الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

كيف ستغير " اللوعبة Gamification" مستقبل العمل؟ إستخدام تطبيقات نظرية الألعاب في الموارد البشرية

استمع على ساوندكلاود 🎧

ستكون هذه السنة هي السنة التي سينتقل فيها استخدام "اللوعبة" “Gamification” (أو كما يطلق عليها "التلعيب") في العمل من بعض المشاريع الريادية المتفرقة لتصبح الطريقة الجديدة المتبعة في ملاحظة وتقدير الموظفين المتميزين. اللوعبة تستمد جوهرها من الألعاب، وبخاصة سمات الألعاب المعروفة والتي تجذبنا إلى اللعب كالمرح والوضوح والتنافسية والتصميم الجذاب، بالإضافة إلى السمات التي يعرفها مصنعو الألعاب، كالإدمان. يتم تطبيق النظريات المستمدة من الألعاب على طيف واسع من النشاطات في العالم الحقيقي داخل الشركات، وتتضمن هذا الأنشطة عمليات تبدأ بعمليات التوظيف وتصل حتى التعليم والتطوير.

بدأت مفاهيم اللوعبة تشق طريقها الى عمليات الموارد البشرية الرئيسية من خلال عدة طرق، أحدها كموضوع ذو أهداف جدية وواضحة كما سيوضح المثال العملي من شركة PwC، والتي وظّفت اللوعبة بتطبيقها على المرشحين للعمل في الشركة، وذلك عن طريق تطبيقات اللوعبة التي تم تقديمها من شركات كـ Badgeville و BunchBall وAxonify ووضعت في منصات برمجية خاصة. في كافة الحالات تخدم اللوعبة الشركات التي تبحث عن طرق جديدة لجذب وتحفيز الموظفين والحفاظ عليهم.

أظهرت أخر دراسات معهد غالوب للأبحاث (Gallup) السبب الذي يدفع الشركات لزيادة اهتمامها بتطبيقات اللوعبة، حيث أظهرت نتائج الدراسة التي قام بها معهد غالوب أن 31% من الموظفين يتفاعلون بإيجابيّة مع محيطهم في العمل، 51% لا يتفاعلون و17.5% يعزلون انفسهم بشكل كامل عن المشاركة بالعمل. والمثير حقاً للإهتمام أنه عندما يتم دراسة هذه النتائج وعلاقتها بالتصنيف العمري للأجيال، نجد أن جيل الألفية "المواليد من بداية الثمانينات وحتى سنة 2000”، هو أكثر جيل منسحب من المشاركة والتفاعل في العمل، تُظهر النتائج أن نسبة الموظفين الذين يتفاعلون بإيجابية مع محيطهم في العمل من جيل الألفية هو 28.9% بالمقارنة مع 32.9% للجيلين قبله (جيل إكس "المواليد من بداية الستينات وحتى بداية الثمانينات" وجيل الطفرة "المواليد من بداية الأربعينات وحتى بداية الستينات"). فما الذي يحدث بالضبط؟ تشير نتائج أبحاث معهد غالوب للأبحاث (Gallup) المصنفة وفق الأجيال إلى إبتعاد واضح من قبل جيل الألفيّة عن التفاعل مع عملهم لعدم وجود فرص كافية لإظهار مواهبهم أو طريقة لإيصال أفكارهم ومقترحاتهم. إن استخدام "اللوعبة" لمعالجة هذه المشكلة سيزيد معدلات المشاركة بالإضافة إلى مساعدة الشركات لتصبح بيئة جاذبة لأفضل الموظفين المهرة، فالموظفين من جيل الألفية سيشكلون 75% من القوة العاملة في العالم بحلول عام 2025.

لمعالجة مشكلة قلّة التفاعل من قبل الموظفين، تقوم ادارات الموارد البشرية في "Fortune500"، بتجربة عدد من البرامج الريادية المبنية على اللوعبة. إذ صرّح نائب رئيس شركة “ Gartner Estimates” أن تطبيقات اللوعبة التي تستهدف الموظفين والتي تتمحور حولهم قد تخطت تطبيقات اللوعبة التي تستهدف الزبائن.

