الفيزياء والفلك > علم الفلك

الإعلان عن أدلّة قويّة تُشير إلى وجود كوكب تاسع في مجموعتنا الشمسية.

استمع على ساوندكلاود 🎧

يدَّعي الفلكيّونَ بأنهم يملكونَ أقوى دليلٍ توصلّوا إليه حتى الآن، على وجودِ الكوكبِ المجهولِ Planet X، وتأتي هذهِ التكهّناتِ بعد حوالي قرنٍ من تخمينِ العالم الفلكيّ برسيفال لويل Percival Lowell عن اختباءِ كوكبٍ على حوافّ النّظامِ الشمسيّ.

تُشيرُ الحساباتُ المداريّةُ إلى أنّ الكوكبَ التاسعَ في المجموعةِ الشمسيّةِ، على افتراضِ وجودهِ، ستكونُ لهُ كتلةٌ تبلغُ عشرَة أضعافِ كتلةِ الأرضِ، وسيكونُ بحجمِ نبتون تقريباً، ويُتمُّ دورةً حولَ الشّمسِ خلال فترةٍ تتراوحُ بين 10000 إلى 20000 سنة، كما أن بُعده عن الشّمسِ لايقلّ عن حوالي مئتي ضعفِ بعدِ الأرضِ عن الشمسِ، أو ما يعادل مئتي وحدةٍ فلكيةٍ AU وهذا ما يجعلُه أبعدَ بكثيرٍ من بلوتو (الوحدة الفلكية هي متوسط المسافة بين الأرض والشمس والتي تساوي 149,597,870 كيلومتر تقريباً)، ويقعُ في مملكة الأجرامِ الجليديّةِ المعروفةِ باسم حزامِ كويبر Kuiper، أي بعيدًا عن منطقة وجودِ الكواكبِ التي تدورُ حولَ الشّمس.

لم يتمكن أحدٌ من رؤيةِ الكوكبِ التّاسعِ، لكنّ الباحثين استدلّوا على وجودهِ من طريقةِ تحرُّكِ عددٍ من أجرامِ حزامِ كويبر، والتي تسمى اختصارًا KBO. وبالأخذِ بالاعتبارِ التاريخ الطويل للتخمين بوجود كوكبٍ بعيدِ فإنّ فكرةَ وجودِ الكوكبِ التّاسِع قد تنتهي في مزبلةِ التاريخ.

يقولُ مايك براون Mike Brown، وهو فلكيّ في معهدِ كاليفورنيا للتّقانة في باسادينا من الفريقِ المشاركِ بالدراسة: "للوهلةِ الأولى ستكونُ ردّةُ فعلي الأوليّةِ أنّهُ جنون، لكنّك لو اطّلعت على الأدلّةِ والإحصائياتِ، لصَعُبَ عليكَ ألا تصلَ للاستنتاجِ نفسهُ"

يُضيفُ أليساندرو موربيدِللي Alessandro Morbidelli من جامعةِ Côte d’Azur في مدينة نيس Nice في فرنسا، المتخصّصِ بالتّحريكِ المداريَ، وهو من راجعَ البحثَ بالتّفصيلِ بأنّهُ مقتنعٌ تمامَ الاقتناعِ بوجودِ الكوكبِ لكنّ البقيّة غيرُ متأكدين، فعالمُ الكواكبِ هال ليفيسون Hal Levison من معهدِ الأبحاثِ في بولدر Boulder في كولورادو، يُشيرُ إلى اطّلاعِه خلالَ عملهِ على الكثيرِ والكثيرِ من هذه الادعاءاتِ، وكانت جميعُها مجانبةٌ للصّواب.

يَستَحضِرُ الادّعاءُ بوجودِ الكوكبِ التّاسعِ فترةً من القرنِ التّاسعِ عشرِ حينما تنبَّأ الفلكيّون بوجودِ كوكبِ نبتون والذي اكتُشفَ بعدها عن طريقِ دراسةِ الاضطراباتِ الضّئيلةِ في مدارِ كوكبِ أورانوس، فقد أشاروا – وكانوا على حقّ – إلى أنّ ثقالةَ جسمٍ غيرَ مُشاهدٍ لابدّ أنّها تشدُّ أورانوس ويأمَلُ الفلكيّونَ بأن يُعيدَ التّاريخَ نفسه.

