الفيزياء والفلك > فيزياء

سلسلة الأشعة الكهرومغناطيسية: 3- الأشعة الميكروية.

الأمواج الميكروية (Micro Waves)، هي الفئة الثانية من الطيف الكهرومغناطيسي، وتقع عند النهاية العليا من الأمواج الراديوية، تتراوح ترددات (تواترات) هذه الأمواج ما بين 1 إلى 300 جيغا هرتز GHz أي بليون هزة في الثانية الواحدة، وهذا يعني أن أطوال موجاتها تتراوح بين 1 إلى 300 ميلي متر، وتَعتبر بعض المراجع أن مجال الأمواج الميكروية يبدأ عند 500 ميغا هرتز MHz، وبعضها الآخر يعتبر أن الترددات التي تفوق 300 ميجا هرتز تندرج ضمن مدى الأمواج الميكروية.

ظهر تعبير الأمواج الميكروية لأول مرة في مقالٍ كتبه العالم نيلو كارَّارا Nello Carrara ونشره في العام 1932 في مجلة Alta Frequenza الإيطالية، ولقي هذا التعبير الانتشار والرواج خلال الحرب العالمية الثانية.

ينقسم الطيف الميكروي إلى اثنتي عشرة فئة، مبينة في الجدول أدناه:

تتمايز هذه الفئات عن بعضها البعض في خصائصها، فعلى سبيل المثال، تستطيع أمواج الفئة C (تبعًا للمسميات القديمة) اختراق الغيوم، والغبار، والدخان، والثلج والمطر، وبذلك يمكن استخدام هذه الأمواج في تصوير سطح الأرض من الفضاء مهما كانت العوامل الجوية، أما أمواج الفئة L فتُستعمل في مُستقبلات أنظمة تحديد المواقع (GPS)، وهي قادرة على اختراق الغطاء الأخضر للأشجار في الغابات المطيرة ما يسمح بقياس رطوبة التربة، في حين أن أمواج الفئات C، و X، و Ku فتستعملها السواتل (التوابع أو الأقمار الاصطناعية) للتواصل مع محطاتها الأرضية.

تنقسم الأمواج الميكروية إلى قسمين أساسيين:

أمواج SHF هي من الأمواج ذات التواتر العالي جدًا (Super High Frequency)، تتراوح تواتراتها ما بين 3 إلى 30 جيغا هرتز GHz وبالتالي تتراوح أطوال موجاتها ما بين 1 إلى 10 سم، ولهذه الأمواج استعمالات في الرادار (RADAR)، وللتواصل مع الطائرات ومع السواتل (التوابع الاصطناعية).

أما أمواج الفئة العليا EHF، أي الأمواج العالية التواتر بشكل هائل (Extreme High Frequency)، فتتراوح تواتراتها ما بين 30 إلى 300 جيغا هرتز GHz وتتراوح أطوال موجاتها ما بين 1 إلى 10 مم، وهي تُستخدم في التجارب والرادارات.

تتميز الأمواج الميكروية بسهولة التحكم فيها، فيمكن ببساطة حصرها ضمن إشعاعٍ ضيق، ومن ثم توجيهها نحو المُستقبِل، مما يجعلها صعبة الاعتراض، وكون هذه الأمواج ذات تواتر مرتفع، فهذا يعني أن لديها طاقة مرتفعة، ما يمكنها من نقل كميات كبيرة من المعلومات وبكفاءة عالية.

وبالحديث عن الأمواج الميكروية، لا بد من الحديث عن أحد أكثر استخداماتها شيوعًا ألا وهو أفران الأمواج الميكروية أو ما يسميه الناس اختصارًا (الميكرويف).

تعمل هذه الأفران عن طريق توجيه أمواج ميكروية ضمن الفرن إلى المادة المراد تسخينها أو طهوها. تتحول طاقة تلك الأمواج إلى حرارة عند اصطدامها بسطح المادة الموضوعة داخل الفرن. وكثيرًا ما يُثار تساؤل عن خطر هذه الأفران، فهل صحيح ما يقال إن تلك الأفران قد تسبب السرطان؟

للإجابة على هذا السؤال، لابد لنا من الحديث عن الإشعاعات المؤينة.

هناك فرق كبيرٌ بين الإشعاعات المؤينة والإشعاعات غير المؤينة.

فالإشعاعات المؤينة تستطيع اختراق وتأيين الأورقة العضوية، والخلايا الحية، والأنسجة البشرية، لأن تواترها أعلى بكثير؛ وبالتالي فإنها تحمل طاقة كبيرة جدًا قد تصل للآلاف من إلكترون فولت eV (واحدة قياس للطاقة) تُمكِّنها من التأيين والاختراق، بل حتى يمكنها التعديل على المورثات. وتندرج الأشعة السينية وأشعة غاما والأشعة الكونية ضمن الإشعاعات المؤينة، وسيأتي الحديث عنها في أجزاء أخرى من السلسلة.

أما أفران الأمواج الميكروية الحديثة فتعمل بأمواجٍ يبلغ تواترها 2.45 جيغا هيرتز GHz، وهذا يعني أن الطاقة المُقدّمة من هذه الأمواج تبلغ 10 ميكرو إلكترون فولت eV، وهذا لا شيء مقارنةً بالطاقة التي تمتلكها الإشعاعات المؤينة.

تتخلل الأمواج الميكروية الكون المحيط بنا، ففي العام 1965، قام العالمان أرنو بينزياس Arno Penzias وروبيرت ويلسون Robert Wilson باستعمال مستقبلِ أمواجٍ ميكروية من النمط L، وكان المستقبل قادرًا على تحسس الضجيج في الخلفية، وكان منتشرًا في كل الاتجاهات، ولم يكن مصدره جهة واحدة. هذا يعني أن مُسبب الضجيج ليس موجةً عابرة، إنما شيءٌ منتشرٌ في كل مكان. لاحقًا أدرك العالمان أن ذلك الضجيج صادرٌ عن الكون من حولنا، وتبيَّن أن للأشعة الميكروية علاقة ببداية تشكل الكون.

للإطلاع على المقال الأول في السلسلة:هنا

المقال الثاني (الأشعة الراديويّة): هنا

المصادر: هنا

هنا

هنا

هنا

هنا