كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (نداء الملاك): خطط القدر والأسرار التي دفنتها السنوات.

تبدأُ هذه الرواية مع الطاهي الفرنسي "جوناثان لامبيرور"، الشاب الذي أسّس إمبراطوريته قبل أن يبلغ الأربعين من العمر، فكان أهم شخصيّات عَصرهِ في مجال الطبخ والمطاعم، مُستحدثاً طرقاً قلبت عالمَ الطّهي رأساً على عقب، لكنه وبغمضة عينٍ فَقَد كلَّ ما يملك، عَملهُ، شركاته وأسهمه المقدّرة بالملايين وعلى رأس ذلك كلّه عائلِته المثاليّة.

أما السببُ وراءَ هذا كله فهي الفضيحةُ العلنيّة التي ارتبطت بإسمه وتصدّرت عناوين الصفحاتِ الأولى، الأمرُ الذي شكّل صدمةً حادّة للشاب الطموح، خاصةً بعد أن أدّى هذا إلى انهيار أحد الأعمدة التي ارتكز عليها في صعوده على سُلّمِ النجاح، فتركَ كُلَّ شيءٍ وراءه وابتعد إلى أقاصي سان فرانسيسكو ليُنشئ مطعماً متواضعاً في أحد أزقّتها ويُغلق الباب على موهبتهِ الفذة.

أمّا صاحبةُ الهاتف الآخر وبطلةُ هذه الرواية فهي "مادلين غرين"، بائِعةُ الزهور الباريسيّة الجميلة التي كانت لتُصبح عارضةَ أزياءٍ في حياة أخرى ربما، تعيشُ قصّةَ حُبٍّ مع شاب ساحر قام بخطبتها في أكبر مدن العالم ويمكن حتى وضع حياتها نموذجاً للحياة الهانئة والجميلة التي تَحسدها عليها فتيات جيلها. لكن حادثة تبادل الهواتف تلك، سوف تكون مسؤولةً عن قَلبِ حياتِهما بشكل كارثيٍّ في البداية.

فقيامُ كلًّ منهما بنَبشِ ماضي الآخر يقودهما بذلك الفضولُ البشري الذي لا يقفُ عندَ حد، دافعين ببعضهما قسراً لمواجهة أسوأ مخاوفهما.

تقودنا أحداث الرواية عبر لندن، سان فرانسيسكو، باريس ومانشستر وأخيراً تُعيدنا إلى حيثُ بدأ كل شي إلى نيويورك، لنغوصَ في تفاصيل إحدى قضايا الخطف التي هزت مانشستر قبل سنوات، فما هي علاقة المراهقة الفريدة التي اختفت فجأةً في أكثرِ أحياءِ مانشستر فقراً ببطليّ روايتنا؟ وهل يمكن بعد هذه السنوات كلّها أن يتم حلُّ لغز اختفاء الفتاة؟

ما هو السرُ الذي يعذّبُ ضمير مادلين ويبقيها عالقةً في جحيمها الخاص رغم أقنعة السعادة التي ارتدتها منذ قدومها لباريس؟

وهل سيتوصل لامبيرور إلى خاتمةٍ ما ليتمكّن من مواصلة حياته بعد أن أهدر موهِبته وأدخل حياته في حالة سباتٍ كئيبة، وكيف سيتمكن من تجاوز تبِعاتِ الإذلال العلنيّ الذي تَعرضَ له؟

تمتاز هذه الرواية بغِناها بالتفاصيل الجذّابةِ كالوصف المُذهل لأصناف الزهور ونباتاتِ الزّينة التي يتزيّنُ بها متجر مادلين، فتَرسمُ صورةَ متجرِ الزهورِ المثالي لمدينةٍ كباريس بمقتنياتهِ الخشبية وتصميمه الباعث على الراحة والهدوء. كذلك تتناولُ شغف الطاهي المتقاعد إبداعياً لامبيرور، فهو في إعداده للطعام بمطبخهِ الخاص أشبه بمايسترو من نوعٍ فريد، ومن الممكنِ وصفَ أي طبقٍ يصنعهُ كمقطوعةٍ فنيةٍ حقيقية مهما كان هذه الطبق بسيطاً أو تقليدياً.

قد لا تكون هذه الرواية إحدى الروائع الأبدية التي تتوقع لها الترشح لجائزة نوبل للآداب، لكنها حتماً تُشّكلُ استراحةً مثاليّةً لكَ سواءً أكُنتَ غارقاً في آلاف المهام التي يتوجب عليك القيام بها أوقد انتهيت لتوّكَ من قراءة إحدى مجلدات الأدبِ الكلاسيكي مثلاً.

كما أنها خيارٌ ممتاز إذا كنت تبحث عن مغامرةٍ جديدة لتَغوص في أحداثها، فعلى الرغم من كونها طويلةً نسبياً إلا أنها ذاتُ جاذبيةٍ مغناطيسيّة، فلن تستطيعَ تركها قبلَ أن تُنهي آخرَ صفحاتِها ولعل هذا أبرز ما يُميزُ "غيوم ميسو" في جميعِ كُتبهِ، فهو قادرٌ على مزجِ مشاهدِ الرواية مع واقعِ القارئ بأسلوبٍ مُتقنٍ، وقد يكون هذا سبب كَونهِ أحدَ أكثرِ الكُتّاب مبيعاً بعد أن تُرجمت كُتبه لأكثرَ من لغةٍ حول العالم.

معلومات الكتاب:

الكتاب: نداء الملاك

الكاتب: غيوم ميسو

المترجم: حسين عمر

صدر عن المركز الثقافي العربي عام 2014 ونشر لأول مرة عام 2011

ISBN 9782845635173