). كما لم يكن ممكناً استبعاد الكيسات العظمية والكسور الانضغاطية والتهاب نِقِيّ العظم كأسباب للوفاة.

الأمراض:

وصلت معرفة المصريين إلى اليونان من خلال أطباء الإسكندريّة، فمن الأمراض التي قاموا بعلاجها الشكاوى اليومية كاضطرابات المعدة والأمعاء والصداع، إضافةً إلى الأمراض التي تنتقل عن طريق الحشرات كالملاريا والتراخوما (الرمد الحبيبيّ و هو مرض عينيّ).

انتشر البعوض والديدان الطفيليّة التي تسبّبت في تشوّهات داء الفيل، كما تفشّت الأمراض المعدية في وادي النيل.

طب الأعشاب:

لعب طبُّ الأعشاب دوراً رئيسيّاً في الطب المصريّ، حيث شمل الأفيون والقنّب واللبان والشمرة والأكاسيا والزعتر والحنّاء والعرعر وغيرها الكثير.

استُخدِمَ القرنفل مع الخل لمعالجة التهاب الحلق وآلام الأسنان، والثوم المنقوع في زيت الزيتون لنزلات البرد، والثوم الملفوف بالشاش مع القرنفل للحماية من الأمراض المعدية مثل نزلات البرد والإنفلونزا، والكزبرة والكمون لانتفاخ البطن، والصفصاف والأكاسيا للحروق، واللُفّاح للشهوة الجنسية.

طب الأسنان:

يبدو أنّ مهمّة طبيب الأسنان موجودةٌ منذ أوائل الألفية الثالثة ويعدّ Hesi-re أوّل طبيب أسنانٍ معروف.

كان تسوّس الأسنان شائعاً ضمن الطبقة الراقية من المصريّين، ثم أثّر على سائر الطبقات الاجتماعية، وكان يُشار إليه كدودة تلتهم الأسنان.

كانوا يستخدمون حشواتٍ مصنوعةً من الراتنج (مادة كالصمغ تفرز من النبات) والكريزوكولا، إضافةً إلى وسائل علاجية مقوّية للأسنان ومسكّنة لآلام الفم.

عالجوا تورّم اللثة وحفروا ثقوباً لمعالجة الخرّاجات إلا أنّه ندر اللجوء إلى قلعِ الأسنان الذي كان بوسعه إنقاذ حياة الكثيرين. كما وُجِدَت أمثلة قليلة حول ممارستهم لطب الأسنان الترميمي.

إنجازات المصريين القدماء في الجراحة:

قام المصريّون بعدّة عملياتٍ جراحية كبتر الأطراف، وختان اليافعين باستخدام مخدّرٍ موضعيّ. اعتُبِر ختان الأطفال من ضمن طقوس التطهير الأولى إلى أن أصبحت ممارسة الختان أكثر عالميّة خلال العصور التالية وربما جزءاً من طقوس البلوغ. يُعتَبر أن السوريّين قد تعلموا الختان من المصريّين.

أُجريت أول جراحة عام 2750 ق.م. استخدموا سكاكين حجر الصوّان أو الزجاج البركاني، فقد كانت تُحمّى حتى تتوهّج باللون الأحمر ثم تُجرى شقوق بواسطتها تحصر الأوعية الدموية وتحدّ من النزيف.

وُجِدَ في معبد Sobek عدّةُ أدواتٍ طبيّة كمناشير العظام وكؤوس الشفط (الحِجامة) والمشارط وأدوات طبّ الأسنان.

لم يمتلك المصريون معرفةً كافيةً كالمعرفة التي نمتلكها اليوم، لكنّ جهودهم في ذاك الوقت تستحقّ كلّ الإعجاب والتقدير إضافةً إلى الوثائق التي تركوها لنا كي نمضي قُدماً على مرّ التاريخ.

الصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

حقوق الصورة:

هنا

هنا