الهندسة والآليات > التكنولوجيا

حركة الذرات ضمن طبقات المواد: كيفية رصدها ودراستها … "كاميرا الإلكترون"

استمع على ساوندكلاود 🎧

تستطيع بسهولة معرفة سرعتك وأنت تقوم بقيادة سيارة على طريق عام، ولكن هل تساءَلت عن أصغر سرعة يستطيع العلماء قياسها؟؟!! دعونا نتابع في هذا المقال ما توصل له بعض الخبراء في قياس سرعة الإلكترونات، ومدى تأثيره في الصناعات المستقبلية.

تمكن المخبر الوطني لمسّرع الجسيمات (SLAC) وجامعة ستانفورد من التقاط أسرع حركة نانوية على الإطلاق في الطبيعة، حيث لم تتعدى هذه السرعة 100 كواردليون جزء من الثانية (مع العلم أن الكواردليون "quadrillionth" يساوي 1 من أصل 15 مليون مليار جزء من الثانية ويعرف أيضاً باسم femtosecond، ويعتبر هذا الزمن متناهي في الصغر)، مما سيقربنا من سبر أغوار المواد.

ابتكر هذه الأداة العلمية الجديدة باحثين من قسم الطاقة في المخبر الوطني لمسّرع الجسيمات و جامعة ستانفورد، حيث تلتقط أسرع عملية طبيعية على الإطلاق. حيث كشفت الطريقة المعروفة باسم إنكسار الإلكترون فائق السرعة (Ultrafast Electron Diffraction) عن حركة إلكترونات ونوى الذرات داخل جزيئات المادة، وتم رصدها بزمن لا يتعدى 10 ترليون جزء من الثانية أو ما يعرف بـ فيمتو ثانية (femtosecond).

يقوم مبدأ عمل هذا الجهاز على إطلاق ليزر مشّع يصطدم بمهبط ضوئي، يُحرر منه حزمة من الإلكترونات، بعدها يتم تسريع الحزمة بفعل حقل ترددي، ومن ثم يُرَّكز بواسطة عدسة مغناطيسية، ليعبر بعدها من خلال عينة من مادة حيث تقوم الحزمة الإلكترونية المرَّكزة ببعثرة وحرِف إلكترونات ونوى ذرات العينة، مكونةً بذلك صورة إنكسار على سطح كاشف.

حيث يؤدي التبديل بين طور الإنكسار وآخر مع الزمن إلى الحصول على حركة فائقة السرعة ضمن الدقائق الداخلية للعينة.

يقول مسؤول التطوير عن الجهاز العالِم (Xijie Wang): "لقد بنينا واحدة من أفضل أنظمة الرصد الإلكترونية في العالم، تحت اسم إنكسار الإلكترون فائق السرعة (UED)، وهذا سيخلق لدينا فرص جديدة في سبيل دراسة الحركات ذات السرعة الفائقة. ويضيف بإن هذا الجهاز يقوم بتوصيل حزم من الإلكترونات بجودة تفوق أي نظام (UED) آخر.

فعلى سبيل المثال سمح لنا هذا الجهاز برصد العمليات الكيميائية في الحالة الغازية، والتي تكون أسرع بأربع مرات من الحالات التي تم فحصها في تقنيات (UED) الحالية."

يُعزى الأداء الخارق لنظام (UED) الجديد إلى الاستقرار الكبير للمدفع الإلكتروني، والذي تم تطويره لينتج إلكترونات عالية الطاقة تكون على شكل حزم قصيرة جداً، حيث يتم إطلاق 120 منها خلال ثانية واحدة منتجةً بذلك حزمة إلكترونية قوية بهدف سبر أغوار المادة من الداخل.

لكن كيف سيتمكن العلماء من التقاط الوميض الخفيف لجزيئات البنية الداخلية للمادة؟

تملك الجسيمات طبيعة أخرى حيث أنها تسلك سلوك الأمواج، وعندما تعبر أمواج الإلكترونات القوية والتي تملك أطوال أمواج قصيرة من خلال العينة، فإنها تُبَعثر وتحرف إلكترونات ونوى ذرات العينة. وتتجمع الأمواج المنحرِفة على شكل نمط منكسر يتم التقاطه عن طريق الكشَّاف. حيث يعمل الجهاز ككاميرا عالية السرعة، ملتقطةً تتابع الاختلافات لأنماط الانكسارات مع الزمن، ومن هنا يستطيع الباحثون بناء لقطة لما يحدث لدقائق وجزيئات المادة خلال فيمتوثانية (femtosecond).

تبين لنا الصورة السابقة نمط انكسار الإلكترون فائق السرعة لبلورة من الذهب على اليسار، وغاز النيتروجين على اليمين، حيث يتم رصد حركة الجسيمات خلال الفيمتو ثانية وذلك بتحليل التغيرات الحاصلة للأنماط المختلفة.

تستطيع الإلكترونات بالإضافة إلى الأشعة السينية تحقيق معادلة السرعة الفائقة، تسلك الإلكترونات سلوك مشابه للأشعة السينية في مجال كشف الظواهر فائقة السرعة في الطبيعة. بيدَ أن الإلكترونات تُبَعثر وتَحرف إلكترونات ونوى ذرات المواد التي تخترقها بسرعات عالية. ومن جهة أُخرى، تتفاعل الأشعة السينية مع الإلكترونات فقط دون النوى. وبهذا تُشَّكلان (الإلكترونات والأشعة السينية) مزيجاً يُكَّمل بعضه الآخر في سبيل دراسة تغيرات البنية الداخلية السريعة جداً.

حيت يتم استخدام الإلكترونات في التفاعل بشكل أقوى مع المواد، وذلك في تحليل عينات رقيقة ذات سماكة نانوية، لأن إشارات الأشعة السينية ضعيفة جداً ضمن تلك السماكات النانوية.

قادت هذه التجربة الفريدة فريق المخبر الوطني للمُسَّرِعات (SLAC) لمقاربة أكبر بهدف فهم العلاقة بين السلوك المغناطيسي للمواد وبين خصائص بنيتها الداخلية، والذي من شأنه أن يقودهم إلى تطوير الجيل القادم من أجهزة تخزين البيانات. وعلى صعيد آخر سيقدم نظام (UED) من خلال دراستة الحالة الغازية تفاصيل البنية الداخلية للجزيئات الغازية، حيث تُعَد خطوة مهمة في سبيل فهم التفاعلات الكيميائية فائقة السرعة.

نُشِر هذا البحث الهام من قبل مجلة (Nano Letters ) في 31 آب من العام المنصرم، وفي مجلة (Scientific Instruments ) في 24 تموز من العام ذاته، والذي من شأنه أن يأخذ علم المواد إلى مستوى جديد، قد يقود العلماء إلى تطوير خلايا شمسية ذات فعالية عالية، وإلكترونات ذات سرعة ومرونة وأداء مميز للمُسَرعات الكيميائية.

كما رأينا في هذا المقال، سيقدم لنا هذا البحث أُفق جديد في مجال تطوير العديد من التقنيات في مختلف المجالات. نأمل ذلك ...

فيديو يشرح كيف يعمل نظام (UED).

المصادر:

هنا

هنا