علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

كيف تستجيب أدمغة الشباب وكبار السن للمثيرات المحيطة ؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

"أنت ميّت"، حلقة تعود لعام 1961 من البرنامج التلفزيونيّ "هدايا ألفريد هتشكوك" ما زالت تثير الدهشة لكن ليس بحكايتها الملتوية فحسب. حيث استخدم علماء من جامعة كامبردج هذا البرنامج التلفزيونيّ ليبيّنوا أنّ الشباب يتجاوبون بطريقة متماثلة للأحداث من حولهم، إلّا أنّ أنماط التفكير تتشعب مع تقدّمنا في العمر.

وقد وجدت تلك الدراسة أيضاً، والتي تمّ نشرها في مجلّة "Neurobiology of Aging" "علم أعصاب الشيخوخة"، أنّ الأشخاص المسنّين يتشتّتون بسهولة أكثر من الشباب. حيث يُعتقد أنّ للعمر دور في تغيير الطريقة التي تتجاوب بها أدمغتنا وكذلك في الكيفيّة التي تتفاعل بها شبكات الدماغ مع بعضها البعض. غير أنّ الأبحاث التي تدرس تلك التغيرات غالباً ما تستخدم تجارب مصطنعة للغاية ومعتمدة على مثيرات بسيطة.

وفي محاولة لفهم كيفيّة استجابة أدمغتنا لمثيرات معقّدة ، كالتي نمرّ بها في حياتنا اليوميّة، أجرى باحثون من جامعة كامبردج / قسم العلوم العصبيّة والشيخوخة تجربة فريدة. حيث تمّ عرض نسخة معدّلة من إحدى حلقات مسلسل هتشكوك التلفزيونيّ على 218 مشارك تراوحت أعمارهم بين ال 18-88 سنة بالترافق مع استخدام تقنيّة الرنين المغناطيسيّ الوظيفيّ لقياس نشاط أدمغتهم.

وجد الباحثون درجة تشابه غير متوقّعة بين أنماط تفكير الشباب المشاركين في البحث حيث أن أدمغتهم أضاءت بصورة متماثلة وعند نقاط متشابهة خلال فترة مشاهدتهم للبرنامج التلفزيونيّ. غير أنّ أدمغة المسّنين المشاركين في البحث لم تظهر أيّ نشاطاً متماثلاً أو متشابهاً كذاك الذي وجد عند الشباب، بل إنّ مسار معالجتهم للأفكار بدا أكثر تفرّداً واستقلاليّة. وهذا يدلّ على تجاوب المسنيّن للحلقة التي شاهدوها بصورة مختلفة، وربّما كانوا أكثر تشتتاً.

والجدير بالذكر أنّ أكبر الفروقات في أنشطة الدماغ ظهرت في المناطق الأماميّة منه "منطقة الأوامر العليا"، وهي مناطق مسؤولة عن التحكّم بالانتباه (تحديدًا الفصّ الجبهيّ العلويّ والتَّلَم داخل الفصّ الجداريّ)، كما أنّها مسؤولة عن معالجة اللغة (التلفيف الصدغيّ الثنائيّ الأوسط والتلفيف الجبهيّ السفليّ الأيسر).

وتقترح نتائج البحث أنّ قدرتنا على الاستجابة للأحداث اليوميّة في بيئتنا المحيطة تتباين مع اختلاف العمر، وهذا قد يعود إلى تبدّل أنماط الانتباه مع التقدّم في العمر.

وذكرت رئيسة البحث، الدكتورة كيرين كامبل من قسم علم النفس، أنّ "قدرتنا على التحكّم في تركيزنا تتناقص وتذبل مع تقدّمنا في العمر، حيث ينحرف تركيزنا نحو المعلومات الأكثر تشتيتًا لنا بخلاف الشباب الأصغر سنّاً. وبالنتيجة يتنبّه الأفراد الكبار في السنّ لطيف أوسع من المثيرات والمحفّزات، ممّا يجعلهم يفسّرون ويفهمون الأحداث اليوميّة من حولهم بطرق مختلفة ومتنوعة أكثر من الشباب.

وفي مجال السينما، يسعى المخرجون والمصورّون إلى توحيد استجابة الجمهور للأفلام والمسلسلات التي يشاهدونها وخلق تجربة متشابهة عند الجميع عن طريق توظيف تقنيّات مختلفة للفت انتباه الجمهور إلى الجسم المركزيّ في كلّ لقطة سينمائيّة. فعندما يكون مشهد ما غير مثير للاهتمام مثلاً: عندما تكون الحركة في المشهد بطيئة أو عندما ينخرط أحد الأبطال في حوار طويل، يقلّ تشابك الأنشطة العصبيّة في دماغ المشاهد، مما يشير إلى أهميّة وصول تلك المنبّهات أو المحفّزات لدرجة معيّنة من الإثارة تكفي للفت انتباه المشاهد. ومع ذلك فإنّ جذب الإنتباه وحده لا يعدّ كافيًّا عند مشاهدة فلم ما، حيث يتوجّب على الدماغ المحافظة على ذلك الانتباه أو على الأقل حصر عمليّة الانتباه بالمعلومات المرتبطة بحبكة الفلم.

وترى الدكتورة كامبل وزملائها أنّ التنوّع في أنماط الدماغ عند الكبار في السنّ يعكس اختلافًا في قدرتهم على السيطرة على انتباههم، فمن المعروف أنّ انجذاب الانتباه لمحفّز ما في البيئة المحيطة يبقى ثابتاً نسبيّاً مع التقدّم في السنّ.

وهذا بدوره يؤيّد نتائج بحث سابق بيّن أنّ الكبار في السنّ يستجيبون ويتذكّرون الأحداث التي تنطوي على مضمون عاطفي بشكل أفضل.

المصادر:

هنا

البحث الأصلي:

هنا