الطب > مقالات طبية

الفلورا المعوية والربو

استمع على ساوندكلاود 🎧

طرحت دراسةٌ كنديّةٌ جديدةٌ فرضيّةً تقول بأنّ الرضع الذين يعانون من عوزِ أنماطٍ معيّنةٍ من البكتيريا المعويّة في الأشهر الأولى بعد ولادتهم هم أكثرُ عرضةً للإصابة بالربو في سنٍّ لاحقة.

قام الباحثون بدراسة بكتيريا الأمعاء (الفلورا المعوية) لدى أكثر من 300 رضيع بعمر ثلاثة الأشهر، ووجدوا أنّ الرضّع الذين سجّلوا مستوياتٍ منخفضةً من أربعة أنماطٍ محدّدةٍ من البكتيريا المعويّة كانوا أكثر عرضةً للإصابة بالربو بعمر ثلاث السنوات من الرضّع الذين سجّلوا مستوياتٍ طبيعيةً من هذه البكتيريا في أمعائهم.

يُطلق على هذه الجراثيم الأربع اختصاراً FLVR وتضمّ كلاًّ من (Faecalibacterium، Lachnospira، Veillonella and Rothia). أما في الدراسات المُجراة على الفئران، فقد تبيّن أن الفئران التي تحمل مستوياتٍ منخفضةٍ من FLVR طوّرت التهاباتٍ في الطرق التنفسيّة، ولوحظ تراجع الأعراض التنفسيّة عند تزويد هذه الفئران بمكمّلاتٍ غذائيّةٍ حاويةٍ على هذه الأنواع من البكتيريا.

وأوضح الباحثون أنّ النتائج التي توصّلوا إليها تشير إلى أنّ الاضطراب في هذه البكتيريا المعويّة قد يلعب دوراً في تطوّر الربو، وأنّ تزويد الرضّع بأنواعٍ محدّدةٍ من البكتيريا المعويّة (الجيّدة) والتي تعرف بالبروبايوتيك (Probiotics) في العمر المناسب يمكن أن يقلّل من خطورة إصابتهم بالربو.

يقول Dr. Stuart Turvey أحد المساعدين في هذه الدراسة: "إنّ هذا الاكتشاف سيفتح أمامنا طرقاً جديدة ممكنة للوقاية من الربو الذي يهدّد حياة العديد من الأطفال، حيث تبيّنُ الدراسةُ أنّ هناك فترة قصيرة محدّدة بـ 100 يوم يمكن خلالها تطبيقُ هذا التداخل العلاجيّ عند الرضّع (أي خلال فترة محدّدة من عمر الطفل) للوقاية من الربو".

ويتابع الباحثون قولهم بأنّ هذه الدراسةَ تحتاج لجهودٍ وأبحاثٍ إضافية قبل أن يكون بمقدور الأطباء تقديم النصح باستخدام البروبايوتيكس عند الأطفال للوقاية من الربو. أولاً، ينبغي على الباحثين أن يؤكّدوا نتائجَ أبحاثهم بتطبيقها على مجموعاتٍ من الأطفال أكبرَ وأكثرَ تنوّعاً. ثانياً، عليهم أن يحدّدوا أنواع البكتيريا الأفضل لاستخدامها في العلاج بالبروبايوتيكس، بالإضافة إلى درجة الفعاليّة والأمان عند تطبيق هذا العلاج.

في هذه الأثناء، بإمكان الأطبّاء أن يحدّدوا البكتيريا الموجودة في أمعاء الرضّع من خلال إجراء تحليلٍ لبرازهم، وأولئك الذين تُلاحَظ لديهم مستوياتٌ منخفضةٌ من FLVR تتمّ متابعَتُهم بشكلٍ أقرب ومعالجَتُهم بشكلٍ أسرعَ في حال أصيبوا بالربو.

