التاريخ وعلم الآثار > حقائق تاريخية

الأخطاء التاريخية في فيلم 300

استمع على ساوندكلاود 🎧

الأخطاء التاريخية في فيلم 300

نلاحظ غالباً عند العمل على الأفلام التاريخية في السينما انعكاس الأحداث التاريخية والخيالية والأسطورية عبر الكاميرات السينمائية بحسب قراءة المخرج والكاتب للطريقة الأمثل في نقل الأحداث للمتابع، وذلك وفقاً للدلائل والوثائق التاريخية الموجودة، فلا يخلو الأمر من ارتكاب بعض الأخطاء التي لا تخفيها المؤثرات الرائعة والإنتاج الضخم، ولكنَّ بعض الأخطاء قد تتعدى كونها أخطاءً دراميّة لتتحول إلى أخطاءٍ تاريخية منها البسيط ومنها ما يتعدى كونه سطحياً، بل ويصبح مغالطة تاريخية حقيقية. في مقالنا اليوم سوف نبرز أهم الأخطاء التاريخية التي وردت في الفيلم الشهير "300" والذي صُوِّر تحت عدسة زاك سنايدر فتابعونا...

1- مجلس الشيوخ:

سنتناولُ بدايةً الخطأ المرتبط بالنظام السياسي في إسبارطة، فقد صُوِّر أعضاء مجلس الشيوخ على أنهم مجموعةٌ من الأشخاص البغيضين والبدائيين؛ بل وأُظهِروا كالوحوش الكاسرة، ولكن في واقع الأمر فإنَّ مجلس شيوخ إسبارطة كان مكوناً من ثلاثين شخصاً محترماً من قبل كامل الشعب، إذ إنَّه ووفقاً للسجلات التاريخية فإن الأعضاء الثلاثين لمجلس الشيوخ، ينقسمون إلى ثمانية وعشرين عضواً يجب أن تزيدُ أعمارهم على الستين عاماً و متمتعين بتاريخٍ حافلٍ من العلاقات الاجتماعية بين معظم الأوساط النخبوية اليونانية في الدولة، والاثنان الآخران هما تحت سن الستين؛ وهما ملكا إسبارطة، ومما يجدر ذكره أنَّ الأعضاء كانوا يُنتخبون من قبل الجمعية العامة مدى الحياة (تشبه الجمعية العامة مجلس الشعب في عصرنا هذا).

2- الملكية:

وبالانتقال إلى نقطة أخرى؛ نجدُ خطأ تاريخياً كبيراً آخر، فيوجد منذ القِدم عُرفٌ وحيدٌ في دولة إسبارطة والذي يَقضي بوجود ملكين، إذ اتبع الإسبرطيون هذا النظام لاعتقادهم أنَّ التنافس الدائم بين الملكين يضعفهما ويمنعهما من الاستئثار بالسلطة، بمعنى آخر يرون أنَّ سلامة الدولة تكمن في نزاع ملوكها.

3- المقاتلين الصغار:

تستمر الأخطاء بالظهور كما يبدو واضحاً بالمشهد الذي يَتعلّقُ بالتدريب الذي يبدأ من الصغر وذلك بإظهار صبي الصيد في الجبال وحده، وهو أمرٌ مُتناقض كليًّا مع الأدلة التاريخية، التي تدّلُ على أنَّ المقاتلين الصغار يصطادون في مجموعاتٍ صغيرةٍ دائمًا، مما يُمكِّنهم من التعلّم -من الشباب الموجودين- على العملِ في مجموعةٍ منَّظمة من المقاتلين، ويعمل ذلك التجمع على الوقاية والتقليل من حدوثِ أمراضٍ وتسبّبِ حوادث قاتلة في أثناء التدريب.

4- لباس المقاتل:

وفي مشاهدِ المعارك الموجودةِ في الفيلم يرتَكبُ "زاك سنايدر" خطأً جديداً؛ إذ يَعمَدُ الى إظهار المقاتل الإسبارطي بمنظرٍ شبه عارٍ، ساتراً عورته بقطعة من الملابس الجلدية ورباطة حمراء، ويُعتقد أن هذا اللباس مستوحى من لباس سوبرمان (وحسب سنايدر فإن الفيلم مبني بنحوٍ كبير على سلسلة الكارتون للكاتبين فرانك ميلر ولاين فارليي عام 1988). لكن في الواقع فإن المقاتل الإسبارطي المتوسط يرتدي بضع كيلوغراماتٍ من المعدّات الحربية والتي غالباً تكون من الحديد، وأمّا بالنسبة للون الأحمر فهو ليس مجرّد عصابةٍ صغيرة بل إنّه يطغى على زي المقاتل الإسبارطي ويغطي المعدات الحربية، فحسب المُشرع الإسبارطي "ليكورجوس" فإنَّ اللون الأحمر يؤثر سلبًا على الخصم، ويساعدُ على إخفاء دم المقاتل الإسبارطي إذا جُرح.