فكيف يمكن لإدارة الموارد البشرية أو حتى لأقسام الدعم التقني إستخدام تطبيقات اللوعبة في عملياتهم المختلفة لتحقيق زيادة في نسب تفاعل ومشاركة الموظفين بمختلف تصنيفاتهم العمرية، وأن تؤدي إلى زيادة التعاون والتقدير في مكان العمل؟

فيما يلي ثلاث أمثلة لتأخذها في الاعتبار لإستخدام اللوعبة في تصورك لبيئة العمل المستقبلية في شركتك:

التوظيف: إستخدام شركة PwC " برايس ووترهاوس كوبر" اللوعبة لمحاكاة ما يشبه ألعاب الفيديو في بيئة العمل الحقيقية

قامت شركة PwC -المجر-خلال العامين الماضيين بتحديد هدف واضح: زيادة تفاعل المتقدمين لنيل الوظائف في الشركة خلال عملية بحثهم عن عمل. فقد تبين للشركة أن المتقدمين لنيل الوظائف في الشركة عادةً ما يمضون أقل من 15 دقيقة في الصفحة الخاصة بالتقديم على الوظائف الشاغرة في موقع الشركة على شبكة الانترنت، بينما ترغب الشركة في رفع مستوى المتقدمين وزيادة تفاعلهم. قامت الشركة بتطوير وإطلاق لعبة سمّتها ملتيبولي Multipoly (لعبة تشبه لعبة المونوبولي الشهيرة ولكنها مصممة للملمين بالعلوم المالية). تسمح اللعبة للمتقدمين باختبار جاهزيتهم للعمل في الشركة من خلال العمل ضمن فريق وتقديم حلول لمشاكل حقيقية قد تواجههم في العمل. تطرح اللعبة على اللاعبين مهام متنوعة مبنية على المهارات التي تهم الشركة وتفضّلها في الموظفين، كالفطنة في العمل ومهارات التعامل مع الأرقام ومهارات بناء العلاقات. لاحظت Noémi Biró نعومي بيرو، مدير التوظيف الإقليمي في PwC -المجر، أن المتقدمين اللذين قاموا باللعب في ملتيبولي أصبحوا أكثر جاهزية لمقابلة العمل الشخصية، قامت اللعبة بتوعيتهم عن الشركة وأهدافها وخدماتها والمهارات المطلوبة للنجاح فيها. تقول Biró بيرو، أن الموظفين الجدد اللذين لديهم خبرة في ملتيبولي إندمجوا في الشركة بشكل أسهل لأنهم تعرفوا على بيئة الشركة وقيمها من خلال اللعبة. للمقارنة بين تجربة اللعب في ملتيبولي وزيارة صفحة الوظائف على الموقع الخاص بـ PWC ، أظهرت النتائج أن المتقدم للعمل يقضي بين 5 و 10 دقائق في صفحة الوظائف بينما يقضي ساعة ونصف تقريباً في لعبة الملتيبولي قبل موعد المقابلة!

منذ إطلاق لعبة ملتيبولي، سجلت الشركة نمواً بمقدار 190% في أعداد المتقدمين للعمل مع 78% من المستخدمين أشاروا إلى اهتمامهم بالعمل لدى PwC.

تعليم الموظفين: Walmart وول-مارت يستخدم دفعات صغيرة من اللوعبة لتعزيز التدريبات في مجال السلامة

