كتاب > الكتب العلمية

مراجعة كتاب (كوكب الأرض.. نقطة زرقاء باهتة): البحث عن حياةٍ.. في مكانٍ آخر

في كتابهِ العِلمي هذا، يُحيلنا عالم الفضاء كارل ساجان ( 1934-1996 )، والذي أطلِقَ اسمه على الكُويكب (أسترويد 2709 ساجان) تقديرًا لإنجازاته العلميّة، إلى مشاهدة كوكبِ الأرض من خلفِ أبعدِ الكواكب عنّا، لنرى أرضنا نقطةً زرقاءَ باهتة تلوحُ خلف ملايين النجوم، ولنكتشف ما قدمّه لنا العِلم من تصوّرات تتعلق بأين ومن نحن، وما سنفعله بمعرفتنا في المستقبل.

ويتألّف الكتاب من 22 فصلًا، في 338 صفحة، يتبعها هوامش وصور ورسومات توضيحية لكل ما ستصادفه من معلومات علمية في الكتاب.

في الفصل الأوّل "أنتَ هُنا"، يشرعُ ساجان بالتأكيد على أننا نعيش على "ذرّة من الغُبار المعلّقة في شُعاع شمس"، ووسط أنهارِ الدّم هذه التي تعمّ كوكبنا، فما من إشارةٍ حتّى الآن تدلّ على أنه ثمّة من سيأتي من هذه الظلام الكوني المُحيط بنا ليقدّم لنا العّون؛ مما يفرضُ علينا تحمّل مسؤوليّة حماية هذا الكوكب.

ويتتبّع ساجان خلال الفصولِ الأربعة الأولى، المزاعم البشريّة التي تحدّثت عن مركزيّة الأرض وتفرّد الإنسان، ويؤكّد على أن هذا الكون لم يخُلق لخدمتنا نحن البشر، حيثُ أنّ "العلم الحديث يقّدمنا كحادث عَرَضي، إن الكون هو سبب وجودنا ولسنا سبب وجوده".

واعتبارًا من الفصل الخامس، يصوّر لنا المؤلّف الأرضَ من الفضاء، مفسّرًا تركيبتها الطبيعيّة وتقلّص حجم العالم الطبيعي، والخصائص التي تتفرد بها الأرض -حتّى الآن- عن غيرها من الكواكب، معتمدًا على ما قدمته المركبة الفضائيّة "جليليو" والتي كان ساجان أحد المشرفين عليها ، والتي توضّح أيضًا مدى التدمير الذي مارسه الإنسان تجاه العناصر الطبيعيّة في كَوكبهِ، والإضرار بطبقة الأوزون وعدم الإكتراث بمصير الأجيال القادمة.

ثم ينتقل إلى الدور الكبير الذي قامت به مركبتا الفضاء "فويجر 1 و 2" اعتبارًا من العام 1973، واللتان صُمّمتا لاستكشاف المشتري وزحل، قبل أن تُكملا الرحلة بشكل غير متوقّع بفضل جاذبية مدارات الكواكب، لاستكشاف أورانوس ونيبتون، حيث أرسلتا ما يعادل 100 ألف مجلد من المعلومات، علمًا بأن المركبتين قادرتان على العمل وعلى تزويدنا بالمعلومات لغاية 2020.

ويبدأ الثلث الثاني من الكِتاب، بالحديث عن احتمالات وجود فُرصةٍ للحياةِ في عوالمَ أخرى، مثل "تيتان" وهو قمرٌ يدورُ حولَ كوكبِ زحل، وله من الصّفات ما يتطابق بشكل كبير ظروفِ نشاةِ الحياة على الأرض قبل مليارات السنين.

كما ستأخذنا مركبة الفضاء مارينر في جولة إلى كوكب الزّهرة، ونتعرف على "نجمة الصباح والمساء" عن كثب. وفي فصل "السّطح ينصهر" سنتعرّف على البراكين التي تبدو للوهلة الأولى ودودة وهادئة، وعن الغضب الذي يحتبس داخلها، هنا في الأرض، أو بعيدًا في كواكب أخرى.

ويُفرِدُ الكاتب فصلًا للحديث عن مركبة أبوللو وصعود الإنسان للقمر، ومناقشة سبب تخيّل البعض أن الأمر برمّته تم تصويره في "هوليود"، بوصفه مشاركًا في برنامج رحلة أبوللو، ومطّلعًا عليه عن كَثب، موضّحًا الأبعادَ السياسيّة والعلميّة التي رافقت هذا البرنامج، وعن السباق الأمريكي-السوفيتي في السيطرة على الفضاء سعيًا للسيطرة على الأرض: "لم تكن بعثة أبوللو -غالبًا- تتعلق بالعلم، كما لم تكن تتعلق بالفضاء، بل كانت تتعلق بالمواجهة الأيدولوجيّة والحرب النووية"

ثم سنتعرف بالتفصيل على ثلاثِ كوارثَ بيئيّة تهدّد كوكبَ الأرض، أبرزها تآكل طبقة الأوزون، وكيف كان لاكتشاف كوكب الزّهرة الدور الأساسي في رصدِ هذا الخطر، إضافةَ إلى مشكلة الأمطار النووية و ازدياد الدفيئة، والتي ستتعرفون عليها بأسلوب بسيط وسلِس في الفصلِ الرّابع عشر.

