الهندسة والآليات > منوعات هندسية

هل علينا أن نُفكر في خطر الذكاء الصنعي؟ ما التهديد الذي سيشكله الذكاء الصنعي في المستقبل على البشرية؟

إن كنا سنصدق مقالة صحيفة النيويورك تايمز الأخيرة(1)، فإن الذكاء الصنعي يتقدم بسرعة كبيرة يمكن وصفها بالسحرية. اليوم أصبح بين أيدينا سيارات ذاتية القيادة، و بيوت ذكية و غيرها من التقنيات الحديثة التي ما كنا لنحلم بها قبل عقد أو عقدين من الزمن

أن ما يدعو للخوف من وجهة نظر بعض العلماء أنه لا يمر شهر إلا و يُعلن فيه عن منتج أو تقنية جديدة في مجال الذكاء الصنعي ، لكن هذه الحماسة قد تكون سابقة لأوانها ، فقد لوحظ سابقا أنه إلى وقتنا هذا لم يتم صناعة آلات لديها الحس السليم و الرؤية السليمة أو ألات لديها القدرة على معالجة اللغات الطبيعية أو صناعة آلات أخرى ، و كل ما تم صناعته يصب في محاكاة مباشرة للأدمغة البشرية البدائية

ويبقى الاختلاف الوحيد بين المشككين والمتحمسين للذكاء الصنعي هو الإطار الزمني. يقول المتنبئ والمخترع راي كورزويل Ray Kurzweil: "سيرتقي الذكاء الصنعي إلى المستوى البشري في أقل من عقدين من الزمن". في اعتقادي إننا نحتاج على الأقل ضعف ذلك، خصوصاً إذا لاحظنا مدى بطء التقدم في برمجة الحس السليم، فتحديات بناء نظام ذكاء صنعي – خاصة على مستوى البرمجة – أصعب بكثير مما يُسهله كورزويل.

بعد مرور قرن من الزمن لن يهتم أحد بمقدار الوقت الذي أخذناه لبناء هكذا نظام، بل سيهتم بفائدة هذا النظام عليه. على ما يبدو ستكون الآلات أذكى منا قبل نهاية القرن الحالي – ليس في الشطرنج فقط أو اسئلة الاختبارات -ولكن في كل شيء تقريباً، من الرياضيات والهندسة وحتى العلوم والطب. قد تبقى بعض الوظائف للفنانين، الكُتَاب، وأنواع إبداعية أخرى، ولكن ستكون الحواسيب عندها قادرة على برمجة نفسها بنفسها واستيعاب كميات ضخمة من المعلومات الجديدة، والتفكر بطريقة سنكون نحن – صُناع هذه الحواسيب -قادرين بالكاد على تخيلها. وأيضاً ستكون قادرة على فعل ذلك في كل ثانية من كل يوم، ستكون أسرع منا وأكثر اجتهادا فهي لا تحتاج لساعات نوم ولا تحتاج لاستراحات لاحتساء القهوة

اختلفت أراء العلماء حول الموضوع فمنهم من رأى أن مستقبلنا سيبدو رائعا في عصر الذكاء الصنعي ومنهم من رأى فيه عصر جديد من الوفرة، حيث قال بيتر ديامانديس Peter Diamandis أن التقدم في الذكاء الصنعي سيكون مفتاحاً يقودنا في عصر جديد من "الوفرة"، (طعام – مياه -وحاجيات استهلاكية كافية للجميع).

المشككون، مثل إريك برينجولفسون Eric Brynjolfsson قلقون على آثار الذكاء الصنعي والروبوتات على العمالة. ولكن حتى لو وضعنا جانباً هذا النوع من المخاوف حول ماهية الأثر الذي سيخلفه الذكاء الصنعي الشديد التطور في سوق العمالة، فإن هناك قلق آخر أيضاً: قد يقوم الذكاء الصنعي القوي بتهديدنا بشكل مباشر أكثر، عبر صراعنا على الموارد.

يرى معظم الناس هذا النوع من الخوف لغواً سخيفاً من الخيال العلمي – كفيلم (The Terminator) و (The Matrix). إننا -في مجال تخطيطنا لمستقبلنا القريب –علينا أن نقلق من الكويكبات وانخفاض منسوب الوقود الأحفوري والاحتباس الحراري وليس من الروبوتات. لكن كتاب جديد ل جيمس باررات James Barrat (اختراعنا النهائي: الذكاء الصنعي ونهاية عصر الإنسان) يطرح قضية قوية عن السبب الذي من شأنه أن يقلقنا.

حجة باررات (Barrat) الأساسية، والتي استعارها من الباحث في الذكاء الصنعي ستيف أوموهاندرو Steve Omohundro، هي أن الدفع باتجاه الحماية الذاتية وامتلاك الموارد قد يصبح متأصلاً (فطرياً) في كل أنظمة التوجه الهدفي goal-driven في درجة محددة من الذكاء. يقولها أوموهاندرو بكلماته "إذا كان الروبوت المصمم للعب الشطرنج ذكياً كفاية، فإنه قد يرغب ببناء مركبة فضائية، من أجل الحصول على المزيد من الموارد لتحقيق أياً يكن من الأهداف لديه". ويقول باررات، "إنها فكرة تتعلق بالحماية الذاتية، لتتضمن هجمات استباقية على تهديدات مستقبلية" بما فيها الناس الذين قد يرفضون تسليم مواردهم للآلة. يقلق باررات من أنه "بدون تعليمات حذرة وتعويضية (تدابير موازية) سيقوم نظام هدفي التوجه، ذاتي التطور، وذاتي الإدراك، بالتمادي إلى مجالات قد نراها سخيفة ليحقق أهدافه"، وربما حتى السيطرة على كل طاقة العالم من أجل توسيع حسابات أياً يكن نوعها قد صدف ونالت اهتمامه.

