الهندسة والآليات > الترانزستورات

ترانزستور ج22 أجيال جديدة من الترانزستورات

استمع على ساوندكلاود 🎧

يتكون دماغ الإنسان من عدد هائل من الخلايا العصبية التي تتواصل مع بعضها بسرعة عالية لنقل للبيانات و إصدار الأوامر للجسم من أجل القيام بالعمليات الحيوية والتنسيق بين أجهزة الجسم المختلفة. كذلك تتكون الحواسيب من عدد هائل من الترنزستورات التي تتواصل مع بعضها البعض لتنفيذ الأوامر التحكمية ومعالجة البيانات. ولكن هل يمكن لهذه الترانزستورات أن تتواصل مع بعضها كالخلايا الدماغية وإلى أين وصل العلم في هذا المجال؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال التالي:

ابتكر الباحثون طريقة لخلق نوع جديد من المفاتيح الثنائية والتي بإمكانها الاحتفاظ بحالتها وتذكر حالتها السابقة بإضافة أو إزالة ذرات أوكسجين من الطبقة الرقيقة لأكسيد المعدن الذي يدخل في تركيب هذه المفاتيح، يمهد هذا الاكتشاف الطريق أمام تصميم دارات يتم فيها نقل الإشارات الكهربائية بطريقة مشابهة لنقل السيالات العصبية في الدماغ البشري. (1)

يعتبر ثاني أكسيد الفاناديوم “VO2” أحد الأكاسيد المعدنية. والذي لديه القدرة على العمل كعازل في درجات الحرارة المنخفضة وكناقل في درجات الحرارة المرتفعة، ويمكن لهذه المادة الانتقال بين الحالتين العازلة والناقلة عند درجة حرارة قريبة من درجة حرارة الغرفة وهذا ما يميزها عن بقية الأكاسيد. (1)

صورة عازل في درجات الحرارة المنخفضة وناقل في درجات الحرارة المرتفعة:

حيث أثبتت التجارب أنه عندما يتم تسخين ثاني أكسيد الفاناديوم (VO2) إلى درجة حرارة أعلى من درجة حرارة الغرفة بقليل تزداد ناقليته الكهربائية بحوالي 10000 مرة. حيث أن زيادة درجة الحرارة تؤدي إلى زيادة اهتزاز الذرات حول محور توازنها مما يؤدي إلى تحولها إلى نواقل،حيث أن قوة الديناميكا الحرارية التي تؤدي إلى انتقاله من عازل إلى ناقل تتأثر بشكل كبير بهذه الاهتزازات الشعرية. بالإضافة إلى ذلك فقد تمكن الباحثون من تحديد الانتشار الكمي المباشر للاهتزازات الشعرية، و كيف أن تغيير الأماكن في المدارات الذرية يساهم في تغيير خصائص الناقلية لهذه المواد. كما وجد أن الاهتزازات الشعرية ذات الطاقة المنخفضة تقوم بتغيير الروابط بين الذرات الأمر الذي يؤدي إلى السماح لبعض الإلكترونات بالتنقل بحرية في درجات حرارة مرتفعة مؤدية إلى التحول للحالة المعدنية "أي التحول إلى حالة الناقلية". (2)

صورة أوكسيد الفاناديوم VO2:

يستخدم ثاني أكسيد الفاناديوم (VO2) في تطبيقات عديدة كالنوافذ الذكية والترانزستورات الحقلية فائقة السرعة (2). حيث اعتقد الباحثون في البداية أن تغير الحالة من عازل إلى ناقل يقتصر فقط على عدة طبقات سطحية من الأكسيد. لكنهم أدركوا فيما بعد أن التغيير يتم على كامل بنية الأكسيد وتؤدي إلى تغير بنيته البلورية إلى بينة معدنية ناقلة كما في الشكل التالي: (5)

صورة ترانزستور مصنوع من VO2

وبما أن درجة الحرارة هي التي تحدد ما إذا كان VO2 سيسلك سلوك ناقل أو عازل، يحاول العلماء الاستفادة من هذه الخاصية لاستخدام ثنائي اكسيد الفاناديوم في تطبيقات عديدة أهمها المفاتيح الحرارية" مفاتيح تعمل وتقطع بالاعتماد على درجة الحرارة المطبقة عليها". وبالتالي يمكن لمادة ال VO2 المغلفة بالزجاج أن تعمل كنافذة ذكية، تمرر أو تحجب الأشعة تحت الحمراء اعتماداً على درجة الحرارة في الخارج. (5)