بدأت شركة والمرت في استخدام نظريات الألعاب قبل سنتين بهدف استكمال تدريبات السلامة المهنية لأكثر من 5،000 من المتعاملين معها في ثماني مراكز توزيع تابعة للشركة. من خلال إستخدام اللوعبة في تدريبات السلامة المهنية تمت معالجة مسألة في غاية الأهمية، وهي التأكد من أن القوة العاملة ملتزمة بقوانين السلامة المهنية في العمل. تم تصميم منصة اللعبة لإيصال المعلومة من خلال تطبيقات مدموجة في العمل لا تتعدى مدتها ثلاث دقائق، بالإضافة إلى ذلك فقد وفرت اللوعبة فائدة أخرى للشركة بكونها لعبة تنافسية، وبالطبع فهي تسبب الادمان، وخلال فترة قصيرة أصبح المتعاملون يتحدثون عن اللعبة وعن أدائهم وترتيبهم وأهمية التقيّد بتعليمات السلامة المهنية خلال عملهم. إن هذا الجانب العاطفي للوعبة هو المؤثر الحقيقي في تغيير تصرفات الموظفين. تشير النتائج الحالية الى تناقص الحوادث بنسبة 54% في مراكز التوزيع الثمانية التي تم تطبيق اللوعبة فيها.

التعاون الداخلي: شركة Qualcomm كوالكوم تستخدم اللوعبة لزيادة التعاون بين الموظفين

تستخدم شركة كوالكوم تطبيقات اللوعبة في مواقعها الإلكترونية الموجهة للموظفين ضمن الشركة كموقع stackoverflow.com، والذي يتضمن قسم للأسئلة والأجوبة، حيث يقوم الموظفون بطرح الأسئلة التقنية ويتم التصويت على الجواب الأفضل ورفعه ليصبح الجواب الأول بين مختلف الإجابات. في هذا التطبيق "للوعبة" يحصل الموظفون في كوالكوم على نقاط بحسب درجة نشاطهم وتعاونهم، وبعدها يحصلون على شارة تميزهم عن غيرهم عند قيامهم بتقديم المساعدات الكبيرة للموظفين الآخرين، كالإجابة على الأسئلة الصعبة التي تركت بدون إجابة لفترة 30 يوم. الموظفون الذين يقومون بهذه المساعدات لأقرانهم يحصلون على شارة "عاِلم" وتقدير على الموقع! بالإضافة إلى ذلك تظهر هذه الشارة في الملف الوظيفي تقديرا للتميز في مساعدة الآخرين ومشاركة المعلومات معهم.

يتوجب على المزيد من الشركات القيام بإختبار التطبيقات التي أثبتت فاعليتها على مواقع مثل stackoverflow.com و khanacademy.org في زيادة التفاعل والتعاون.

توضح الأمثلة الثلاثة المذكورة سابقاً ثلاث دروس في استخدام اللوعبة في زيادة التفاعل داخل الشركات:

1- فكر بالإستراتيجية أولاً: حدد الأهداف التي تسعى لتحقيقها من خلال اللوعبة بشكل واضح. في مثال شركة PwC كان الهدف هو زيادة تفاعل المتقدمين للوظائف وتعريفهم بالشركة قبل وصولهم إلى مقابلة العمل.

2- إعرف ما الذي يحفّز موظفيك: اللوعبة هي 75% علم نفس و25% استخدام للتكنولوجيا. فالموظفون في شركة Qualcomm كوالكوم أرادوا بصدق الإجابة على تساؤلات أقرانهم، ولذلك فإن فهم هذا الحافز على هذا التصرف أدى إلى تحقيق أهداف الشركة.

3- تشارك مع الموظفين على المستوى العاطفي: تتواصل اللوعبة على مستوى عاطفي مع الموظفين بطريقة أكثر من مجرد جمع النقاط أو الشارات أو لوحات التميز. المتعاملين مع Walmart والمرت الذين قاموا بلعب لعبة السلامة المهنية لم يتنافسوا فقط على النقاط والشارات بل بدؤوا بالتحدث عن أهمية إجراءات السلامة خلال يوم عملهم!

هل قمت أنت وأعضاء فريقك بتجربة تطبيقات اللوعبة في الشركة؟ كيف كانت النتائج؟ نحن مهتمون بسماع آرائكم وتجاربكم في التعليقات وسيتم الإجابة عنها.

Jeanne Meister جيان مسيتر – شريك في شركة مستقبل مكان العمل، مؤلف مشارك لكتاب " مكان العمل في 2020: كيف تقوم الشركات الخلاّقة بجذب وتطوير والحفاظ على موظفي الغد، اليوم".

المصدر:

هنا