الفيزياء والفلك > فيزياء

دراسة جديدة تجعلنا أقرب إلى تحقيق الإندماج النووي المُتحكَّم به.

استمع على ساوندكلاود 🎧

خَطا فريقٌ دوليٌ من الباحثين خطوةً باتجاهِ تحقيقِ الاندماج النووي المُتحكَّم به، وهو العملية التي تزود الشمس والنجوم الأُخرى بالطاقة، كما يمكنه أن يزود العالم بطاقة نظيفة لا محدودة.

فقد ابتكر فريقٌ من الباحثين بقيادة علماء ومهندسين في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، ومن شركة جنرال أتوميكس General Atomics المتخصصة في أبحاث الفيزياء النووية، تقنيةً جديدةً تعطيهم إمكانية "رؤية" إلى أين تذهب الطاقة خلال العملية المسماة الإشعال السريع، والتي هي طريقة لبدء تفاعلات الاندماج النووي باستعمالِ ليزرٍ عالي الشدَّة. مَكَّن إظهار كيفية تدفق الطاقة الباحثينَ من اختبار طرائقَ مختلفةٍ لتحسين نقل الطاقة إلى الوقود المستهدف في تجربتهم. ونشروا نتائج بحثهم على الانترنت في إصدار الحادي عشر من كانون الثاني من مجلة Nature Physics

تعتمد تقنيةُ الإشعال السريع على أشعة الليزر في تسخين الوقود المؤلف من الديوتيريوم deuterium والتريتيوم tritium إلى درجة حرارة الاندماج ومن ثم إشعاله. وتتم العملية على مرحلتين: في المرحلة الأولى تُبخِّر أشعة الليزر كُريَّة الوقود (التي تتألف عادةً من مزيج الديوتيريوم والتريتيوم مُحتويَين في كبسولة ٍكرويةٍ بلاستيكية) وتضغطها بحيث تتضاعف كثافتها الأصلية آلاف المرات، وفي المرحلة الثانية تُقدَّم الطاقة للوقود المضغوط عن طريق إلكتروناتٍ مُسرَّعةٍ بنبضاتٍ من الليزر عالي الشدة مما يتسبب بتسخينٍ سريعٍ (أي إشعال) لمزيج الوقود المضغوط. تُشبه هذه الطريقة طريقةَ إشعال محرك البنزين بشمعة إشعال. ويعتبر العلماء الإشعال السريع طريقةً واعدةً باتجاه تحقيق الاندماج النووي المُتحكَّم به، لأنه يتطلب طاقة أقل من الطرائق الأُخرى.

لكن العلماء ما زالوا بحاجةٍ لتخطي عقبةٍ كبيرةٍ في سبيل إنجاح الإشعال السريع، وهي كيفية تَوجيه الطاقة من الليزر عالي الشدة نحو المنطقة الأكثر كثافةً في الوقود. يوضح ذلك مدير مركز بحوث الطاقة في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو الدكتور في الهندسة الميكانيكية وهندسة الطيران فرحات بيغ Ferhat Beg: "لقد كان هذا التحدي الأكبر منذ أن طُرحت فكرة الإشعال السريع".

ابتكر الفريق طريقةً لتخطّي هذه المشكلة، فاستطاعوا وللمرة الأولى رؤية أين تنتشر الطاقة عندما يضرب الليزر عالي الشدة الوقود المستهدف. تعتمد هذه التقنية على استعمال واسماتٍ نحاسية داخل كبسولة الوقود، وتعمل كالتالي: عندما يوُجَه شعاع الليزر عالي الشدة نحو الوقود المضغوط فإنه يُنتج إلكترونات ذاتُ طاقةٍ عالية. تصطدم هذه الإلكترونات بالواسمات النحاسية وتُحرِّضها على إصدار أشعةٍ سينية منها يستطيع العلماء التقاطها ورسمَ صورةٍ على أساسها.

علَّق كريستوفر مكغوفي Christopher McGuffey العالم المساعد في مجموعة الفيزياء ذات كثافة الطاقة عالية التي تعمل تحت إشراف بيغ في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وأحد المُشاركين في كتابة الورقة البحثية بقوله: "قبل أن نخرج بهذه التقنية، كان الوضع وكأننا نحدق في الظلام. نستطيع الآن أن نفهم بشكلٍ أفضل إلى أين تنتشر الطاقة، مما يُمكننا من البحث تجريبيًا عن تصاميمَ جديدةٍ تُحسِّن توصيل الطاقة إلى الوقود".

وهذا ما فعله الفريق، فقام بتجريب تصميماتٍ مختلفةٍ للوقود المستهدف وتشكيلاتِ الليزر، وفي النهاية سجل الباحثون ارتفاعًا قياسيًا في فعالية نقل الطاقة من الليزر عالي الشدة إلى الوقود، إذ حصلوا على فعالية تصل إلى 7%. وتُمثِّل هذه النتيجة زيادةً في الفعالية بمقدار أربعة أضعاف ما تحقَّق في تجارب الإشعال السريع السابقة، حسبما يرى الباحثون.

كما تكهَّنت المُحاكاة الحاسوبية بتحقيق فعالية تبلغ 15% فيما إذا طُوّر التصميم التجريبي، ولكن تحتاج هذه التكهّنات لاختبارها تجريبياً قبل التأكد من صحتها. ويأمل بيغ أن يفتح هذا العمل الباب أمام مساعٍ مُستقبلية لتطوير تقنية الإشعال السريع.

المصدر: هنا