في الترانزستورات التقليدية القائمة على أنصاف النواقل، يولد الجهد المطبق على البوابة حقل كهربائي ينظم تدفق التيار عبر القناة. حيث تنتقل الإلكترونات فقط خلال الطبقة الرقيقة والمسماة القناة إلى البوابة. ولكن في هذه العناصر الجديدة المكونة من أكسيد المعدن فإن المادة بشكل كامل تصبح ناقلة وليس فقط منطقة القناة الرقيقة، ويمكن للإلكترونات التحرك من خلالها فور تحررهم من ذراتهم. (1)

المقال التالي يوضح أكثر مبدأ عمل الترانزستورات التقليدية: هنا

حيث يتم تطبيق حقول كهربائية عالية على بوابة هذه العناصر الالكترونية والتي تتكون من الأوكسيد وعلى سطحه قطرة صغيرة من سائل أيوني "السائل الأيوني : هو عبارة عن سائل يستقطب عند تطبيق حقل كهربائي عليه". عندما تم تطبيق الجهد على السائل تحركت الشحنات باتجاه معاكس لقطبيتها، وتبين أن الشحنات الايجابية التي تراكمت على مقربة من طبقة أكسيد المعدن قد خلقت حقل كهربائي تسبب بتحويل المادة من عازل إلى ناقل. (1)

الشكل التالي يوضح العملية أكثر:

صورة إثبات الناقلية:

يسمي هذا الفرع من الالكترونيات بالإلكترونيات السائلة " Liquid Electronics " ويتم تصميم العناصر بحيث يتم الإستفادة من انتقال الشوارد بين السائل الأيوني (أخضر اللون) و الأكسيد (برتقالي اللون)وبالتالي تحول هذا الأكسيد من عازل إلى ناقل. حيث يطبق جهد على السائل من خلال البوابة المعدنية (زرقاء اللون) فتولد حقل كهربائي قوي على سطح الأكسيد، تتحرك أيونات الأكسجين (الكرات الصفراء) من الأكسيد إلى السائل محولة الأكسيد الى ناقل (المنطقة الأكثر احمراراً).

وبعكس الجهد المطبق على البوابة يعود الأكسيد لحالته العازلة. (1)

لكن يبدو أن استجابة هذا النوع من الترنزستورات بطيئة نوعا ما بسبب اعتمادها على التحريض الكيميائي للمادة بدلا من تحريض الإلكترونات فيها ، و ليس من المرجح في الوقت الحالي على الأقل استبدال الترانزستورات التقليدية بها . ولكن يتوقع العلماء بأن يتم استخدام هذه العناصر في المستقبل وذلك بسبب قدرتها الهائلة على تغيير خواصها وتغيير مستوى ناقليتها من عازل إلى ناقل حسب الغرض المطلوب منها ،وبالتالي قدرتها على محاكاة الطريقة التي يتم فيها انتقال الإشارات العصبية بين الخلايا الدماغية. (1)

يبدو مثل هذا النوع من التطبيقات والتي يتم فيها استخدام العناصر الإلكترونية لمحاكاة طريقة نقل الإشارات العصبية مألوفاً فقد تم استخدام الميمريستور" Memristors " وهي عبارة عن مقاومات تختلف مقاومتها حسب شدة التيار المار من خلالها، كما تتمتع هذه المقاومات بأن بذاكرتها أي تتذكر قيمة مقاومتها بعد توقف التيار المار فيها. إن التقنية التي يتم بها انتقال ذرات الأوكسجين في ترانزستورات أوكسيد الفانديوم تشابه إلى حد كبير من حيث المبدأ طريقة تغيير ال memristors لحالتها، وتتميز ترانزستورات ثاني أكسيد الفاناديوم عن الميمريستور بأن كامل ذرات الأكسيد تغير خصائصها من عازل إلى ناقل بخلاف الميمريستور والتي يغير فيها جزء من المادة المستخدمة في تصنيعها من عازل إلى ناقل. (1)

