العمارة والتشييد > عمارة افتراضية ورقمية

التقنيات التفاعلية وتأثريها على العمارة!

إلى أي مدى اقتربنا من حقيقة أن يتفاعل الأشخاص مع الأبنية من خلال بيئة مليئة بالملامح الحسيّة؟

لا يخفى على أحد أن استخدام التقنيات التي تضم عناصر ضوئية وصوتية، إضافة إلى معدات وبرمجيات تفاعلية، يزداد في الآونة الأخيرة سواءً في الأجهزة أو المعارض أو حتى أماكن الترفيه، بل في أماكن أخرى غير متوقعة.

حتى أصبح السؤال الآن هل يمكن أن يصبح ما نراه في أفلام الخيال العلمي حقيقة ملموسة وواقعاً نعيشه في حياتنا اليومية؟!

التقنيات التفاعلية تُقرب الفراغات إلينا من خلال تفاعلات فيزيائية وحسية، والفراغات المعتمدة على هذه التقنيات أصبحت أقل اعتماداً على مؤثرات العمارة التقليدية، فهي تعتمد بشكل أكبر على إدخال نوع من الارتباط بالفراغ بشكل حيوي. وهي تتضمن الأضواء والأصوات والروائح وشاشات اللمس ومكونات تفاعلية مَتَضَمَّنة في الأبنية، بل قد تصل إلى دمج وسائل التواصل الاجتماعي مع الفراغ.

فهل بإمكان التقنيات التفاعلية والدروس المستفادة من الفراغات الهائلة أن تقدم لنا طرق جديدة لعمل العمارة في ظل الهيمنة الثقافية ؟

سنستعرض في هذا المقال مجموعة من المشاريع المعمارية المعتمدة على التقنيات التفاعلية

موسم أعياد تفاعلي:

ابتداءً من الأول من كانون الأول، سينطلق في مدينة نيويورك موسم الأعياد لعام ٢٠١٥ مع تركيب معماري جميل في حديقة قصر Brookfield الشتوية. حيث صمم Cesar Pelli الفراغ الكريستالي الذي يشبه القصر ، وسيقوم مخبر Rockwell Lab بتركيب الأضواء اللامعة التي ستكون عبارة عن منحوتة ضوئية تفاعلية مكونة من ٦٥٠ مكعب معلق ستطفو بين أشجار النخيل. المكعبات الممتلئة بأضواء- LED أو luminoids كما يطلق عليها في المختبر- سوف تبقى هادئة حتى يقوم الزوار بالتحكم بها. حيث بإمكان الزوار أن يتمنوا أمنية عن طريق التفاعل مع حساسات لمسية موجودة في ثلاث محطات للأماني مصنوعة من من مادة Corian ، ترسل هذه المحطات نبضات متغيرة الألوان بواسطة القطع المركبة في الأعلى، فشاشات اللمس هذه هي عبارة عن سطوح تقليدية مزودة بتقنية لكي تزيد من التجربة الفيزيائية وتحولها إلى تجربة تفاعلية، ويمكن للمصممين التحكم بالمربعات بشكل منفصل من أجل برمجة تسلسل ضوئي يعطي عرضاً يشبه الرقص.

التصميم من خلال الصوتيات:

يعمل المصممين في مختبر Arup للصوت على محاكاة الأصوات بنفس الطريقة التي يقوم فيها نظام Oculus Rift بالمحاكاة البصرية. مختبر الصوت هو عبارة عن فراغ عالي الدقة يشبه السفينة الفضائية حيث يضم معظم التقنيات الصوتية المتطورة إضافة إلى تقنيات التَصَّور المرئية وتقنيات الرسم ثلاثي الأبعاد يتم دمجها في فراغ عرض يجعل معظم المدراء التنفيذيين يشعرون بالفخر . يسمح نظام الصوتيات للمستخدمين بسماع الصفات الصوتية للفراغ التخيلي في الواقع الحقيقي من خلال محاكاة ثلاثية الأبعاد.

بالإضافة إلى أنّ المحاكاة تعتبر أداةً رائعة لاستعراض مبنى جديد، تعتبر أيضاً وسيلة مفيدة لاتخاذ قرارات تصميمية. فالنتيجة التي يقدمها المختبر هي واقع افتراضي صوتي أو خريطة توضح انتقال الصوت عبر الفراغ، مما يساعد المصممين في اتخاذ قرارات معمارية تعتمد على عوامل نوعية أكثر من اعتمادها على وجهات نظر.