بدأت القصّةُ في العام 2014، عندما أعلنَ الفلكيّانِ تشادويك تروجيللو Chadwick Trujillo و شكوت شيبّرد Scott Sheppard عن اكتشافهما جُرمًا من حزام كويبر KBO أسمَوه 2012 VP113 ولا يدنو مدارُه المتطاولُ من الشّمس لأقلّ من 80 وحدةٍ فلكيةٍ ( وللمقارنة فإن بلوتو في أقصى حالاتِه لا يبعُدُ عن الشّمسِ لأكثرَ من 48 وحدةٍ فلكيةٍ) وبهذا انضمّ الجُرمُ VP113 إلى الكوكب القزمِ سِدْنا Sedna باعتبارهما الجُرمينِ المعروفينِ الوحيدينِ اللذينِ يسيرانِ في مدارينِ بعيدينِ جدًا. أشارَ الفلكيّانِ في تقريرهما إلى أنّ مداري هذينِ الجُرمينِ يُدلّلانِ على أنّهُ من المحتملِ وجودُ جُرمٍ لعلّه كوكبٌ أكبرُ من الأرضِ على بعدٍ يُقاربُ 250 وحدة فلكية.

قَبِل الفريقُ البحثيّ التحدي، ويُعلِّق براون على تلك الفترةِ بأنّ هدفَهم كانَ الكشفَ عن جنونِ هذه الفكرةِ. لكنّ الفلكيّان صاحبيِ الدّراسةِ السابقةِ لاحظا بأنّ الكوكبَ القزم سِدْنا والجُرمَ VP113 وغيرَهما من أجرامِ حزامِ كويبر KBO تشتركُ بصفةٍ مميزةٍ، وهي أنّها عند اقترابِها من الشّمسِ تكونُ في مستوٍ يتعامد مع مستوي المجموعةِ الشّمسيّةِ، وأنها جميعًا تتحرك من الجنوبِ إلى الشمالِ لدى عبورِها المستوي.

أجرى الفريقُ البحثيّ المزيدَ من التّحاليلِ على المداراتِ، واكتشفوا أن المحورَ الكبيرَ فيها يتراصفُ كما لو أنّ شيئًا قد دفعهم ليشغَلُوا المِنطقةَ عينِها من الفضاءِ المحيطِ بالشّمس، ولهذا استنتجَ الفريقُ وجودَ جُرمٍ عظيمِ الكتلةِ يؤثّرُ على هذه الأجرام، فقد كان لديهم التوقيعَ الثقاليّ لكوكبٍ عملاقٍ في أطرافِ المجموعةِ الشّمسيّةِ.

يحمل الكوكب التاسع الاسم فاتّيْ Phattie بشكلٍ غيرِ رسميّ، وهو كوكبٌ جليديّ لهُ طبقةٌ خارجيةٌ غازيةٌ ويُحتَمل أنّهُ يصغُرُ نبتون قليلًا، وقد يكونُ التأثيرُ الثقاليّ لكوكبي أورانوس ونبتون قد رمى بهِ إلى البعيدِ خلال ثلاثةِ ملايين سنةٍ الأولى من عمرِ المجموعةِ الشّمسيّة.

سيكون من العسيرِ مشاهدةُ الكوكبِ التّاسعِ باستخدام المقراب (التلسكوب) لأنّهُ يُمضي مُعظمَ وقتِه بعيدًا جدًا عن الشّمسِ ما يجعلُه باهتًا وعصيَّا على الرؤية. مع ذلك يسعى الفريقُ لرؤيتِه مستعينينَ بمقرابِ سوبارو Subaru الموجودِ في هاواي، لكنهم لم يُفلحوا حتى الآن، كما سيكونُ لمقرابِ المسحِ الشّاملِ Synoptic Survey Telescope المُقامِ في التشيلي فرصةٌ جيدةٌ في الظّفرِ برؤيتِه عندما يبدأ تشغيلُه في مطلِعِ العقدِ القادم.

تظلُّ هناكَ وسائلُ أخرى للتّحقّقِ من وجودِ الكوكبِ التّاسع، فتأثيرُهُ الثقالي سيُنتجُ وفرةً بأجرامِ حزامِ كويبر KBO التي لمداراتِها زوايا ميلٍ كبيرةٍ. بعضُ هذه الأجرامِ مُكتشفٌ مُسبقًا لكنّ الكشفَ عن غيرِها سيُعزّزُ من قوّةِ الإحصائياتِ الخاصّةِ بوجودِ الكوكبِ التّاسعِ وتأكيدِ وجودُه من عدمه. فالحاجةُ ملحّةٌ لاكتشافِ المزيدِ من أجرامِ حزامِ كويبر القصيّة، وعلى الرغم من أن موقعَها غيرُ معروفٍ بالضّبط،لكن الوقت هو وقت العودة للمقراب، ومن ثَمَّ القولِ: لقد وجدّتُها.

المصادر:

هنا

هنا