وبالعودة لتجارب واختبارات اكتشاف وجود حياة على كواكب أخرى، يطلعنا ساجان على قائمة من التكنولوجيا و الإمكانيات المطلوبة والتعاون الأممي اللازم لانجاز ذلك. قبل أن ننتقل إلى الثلث الأخير من الكتاب، والذي سنتعرف من خلاله على العنف الدائر في الفضاء بين الكواكب والمذنبات، وعمّا ينتجُ عنهُ من زوالِ عوالمَ ونشوءِ عوالمَ أخرى، كما يُعتقد أنه حدث في تشكل قمرنا نتيجة تصادم الأرض مع كوكب آخر قبل مليارات السنين. ويشير الكاتب إلى أننا لسنا في مأمنٍ من تكرار مثل هذه الحوادث، حيث أنّ 20% من الكويكبات السيّارة ستصطدم بالأرض عاجلًا أم آجلًا.

ويُحيلنا الكتاب إلى الفترة الواقعة بين العصر الطباشيري والعصر الترياسي، والتي شهدت عددًا من الإصدامات، ممّا أدّى إلى إحراق الغطاءِ النباتي وسببّ ظلمةً في السّماء وأمطارًا حمضيّة قضت على الحياة في هذا الكوكب، الذي احتاج لوقت طويلٍ ليستيعدَ عافيته وتعود الحياة إليه: "إنّ اصطدامَ كُويكبٍ سيّار قُطرهُ 2كم بكوكب الأرض، قد يتسبَب بانفجارٍ تعادلُ طاقتهُ مئة ضعفٍ من الإنفجارِ النّاتج عن كل الأسلحة النّووية مجتمعةً".

علمًا بأنّ كُويكبًا بمساحةِ بضعةِ مئاتٍ من الأمتار فقط، يصطدم بكوكبنا كلّ 200 ألف سنة، ولأن عمرَ حضارِتنا لا يتجاوزُ ال 10 آلاف سنة، فليس لدينا معلوماتٍ عن زمنِ حدوث آخر اصطدامٍ مماثلٍ، ولو حدث فإنّه كفيلُ بأن ينشرَ ركامًا من الصّخور على كاملِ مساحةِ كوكبِ الأرض.

أمّا الفصل التاسع عشر وعنوانه "إعادة صنع الكواكب" فيتحدث فيه كارل ساجان بشكل جدّي وعِلمي، عن إمكانيّات تعديلِ الظروف الطبيعيّة في كواكبَ مثل المريخ، وأقمارٍ مثل تيتان، بحيث تُصبح مؤهلّة لاستضافة البشر كوطنٍ جديد، حتى لو احتاجت هذه العمليّات إلى مئات السنين.

ثم نمر عبر محاولات التكنولوجيا "البحث عن ذكاء خارج الأرض" عن طريقِ تقنيّات رصدِ أيّ أصواتٍ أو رسائلَ يُعتقد بأنها قادمة من كائناتٍ تعيشُ في مكانٍ آخر من الكون، قبل أن نعود لدراسة الأخطار التي تسببت بها التكنولوجيا نفسها في حق الكوكب والطبيعة، "نحن البشر عجّلنا في انقراض الأنواع على نطاق غير مسبوق .. ومع جهلنا بالعلاقة المتبادلة لأشكال الحياة، قد نعرض مستقبلنا الخاص للخطر"

يعد هذا الكتاب والذي ظلّ لفترةٍ طويلةٍ ضمن الكتبِ الأكثرِ مبيعًا، موجزًا بليغًا عن مكاننا في هذا الكون، ومستقبلنا على كوكبِ الأرض، وإمكانيّة انتقالِ البعضِ منا للعيش في عوالمَ أخرى قد نصلُ إليها في يومٍ ما، وهو لا يدعو إلى هجرِ هذا الكوكب، بل الحفاظ عليهِ قدرَ الإمكان، مع العملِ بشكلٍ متوازٍ على وصولِ جنسنا البشري إلى كواكب أخرى، والتعايش بسلامٍ هناك، ممّا يساهمُ بالحفاظِ عليه إلى الأبد، مع ازديادِ المخاطر والتّهديدات التي تُحاصر كوكبنا، الطبيعيّة منها، أو تلكَ التي صنعناها بأنفسنا، والتي قد تؤدّي عاجلًا أم آجلًا إلى انقراضنا.

معلومات الكتاب:

عنوان الكتاب: كوكب الأرض - نقطة زرقاء باهتة

المؤلف:كارل ساجان - لندن 1995

ترجمة: شهرت العالم - سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2000.

يقع الكتاب في 523 صفحة.