بناء يعمل كآلة موسيقية

عمل مختبر Arup للصوت مع مكتب Brooklyn design studio Bureau V لتصميم National Sawdust وهو ملتقى موسيقي جديد في Williamsburg.

منذ البداية كان Sawdust تصميماً من بنات أفكار المحامي وعازف الأورغ والناشط في الأعمال الخيرية Kevin Dolan الذي كان لديه نظرة خاصة للفراغ الذي يضم أنواع مختلفة من الموسيقى الحية (المعزوفة مباشرة أمام الجمهور) دون أن تؤثر هذه الأنواع على بعضها البعض، كما أراد صنع فراغ مخصص للأداء، والتسجيل، والبث، وتجارب التأليف الموسيقي، مما جعل مهمة فريق التصميم شديدة الصعوية.

سمحت تقنية SoundLab بالضبط الدقيق لفراغ الأداء في National Sawdust بحيث يمكن تعديل الوضوح وجهارة الصوت والتناغم والصدى وطابع الصوت من قبل الفنانين في قسم التحقق من صحة الصوت. حصل Dolan على ما أراد، وهو الفراغ الذي يمكنه التغيير بين الأداء الصوتي والالكتروني دون الحاجة إلى تغيير مادي في المرئيات ضمن الفراغ.

تعرض المادة المرئية بصفتها مكان حميمي يمكنه التنقل بين ميزات صوتية استثنائية دون تغيير مظهره. فالعلاقة بين العمارة وهندسة الصوتيات هي علاقة سلسة وقد أراد المصممون اعتبار المكان أداة موسيقية يمكن ضبطها مثل أي آلة أخرى.

مختبر المدن المستقبلية Future Cities Lab:

كلف مكتب Bitly في نيويورك مختبر Future Cities ببناء منحوتة ضوئية تعكس الشركة عن طريق تصوير بياناتها. حيث يتم توجيه ملايين روابط الانترنت إلى Bitly عبر تويتر في كل يوم. بنى مختبر Future Cities منحوتة تُصور البيانات في البهو فتقوم قاعة البيانات الهائلة بتغذية أضواء LED. وهي منحوتة حية تتغير على أرض الواقع بحيث يستطيع المدير التنفيذي النظر إلى المنحوتة ومعرفة ماذا ومتى وأين وكم كمية البيانات التي يتم إنتاجها. أربع وعشرين صف وخمسة أعمدة تمثل أربع وعشرين ساعة في اليوم وخمس مواقع ذات حركة عالية.

التفاعل الجماهيري:

العاملون في مختبر Future Cities مهتمون بالوصول إلى العمارة التي تستجيب للإنسان، والتي تكون قادرة على التغير والتحول، كما أنّ لها علاقة مستمرة مع الناس ومع التقنيات الحديثة.

و بالنسبة لمختبر Future Cities فإن أفضل الفراغات هي تلك التي تندمج فيها كل من العمارة وتصميم الحدائق والتصميم التفاعلي. فعندما تبدأ العمارة بالارتباط بالتقنية تصبح أكثر تأثيراً"

لذلك فإن مشروعهم الجدار الطنان Murmur Wall في مركز Yerba Buena للفن في سان فرانسيسكو يمكن أن يعتبر لمحة عن مستقبل التصميم المتكامل. الهيكل الإنشائي المؤلف من أنابيب الفولاذ والأكرليك الموجود خارج مركز Yerba Buena ،يقوم بجمع البيانات من المستخدمين القريبين، ويتم عرض البيانات بشكل نبضات ضوئية تتحول إلى نص على شاشات رقمية وهم يمرون منها وتعرض في الوقت نفسه ماذا ينشر الناس على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه المنشأة الجماهيرية ينظر إليها وكأنها نصب تذكاري أو نافورة يمكن أن تتواجد في روما القديمة، والهدف منها هو جعل المدينة أكثر شفافية من خلال مشاركة البيانات في الحيز العام بدلاً من التقوقع على الهاتف المحمول، كما إن تطبيقاً خاصاً نظام ios سيسمح للزوار بنشر الأشياء بشكل مباشر.

عرضنا لكم مجموعة من البيئات الهائلة التي تتطور من فراغات داخلية بسيطة تعمل على تفاعل الأشخاص في الداخل إلى مشاريع معمارية كبيرة وأكثر تعقيداً بحيث تُغير الطريقة التي نتعامل بها مع المباني وفي نهاية المطاف بين بعضنا البعض. ما رأيكم بهذه التقنيات الحديثة وبمدى تأثيرها على المجتمعات وهل لديكم أفكار تعتمد على تقنيات مشابهة.

المصدر:

هنا