بالطبع، قد يحاول أحدهم أن يمنع وجود الحواسب خارقة الذكاء بشكل كامل. ولكن "الفوائد التنافسية -إقتصادياً وعسكرياً وحتى فنياً- في كل تقدم في الأتمتة لا يمكن مقاومتها"، يقول فيرنر فينج Vernor Vinge، المؤلف في الرياضيات والخيال العلمي "إن تمرير قوانين، أو وضع حدود، تمنع مثل هذه الأشياء، يؤكد تقريباً أن شخصاً ما آخر سيقوم بها"

إذ كانت الآلات ستسيطر علينا في النهاية، كما يعتقد مفترضاً كل شخص في حقل الذكاء الصنعي، يكون السؤال الحقيقي هو حول القيم: كيف نزرعها في الآلات، وكيف سنتفاوض مع تلك الآلات في حال بدأت قيمها بالاختلاف كثيراً عن قيمنا. كما يناقش ذلك فيلسوف جامعة أوكسفورد نيك بوستروم Nick Bostrom: "لا يمكن أن نفترض بسهولة أن أي نظام ذكاء خارق سيشترك بالضرورة مع قيمنا البشرية (حب العلم، التمتع بالحياة، التواضع، الغيرة ... الخ)، قد يكون من الممكن بعد بذل جهد كبير ومدروس أن نبني نظام ذكاء صنعي خارق يقدر تلك الأشياء أو أي غاية معقدة أخرى يريد مصمم النظام هذا أن يخدمها ولكن علينا أن نعلم أن هذا الأمر صعب جدا لغاية هذا الوقت".

وفي احد المرات سُئِلَ عالم التحكم الآلي كيفن وورويك Kevin Warwick: " كيف يمكنك أن تفاوض وتفهم كيفية تفكير تلك الآلة في حين أنها تفكر ضمن أبعاد لا يمكنك أن تتصورها؟".

إذ كان هناك ثغرة في حجة باررات الظلامية، هي في افتراضه السطحي أنه إذا وجد روبوت قادر على لعب الشطرنج، قد يريد أيضاً "أن يبني مركبة فضائية"، وهذا الميل باتجاه الحماية الذاتية وامتلاك الموارد هو متأصل في أي نظام معقد كفاية وهدفي التوجه.

حتى الآن، أغلب الآلات الجيدة كفاية في لعب الشطرنج، مثل حاسوب Deep Blue، لم تظهر أدنى اهتمام في امتلاك الموارد.

ولكن قبل أن نقر برضا أنه لا يوجد شيء لنقلق حوله بعد كل هذا، من المهم أن ندرك أن أهداف الآلات قد تتغير مع ازدياد ذكائها. حالما تصبح الحواسيب قادرة على إعادة برمجة نفسها بفعالية، وتطور نفسها بنجاح، متجهة نحو ما يسمى "التفرد التكنولوجي" أو "انفجار الذكاء"، لا يمكن أن نهمل عندها أخطار آلات تهزم البشر في معارك من أجل الموارد والحماية الذاتية.

أحد أهم الاقتباسات في كتاب باررات تعود ل داني هيلليس Danny hillis، المعجب بالنقلة القادمة نحو واحدة من أهم التحولات في تاريخ التطور البيولوجي: "نحن في تلك النقطة المشابهة للوقت الذي كانت فيه العضويات وحيدة الخلية تتحول إلى عضويات متعددة الخلية. نحن الأمينات وحيدة الخلية ولا نستطيع أن نعرف مطلقاً ما هو هذا الشي الذي نخلقه."

وبالفعل، وجدت التطورات في الذكاء الصنعي أخطاراً لم نكن أبداً لنتخيلها. مع مجيء عصر الإنترنت وما رافقه من انفجار كبير في البيانات، يقول فايبهاف غراغ Vaibhav grag، المتخصص في أخطار الحاسوب في جامعة دريكسيل: "يتم جمع كميات كبيرة من البيانات حولنا وتقدم للخوارزميات لتكوين التنبؤات"، "لا نملك المقدرة على معرفة متى تم جمع البيانات، وهل أنه من الممكن ضمان أن البيانات المجموعة صحيحة، وهل تم تحديث المعلومات، أو وضعها في السياق الضروري لها". قليل من الناس تخيلوا هذا الخطر حتى قبل عشرين سنة فقط. فما الأخطار التي تنتظرنا مستقبلاً؟ في الحقيقة لا أحد يعرف، ولكن لباررات الحق في أن يسأل.

هذه هي بعض من مخاوف العلماء حول تطور الحاسوب والروبوتات والذكاء الصنعي في الآونة الأخيرة، الآن دورك عزيزي القارئ، هل ترى أن لتطور هذه الروبوتات أو لتطور الذكاء الصنعي بالمجمل أخطار قد تهددنا في مستقبل؟ وماهي؟

المصدر :

هنا

هنا