5- الرسول:

لم تنتهِ الأخطاء هنا؛ بل إن أحد مشاهد الفيلم الأكثر شعبية هو أيضاً نتاج خيالٍ وليس حقيقة واقعة. وهي أن "خشايارشا الأول" أو "أكسركس Xerxes" (ملك المملكة الفارسية بين 465-486ق.م) لم يُرسل أيَّ رسولٍ إلى ملك إسبارطة "ليونيداس" لِيَطلبَ منه الاستسلام، فإن "ليونيداس" لم يرتكب أي جريمة بإلقاءِ الرسلِ في حفرِ الموت الضخمة، فذكر "هيرودوت" أن ذلك حدث بالفعلِ ولكن في وقت آخر وفي الماضي ولهذا كسرى لم يُرسل أي رسولٍ إلى إسبارطة يطالبهم بالاستسلام.

6- عراك الملكين:

لحظة صديقي القارئ فلم ننتهي بعد؛ فهنالك مغالطةٌ تاريخيةٌ أخرى في الفيلم ظهرت حين تواجه ملك اسبارتا "ليونيداس" و"كسرى" وجهاً لوجه، مشهدٌ دراميٌّ وحماسيٌّ حقاً لكن في الواقع فإن هذه المواجهة لم تحدث، إذ لم يُعثر على حدثٍ كهذا في سجلات "هيرودوت".

7- الفُرس:

كذلك نلاحظ أن الفيلم يُظهر "أكسركس" وجميع الشخصيات الفارسية على أنهم الشر بذاتهِ أوالشياطين المتعطشين للدماء والعنف، لكن الحقيقة غير ذلك إطلاقاً فبحسب السجلاتِ التاريخيةِ كان الجنود الفُرسِ مثقفين بالإضافة إلى أنهم مُدربون جيداً ويَحظونَ بسمعةٍ جيدةٍ في الثقافة والحضارة الإغريقية.

8- الخائن:

بالطبعِ فإنَّ كُلّ ماذُكرَ سابقاً لا يمكن أن ينسينا في هذه المقالةِ الخائن الأكبر (Ephialtes) والذي حسب "هيرودوت" لم يَكُن بشعاً ويبدو كالوحش ولم يتلقَ أيَّة دعوةٍ للانضمام إلى الجيش الإسبارطي أو أي جيشٍ يوناني، بل على العكس فقد خان رفاقه الإغريقيين من أجل المال والمنافع الشخصية دون دعوةٍ من أحد، ولسوء حظّهِ لم يَعش طويلاً مثلما تمنّى له "ليونيداس" ليعيش مع خيانته بل إنّهُ وبعد فترةٍ قصيرة قد اغتيل من قبل "اثيناديس"، إذ كُرِّم لاحقاً من قبل السلطات الإسبارتية.

وعلى مشارف نهاية مقالنا؛ نأتي إلى الجنديِ النصف أعمى "ديليوس"، الذي أرسله الملك "ليونيداس" إلى إسبارطة قبيل المعركة الشهيرة والتي سميت بـ(ترموبيلاي)*، وذلك لأن "ديليوس" يَمتلكُ موهبةً كبيرةً بإلقاء الكلمات وعليه فإنّه الخيار الأفضلُ ليرسل الملك بواسطته رسالة المقاومة الباسلة إلى الجميع في الوطن.

9- القائد:

وقبيل انتهاء الفيلم وفي خطأٍ ليس فقط مغالطةً تاريخية كبيرة؛ تظهر "ديليوس" على أنّه قائدُ أركان الجيش الإغريقي في معركة "بالاتيا"*، ولكن في الحقيقة فإنَّ قائد الأركان في الجيش الإغريقي في معركة "بالاتيا" كان واحداً من أعظم الجنرالات الإسبرطيين وهو "بوسانياس Pausanias "، ولكن في كلِّ هذه الفوضى التاريخية، لا يَسعُنا أن ننكر وجود جرعةٍ صغيرة من الحقيقة، ووفقا لـ "هيرودوت" كان هناك بين ال 300 مقاتلاً إسبارطيًا اثنان مصابان بمرضٍ في العين، أمرهم "ليونيداس" بالعودةِ الى إسبارطة، وبالفعل قد عاد المقاتلان، لكنَّ واحداً منهم وهو "ايروتوس" طَلبَ من خادمه أن يُعيدهُ إلى المعركة مع أنه كان شبه أعمى ومصابٌ أكثر من مرة في المعركة، وقد عاد بالفعل إلى القتال وماتَ ميتة بطولية الى جانب ملكه.

وبالنسبة إلى الآخر "أرستوديموس" فهو المقاتل الناجي الوحيد من الـ 300 إذ قرّر العودة إلى الوطن بدلاً من القتال في ظل هذه الظروف، غير أنه بهذا القرار أساء إلى نفسه وعدَّه مواطنوه جباناً، فقال "هيرودوت في أرستوديموس": "لا أحد كان سيعطيه شعلة من نار أو حتى التحدث إليه، كانوا يدعونه بـ ارستوديموس الجبان". لكنّه وفي معركة "بالاتيا" أثبت "أرستوديموس" نفسه ببسالته في القتال وشجاعته مما أكسبه الاحترام ليس فقط من زملائه الإسبارتيين بل من جميع الإغريق.

الهوامش:

بالاتيا وترموبيلاي: هما المعركتان البريّتان في الحروب الفارسية - الإغريقية، التي تكونت عموماً من معركتين بحريتين هما أرتميسيوم وسلاميس ومعركتين بريتين هما بالاتيا وترموبيلاي.

المصدر :

هنا

خليل ساره - تاريخ الإغريق - ص من351 حتى 460.