الكيمياء والصيدلة > كيمياء

هل بتنا على مقربة من إيجاد علاج ولقاح فعّالين للإيدز؟!

استمع على ساوندكلاود 🎧

قام الباحثون في جامعة روكفيلير في الولايات المتحدة بأول تجربة على البشر تهدف إلى دراسة جيل جديد من أدوية متلازمة نقص المناعة المكتسبة، تعرف بالأجسام المضادة واسعة التحييد (broadly neutralizing antibodies) وتوصلوا حتى الآن إلى نتائج واعدة جداً على حد وصفهم، حيث وجدوا أنّ جرعة واحدة من الجسم المضاد تستطيع أن تخفض من كمية الفيروس المتواجد في دم المريض حتى 300 مرة!

نعلم جميعاً أنّه على الرغم من استخدام الأجسام المضادة في علاج فيروس نقص المناعة المكتسبة منذ فترة وجيزة، إلا أنّ الفيروس يكتسب القدرة في نهاية المطاف على التطفّر ومهاجمة الخلايا المناعية. لكن الشيء الفريد في الجسم المضاد قيد الدراسة والذي أُطلق عليه الرمز 3BNC117 هو قدرته على مواجهة مجموعة من سلالات الفيروس وليس سلالة واحدة فقط. لذلك، تشير المرحلة الأولى من التجارب السريرية إلى أنّ مجموعة الأجسام المضادة واسعة التحييد هذه تعطي أملاً جديداً في علاج فيروس نقص المناعة المكتسبة كدواء، أو ربما كلقاح.

قد تتساءل الآن عن الميزة الأساسية التي تتمتع بها هذه الأجسام المضادة، تجيبك د.مارينا كاسكي (إحدى مشرفات الدراسة في الفريق البحثي) بأنّ لهذه الأجسام فعالية علاجية شديدة ضد أكثر من 80% من سلالات فيروس نقص المناعة المكتسبة.

تنشأ الأجسام المضادة بشكل طبيعي في الجهاز المناعي لـ 10-30% من مرضى نقص المناعة المكتسبة، لكنّها تظهر فقط بعد عدّة سنوات من الإصابة بالفيروس، وهي المرحلة التي يكون فيها الفيروس قد تطوّر واكتسب القدرة على الإفلات منها. ما فعله الباحثون في هذه الدراسة هو أنّهم قاموا بعزل واستنساخ الأجسام المضادة 3BNC117، وبالتالي تحويلها إلى علاج محتمل.

قام فريق التجربة بإعطاء 29 متطوعاً مصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة وآخرون أصحاء، جرعة من 4 جرعات وريدية مختلفة من الجسم المضاد، ثمّ قاموا بمراقبتهم لمدة 28 يوماً. نشر الباحثون نتائجهم في مجلة Nature حيث وجدوا أنّ أقوى جرعة من الجسم المضاد تسببت بخفض مستويات فيروس نقص المناعة المكتسبة حتى 300 مرة في غضون أسبوع واحد من العلاج.

لابدّ أنّك تسأل الآن عن آلية عمل الجسم المضاد الرائع هذا. يستهدف 3BNC117 مستقبلاً خاصاً من نوع CD4 يوجد في الخلايا المضيفة ويستخدمه فيروس نقص المناعة المكتسبة للالتحام بها وبدء هجومه. يؤدّي ذلك إلى وقف التحام الفيروس بالخلية ويحفز الجهاز المناعي للمصاب على التخلص منه بشكل طبيعي. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الباحثون أنّ الجسم المضاد 3BNC117 قد يمتلك القدرة على استهداف الفيروسات المختبئة داخل الخلايا المصابة، وهي خاصيّة تفتقر إليها المضادات الفيروسية المتوافرة حالياً.

لكن، تبقى أكبر المخاوف التي تنتاب الباحثين حيال العلاج الجديد هي سرعة تطفّر الفيروس وتمكّنه من اجتياح جسد المصاب. من أجل ذلك قام الفريق بالاستمرار بمراقبة المشاركين في الدراسة لـ 28 يوماً إضافياً بعد المرحلة الأولية لبدء العلاج. كانت النتائج متفاوتة، حيث تمكّن الفيروس من زيادة مستوياته إلى ما كانت عليه في بعض المرضى، بينما حافظ آخرون على مستوياته المتدنية كاستجابة علاجية بعد نهاية التجربة.

تقول د.كاسكي في تصريحها الصحفي: "إنّ جسماً مضاداً بمفرده لن يكون كافٍ لتثبيط الفيروس لفترة طويلة وستتشكّل مقاومة ضده." وتضيف: "لكن حتّى وإن احتاج الأمر لجرعات شهرية مستمرة من الجسم المضاد، فإنّها ستكون أقلّ شدّةً وإنهاكاً من خلطات الأدوية اليومية التي تُعطى لمرضى نقص المناعة المكتسبة."

ويبقى الجزء المثير حقاًّ من البحث هو محاولة الفريق إيجاد طرق لتحفيز الجهاز المناعي لشخص غير مصاب بالفيروس كي ينتج هذه الأجسام المضادة واسعة التحييد، مما يمهّد الطريق لإمكانية استخدامها كلقاحات ضد المرض.

وأخيراً، بالرغم من النتائج الواعدة جدّاً لهذه الدراسة يجب إجراء أبحاث إضافية لمعرفة إمكانيّة استخدام الأجسام المضادة واسعة التحييد كعلاج طويل الأمد لفيروس نقص المناعة المكتسبة.

المصدر:

هنا