كما قام فريق من الباحثين في مجال الميمريستور في استراليا بتطوير ذواكر نانوية فائقة السرعة ، استخدموا فيها طبقة رقيقة جداً من الأوكسيد الفعال لخلق خلايا ذاكرة متعددة الحالات تعد الأولى من نوعها في عالم الإلكترونيات. ويزعم الفريق أن أجهزة ال memristor التي قاموا بتطويرها تحاكي قدرة الدماغ في معالجة وتخزين المعلومات. تضمن البحث تعديل ميمرستورات تيتانات السترونتيوم SrTiO3 غير المتبلورة بإضافة شوائب لهذه المادة أدت إلى ضبطها وتحسين خصائص التبديل "التحول من عازل إلى ناقل" لديها. يتيح هذا الاكتشاف الجديد للخلايا متعددة الحالات تخزين ومعالجة المعلومات بنفس الطريقة التي يعمل بها الدماغ. يمكن تشبيه هذه الألية بالكاميرات القديمة التي تلتقط الصور بالأبيض والأسود فقط. أما الأن فعوضاً عن ذواكر بالأبيض والأسود لدينا ذواكر بالألوان الكاملة مع الظل والضوء والملمس.

ومن خلال التحكم بإضافة الشوائب إلى مادة الأكسيد جنباً إلى جنب مع إضافة ذرات المعدنية إليها يمكننا الاستفادة من خصائص الميمرستور العالية لهذه المواد حيث يعتمد سلوك عناصر الذاكرة هذه على خبرتها السابقة وقدرتها على تذكر قيمة مقاومتها بعد انقطاع التيار عنها. وهي بذلك أكثر قدرة على محاكاة عمل الدماغ من الذواكر الرقمية والتي يتم فيها تخزين المعلومات كأصفار وواحدات. (3)

المقال التالي يتحدث عن الميمرستور:

هنا

أما الجيل الأحدث من الترنزستورات فهو الترنزستورات التي تعتمد في بنيتها على المادة المسماة "perovskite". هذه المادة تعتمد على المبدأ الكهروضوئي ، لم يعد يقتصر استخدام هذه المادة على الخلايا الشمسية بل يمكن أن تستخدم لخلق ليزر فعال بنسبة 100٪، والتي يمكن التلاعب بها لتكون قادرة على نقل الاستقطابين الكهربائي والمغناطيسي. (4)

صورة ترانزستور مصنوع من Perovskite

تتميز perovskites بخصائص كهرضوئية عالية كالحركة العالية لحوامل الشحنة، المدى الطويل للانتشار والتكلفة المنخفضة. و قد حفزت هذه الخصائص العلماء إلى العمل الجاد على تطوير كفاءة تحويل الطاقة لل perovskite من 5 في المئة الى 20 في المئة خلال عدة سنوات فقط . (4)

وعلى الرغم من التطور المدهش للخلايا الكهروضوئية، فإن المشكلة الأساسية التي كانت تواجه العلماء هي عدم توافر وسيلة تمكنهم من استخدام خصائص نقل الشحنات لل perovskites في التطبيقات المختلفة، حتى تغلب فريق من الباحثين على هذا العائق، حيث أظهر الباحثون أنه من الممكن صنع ترانزستورات ذات التأثير الحقلي (FET) من ال perovskite تمكننا من استغلال الخصائص العالية لل perovskite وذلك عند درجات حرارة قريبة من درجة حرارة الغرفة. (4)

قام الباحثون بتصميم بنية هذه الترانزستورات ذات التأثير الحقلي لتسمح بتحقيق Electrostatic gating لهذه المواد وبالتالي تحديد خصائصها الكهربائية لاستخدامها في التطبيقات.

: Electrostatic gating) هو تطبيق حقل كهربائي ساكن على بوابة ترانزستور FET للسيطرة على تدفق التيار). (4)

وبهذه الترانزستورات يمكن الاستفادة من خصائص ال perovskites ليس فقط في مجال الخلايا الشمسية وإنما أيضا في مجالي النظم البصرية الالكترونية المتكاملة والأجهزة الليزرية.. (4)

وهكذا نرى أن عجلة التطور التكنولوجي في تقدم مستمر لدرجة أننا بدئنا نعتقد أن الإلكترونيات الصناعية ستتمكن في يوم من الأيام من منافسة الخلايا العصبية من حيث الكفاءة والإمكانيات. ولكن يبقى السؤال هل سيأتي اليوم الذي ستحل فيه هذه الالكترونيات محل الخلايا الطبيعية، وهل سنتمكن في يوم من الأيام من إجراء عمليات جراحية تستبدل فيها الخلايا العصبية التالفة بعناصر إلكترونية دقيقة تقوم بعمل هذه الخلايا؟!!

المصادر:

(1): هنا

(2): هنا

(3): هنا

(4): هنا

(5): هنا