قام الباحثون بفحص مجموعةٍ من الأطفال المقيمين في عدّة مدن في كندا، والمشاركين في دراسةٍ جاريةٍ عن مرض الربو. حيث تمّ فحص الأطفال بعمر السنة لتقصّي وجودِ أعراضٍ محدّدةٍ للربو تضمنَتِ الوزيز (wheezing)، أو وجود ارتكاسٍ إيجابيّ في البشرة في اختبارٍ للحساسيّة يعرف بالتأتّب (Atopy). ومن بين الرضّع المُدرَجين في الدراسة سجّل 136 رضيعاً حدوث الوزيز، بينما أظهر 87 رضيعاً إيجابيةَ اختبارِ التأتّب، 22 رضيعاً آخرَ سجّلوا وزيزاً مُرافِقاً للتأتّب، بينما لم يبدِ 74 رضيعاً أيَّ عرضٍ من هذه الأعراض.

إنّ الأطفال الذين سجّلوا حدوث كلٍّ من الوزيز والتأتّب هم أكثر عرضةً للإصابة بالربو بـ 21 مرّة بعمر ثلاث السنوات مقارنةً مع الأطفال الذين لم يسجّلوا حدوث أيّ نوعٍ من هذه الأعراض، بالإضافة إلى أنّهم أكثر عرضةً بـ 4-5 مرّات للإصابة بالربو من الأطفال الذين سجّلوا حدوث تأتّبٍ أو وزيزٍ فقط.

ويؤكّد الباحث B. Brett Finlay أنّ كل الأطفال الذين سجّلوا حدوث كِلا العرضَيْن (الوزيز والتأتّب) بعمر السنة كانت مستوياتُ الـ FLVR منخفضةً لديهم عندما كانوا بعمر ثلاثة الأشهر، في الوقت الذي كانت مستويات FLVR أعلى عند الأطفال الذين لم يسجّلوا حدوث أيٍّ من الأعراض السابقة وذلك في نفس الفترة العمريّة.

يوضح الباحثون أنّه ببلوغ السنة من العمر تصبح الاختلافات في مستويات بكتيريا الأمعاء أقلَّ وضوحاً، الأمر الذي يقترح ضرورة البدء بالتداخلات العلاجيّة لتصحيح هذه الاضطرابات في سنًّ مبكّرة.

أما عن أسباب هذا الانخفاض في مستويات FLVR عند بعض الأطفال فهي غير واضحةٍ تماماً، ولكن يمكن لعدّة عوامل أن تُحدِث تبدّلاتٍ في الفلورا المعويّة عند الأطفال وتتضمّن:

1. استعمال الصادّات الحيويّة

2. الولادة القيصريّة

3. تناول الحليب الصناعيّ بدلاً من حليب الأم.

يؤكّد Michael Bailey - وهو باحثٌ غير مشاركٍ بالدراسة - أنّ الأبحاث الجديدة تدعم الفكرة القائلة بأنّ التطوّر الطبيعيّ للفلورا المعويّة عاملٌ مهمٌّ يؤثّر على الصحّة العامّة، ويعدّ استخدام الصادّات الحيويّة في غاية الأهمّية لعلاج الرضّع المرضى مع الحرصِ على أن نستخدم الصادّات الحيويّة عند وجود استطبابٍ لاستخدامها فقط، حيث يمكن لها أن تسبّب اضطراباتٍ في الفلورا المعويّة.

وتظهر الحاجة لمزيدٍ من الدراسات لفهمٍ أعمقَ للعملية الطبيعية التي يتمّ بها استعمار الأمعاء من قبل البكتيريا، ولتحديد مصدر هذه البكتيريا أساساً، هل تنتقل من الأم إلى رضيعها أو بواسطة الطعام مثلاً، ومن خلال ذلك يمكن لنا أن نتوصّل إلى كيفيّة الوقاية من انخفاض مستويات هذه البكتيريا المفيدة في الأمعاء.

المصدر:

هنا

حقوق الصورة:

مبادرة الباحثون السوريون

(المصمم كنان المصري) إ