الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء

لغز النمل الاستوائي في أوروبا

استمع على ساوندكلاود 🎧

قام فريقٌ من الباحثين بمقارنة بعض النتائج والمعلومات المأخوذة من النمل الذي يعيش بأيامنا هذه بالمعلومات المأخوذة من المستحاثات العائدة لأنواعٍ مختلفةٍ من النمل، حيث أظهرت النتائج الأماكنَ التي يرتبط ويتشابه فيها النمل المستحاثي بالنمل الذي يعيش حالياً في أرجاء الأرض، فكان المثير للاهتمام هو أن هذا النمل المستحاثي الذي عاش في أوروبا في الحقبة ما بين الـ 45 مليون إلى 10 ملايين عام كان أكثر شبهاً بذلك الذي يعيش حالياً في جنوب شرق آسيا من ذا الذي يعيش في أوروبا حالياً.

يقوم فريق الباحثين المعني بهذه الدراسة بمحاولة إيجاد الأسباب التي جمعت أنواعًا من النمل ضمن عدة مناطقَ محددةٍ على الأرض وكيف تَغيَر توزعها هذا عبر الزمن. إن فهم التوزع العالمي للتنوع الحيوي هو واحدٌ من أكبر التحديات التي تقف بوجه البيوجغرافيين إضافةً إلى علماء البيئة حيث يميل الكثير من علماء البيولوجيا إلى اعتبار التنوع الحيوي صورةً واحدةً ثابتةً إلى حدٍ ما، غير أن الحقيقة هي أن التنوع الحيوي هو عبارةٌ عن فيلمٍ طويلٍ ونحن إلى الآن لا نفهمه بشكلٍ كاملٍ، وإن الحصول على لقطاتٍ إضافيةٍ منه سيساعدنا على فهمه بشكلٍ أفضل.

قام الباحثون بجمع البيانات المتوفرة لمستحاثات النمل مع المعلومات المتوفرة عن النمل الحالي بالإضافة إلى أعداد كبيرةٍ من أوراق البحث المنشورة وما يقارب الـ 4000 موقعٍ عالميٍ ليتمكنوا من بناء قاعدة بياناتٍ تقارن التوزع الجغرافي للنمل الحديث وتوزعه في الأسلاف القديمة، حيث أظهرت قواعد البيانات الاختلافات والتشابهات بين التوزع الجغرافي للنمل المُستحاثي والنمل المُعاصر، فعلى سبيل المثال: وجدوا أن مستحاثاتِ النمل الذي عاش في أوروبا سابقاً، هي الأكثر شبهاً بالنمل الذي يعيش حالياً بجنوب شرق آسيا والهند وحتى النمل الأسترالي، بدلًا من مشابهتها للنمل الذي يعيش بأوروبا وأفريقيا حاليًا.

خلال معظم حِقَب عصر الحياة الحديثة (السينوزوي) وخصوصاً في أقرب أدواره كانت الأرض أكثر دفئًا، وغطت الغابات الاستوائية الكثير من مناطق العالم بما في ذلك أوروبا، وحتى القارة القطبية الجنوبية كانت مغطاةً بالغطاء النباتي أيضًا.

في تلك الأيام كانت أوروبا عبارةً عن غابةٍ مطيرة، وكان النظام البيئي المتواجد حينها مختلفًا تمامًا عن الذي نراه اليوم، حيث أدت التبدلات البيئية و المناخية، و إعادة توزع القارات إلى انقراض طيفٍ واسعٍ من الكائنات التي كانت متواجدةً في بعض الأماكن من العالم، ومنها أنواعُ النمل الذي كان يعيش بدرجات الحرارة الدافئة ولم يكن قادراً على التأقلم للعيش بالدرجات الأخفض.

كما كانت البيانات دليلاً على الانقراض الواسع على المستوى القاري أيضًا، فعلى سبيل المثال فإن هذا النمل الذي كان واسع الانتشار عالميًا أصبح منتشراً فقط في سيريلنكا حاليًا.

ساعدت هذه النتائج الباحثين على الاقتراب أكثر من فهم تطور "شجرة الحياة" والتي هي بدورها عبارة عن شبكةٍ تربط مابين الكائنات التي تعيش بيومنا هذا وتلك التي انقرضت على مر الحِقَب الزمنية. وفي المحصلة، فإذا كان بإمكاننا فهم حالة المناخ في الماضي بشكل أفضل، وكيف أثر التغير المناخي على مختلف الأنواع حينها، فإننا سنكون قادرين على فهم وتوقع ماذا سيطرأ على التنوع الحيوي في إطار سيناريو التغير المناخي الحالي.

المصدر:

هنا